وحيد عبد المجيد
إحدى سمات العقل المُغلق أنه أسيرُ صورٍ نمطيةٍ بسيطة تمنعه من رؤية تعقيدات الحياة. ونجدُ أحد تجليات هذا الأسر فى الميل إلى تحميل الدين المسئولية عن مواقف وممارسات تعودُ إلى تقاليد اجتماعية قديمة.
ويحدثُ هذا، أكثر ما يحدثُ، بشأن مواقف تتعلقُ بتغطية شعر المرأة أو وجهها فى مجتمعات يدينُ أغلبيةُ سكانها بالإسلام.
العقلُ المُغلقُ يقفُ دائمًا على السطح، ولا يفكرُ بالتالى فى أعماق المجتمعات وقواعدها التقليدية، بما تتضمنه من أفكارٍ ومواقف وسلوكيات عاش البشرُ فى ظلها الردح الأعظم من تاريخهم ملتصقين بجماعاتهم الأولية أو التقليدية، وخاضعين لوعىٍ جمعىٍ ساد فى كلٍ منها قبل أن يبزغ العصرُ الحديثُ بخيره وشره.
وعندما نقفُ على السطح، لا نسألُ عن أصل الفرد الحديث، أو الذى يوصفُ بأنه حديث، ومن أين جاء، وكيف تكَّون وعيه.
ومن أهم ما يُغفل فى هذا السياق سؤالُ مهمُ عن نسبة كل من المكَّون الفردى الحديث فى هذا الوعى، والمكَّون الجمعى التقليدى الموروث.
ولهذا يحدثُ خلطُ بين التقاليد التى نتجت عن الوعى الجمعى، وتعاليم الإسلام التى كان كثيرُ منها حين أُنزل القرآن بمثابة ثورة مجتمعية، من حيث إن جوهرها هو الحثُ على أن يكون للفرد استقلاله ووعيه الخاص، ليختار بين الحق والباطل.
وهذا اختيارُ يتحملُ مسئوليته كاملة، ولا تنفعه جماعةُ كوَّنت وعيه، وعجز عن الخروج من أسر تقاليدها حال تعارضها مع تعاليم الإسلام.
لكن قوة التقاليد والعادات المجتمعية أحبطت تلك الثورة، فانتشر الدين بنصوصه أكثر عن معانيه، وطقوسه أكثر من روحانيته، وأُخضع تفسيره فى كل مجتمع لعلماء، أو مُدعى علم، كان أكثرُهم عاجزين عن الخروج من أسر عادات مجتمعاتهم وتقاليدها بشأن قضايا عدة، وليست تلك المتعلقة بالمرأة فقط.
وربما يكونُ أشدهم عجزًا هم أكثرهم استعدادًا للتعصب والتطرف، وتبنى مواقف تُنسبُ إلى الدين، وما هى منه.
وهكذا بقى المسلمون خاضعين لهذه التقاليد والعادات، إلا قليلُ نجوا من أسر الانغلاق العقلى. أما الكثرةُ الغالبةُ فقد بقيت تلك العاداتُ والتقاليد مدخلهم إلى فهم الدين، أو بالأحرى إلى إساءة فهمه.
نقلا عن “الأهرام”