كريتر نت – متابعات
عاد الهدوء إلى شوارع كولومبو العاصمة التجارية لسريلانكا الأحد وأبدى المحتجون سعادتهم بموافقة الرئيس غوتابايا راجاباكسه على الاستقالة بعد اقتحام منزله وسط غضب من انهيار اقتصاد البلاد.
وتدفق المحتجون، الذين لف كثيرون منهم نفسه بعلم سريلانكا، إلى مقر إقامة الرئيس الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية يوم السبت وقفزوا إلى حمام السباحة.
وأضرم آخرون النار في المنزل الخاص لرئيس الوزراء رانيل فيكريمسينجي الذي وافق أيضا على الاستقالة لإفساح المجال أمام تولي حكومة تضم جميع الأحزاب.
وقال رئيس البرلمان إن راجاباكسه، بطل الحرب الأهلية التي استمرت ربع قرن ضد متمردي التاميل، يعتزم الاستقالة يوم الأربعاء.
وتجمع الآلاف في المدينة الساحلية مطالبين راجاباكسه بالاستقالة بعد شهور من سوء إدارة الأزمة في تصعيد مثير للاحتجاجات السلمية المناهضة للحكومة في الجزيرة الواقعة بالقرب من ممرات الشحن الرئيسية.
مراقبون يعتقدون أن الإقطاعية السياسية كان لها أثر كبير في تشكيل الأزمة والوصول بها إلى وضعها الراهن
وقال صندوق النقد الدولي، الذي يجري محادثات مع الحكومة السريلانكية بشأن خطة إنقاذ محتملة بقيمة ثلاثة مليارات دولار إنه يراقب الوضع عن كثب.
ويتابع العالم الأزمة في سريلانكا بقلق ويعتقدون أن عناصرها “خارطة طريق” لأزمات مشابهة خصوصا في منطقة الشرق الأوسط حيث تعاني دول من نقص في الإمدادات وارتفاع في الأسعار وضعف في الأداء الحكومي.
ويحاول الغرب، الذي لم يتحرك بفاعلية لمساعدة سريلانكا، أن ينسب الأزمة إلى الوضع الناتج عن تداعيات حرب أوكرانيا، على الرغم من أن الأزمة أبعد زمنيا.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن القيود التي تفرضها روسيا على صادرات الحبوب الأوكرانية قد تكون ساهمت في الاضطرابات في سريلانكا، معبرا عن القلق من أنها قد تتسبب بأزمة أخرى.
وقال بلينكن للصحافيين في هونغ كونغ “نرى تداعيات هذا العدوان الروسي في كل مكان. قد يكون ساهم في الوضع في سريلانكا، نشعر بالقلق إزاء انعكاساته في أنحاء العالم”.
وأضاف “ما نراه في العالم بأسره هو انعدام متزايد للأمن الغذائي تفاقم بشكل كبير مع العدوان الروسي على أوكرانيا”.
ولفت إلى أن انعكاسات الحرب في أوكرانيا طالت كذلك تايلاند حيث سجلت أسعار الأسمدة “ارتفاعا حادا” بسبب محاصرة المرافئ الأوكرانية.
وقال بلينكن “هذا على قدر خاص من الأهمية في بلد زراعي حيوي مثل تايلاند، لأنه في غياب الأسمدة، نعرف أن المحاصيل ستتراجع في العام التالي وأن الأسعار قد ترتفع”.
كيف تحوّلت سريلانكا إلى بلد مضطرب؟
ويعتقد مراقبون أن الإقطاعية السياسية كان لها أثر كبير في تشكيل الأزمة والوصول بها إلى وضعها الراهن، وهو الأمر الذي يزيد من قلق الغرب.
فوضى عارمة
واندلعت الحركة الاحتجاجية ضد الأزمة الاقتصادية في سريلانكا منذ أشهر في ظلّ أزمة غير مسبوقة منذ استقلال هذه الجزيرة في العام 1948 والتي يبلغ عدد سكانها 22 مليون نسمة.
ويحمّل السريلانكيون الرئيس راجاباكسا وشقيقه ماهيندا مسؤولية الأزمة وسوء إدارتها.
وغوتابايا راجاباكسا (73 عاما)، رئيسٌ منذ العام 2019 وهو أحد أفراد عائلة هيمنت على الحياة السياسية في سريلانكا لعقود. أما شقيقه ماهيندا (76 عاما) فهو الزعيم الكاريزمي للعائلة، وشغل رئاسة البلاد لعقد حتى العام 2015. في عهده، تحوّلت سريلانكا إلى دولة مُدينة بشكل كبير للصين التي جرى التعاقد معها على ديون ضخمة لتمويل مشاريع بنية تحتية كبرى حامت حولها شبهات الفساد.
ويلقى ماهيندا دعم الغالبية العرقية السنهالية لأنه هزم مقاتلي نمور التاميل في العام 2009، مُنهيا بذلك 37 عاما من الحرب الأهلية. آنذاك، كان غوتابايا وزير الدفاع كما قاد القوات المسلّحة والشرطة.
وعند تولّيه الرئاسة، عيّن غوتابايا شقيقه في منصب رئيس الوزراء، لكن ماهيندا اضطُرّ إلى الاستقالة في مايو بعد اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين
وعانى قطاع السياحة الذي يعدّ حيويا لاقتصاد الجزيرة من تداعيات الهجمات الجهادية في أبريل 2019 على الكنائس والفنادق (279 قتيلا بينهم 45 أجنبيا)، ثم جائحة كوفيد – 19.
كما أدّت أكبر تخفيضات ضريبية في تاريخ الجزيرة، منحها غوتابايا عند تولّيه الرئاسة، إلى إفراغ خزائن الدولة. ووجدت سريلانكا نفسها دون عملات أجنبية كافية لاستيراد ما تحتاج إليه من طعام ودواء ووقود.
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يقول أن القيود التي تفرضها روسيا على صادرات الحبوب الأوكرانية قد تكون ساهمت في الاضطرابات في سريلانكا
وعلى الرغم من المساعدات التي قدمتها الهند ودول أخرى في أبريل 2022، تخلّفت الدولة عن سداد ديونها الخارجية البالغة 51 مليار دولار، وتسعى للحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.
ويعيش السريلانكيون منذ أشهر في ظل نقص الغذاء والدواء وانقطاع التيار الكهربائي، بسبب نقص الوقود الذي يحدّ أيضا من التنقّل.
ويجعل التضخّم المتسارع (55 في المئة في يونيو وحده) من المتعذّر الحصول على الأشياء القليلة التي لا يزال العثور عليها ممكنا.
وحذّرت الأمم المتحدة من أنّ البلاد تواجه خطر أزمة إنسانية كبيرة، بعدما اضطرّ أكثر من ثلاثة أرباع السكان إلى تقليص نظامهم الغذائي.
وبعد أشهر من التظاهرات، هاجم أنصار الرئيس المتظاهرين بعنف في مايو. وقُتل تسعة أشخاص كما أُصيب المئات في الاشتباكات التي أدت إلى استقالة رئيس الوزراء ماهيندا.
ومع ذلك، تمكّن غوتابايا من التمسّك بالسلطة عبر تعيين السياسي المخضرم رانيل ويكرمسينغ رئيسا للحكومة.
وبحسب القانون، سيكون أمام البرلمان شهر لاختيار خليفته. لكن رئيس البرلمان وعد بقرار في هذا الشأن في نهاية الأسبوع.
إلاّ أنه قد يكون من الصعب تحقيق هذا الوعد، لأنّ لا أحد من أعضاء البرلمان يبدو قادرا على الحصول على الدعم الكافي.
وقال النائب دارمالينغام سيثادثان الذي ينتمي إلى أقلية التاميل “نحن مقبلون على فترة خطيرة من عدم اليقين”. وأضاف “كان ينبغي على غوتا أن يستقيل على الفور لتفادي فراغ السلطة”