سامح فايز
صحفي مصري
“37% من النساء العربيات يكنّ ضحايا لشكل واحد على الأقل من العنف أثناء حياتهن”، كما يقول تقرير للأمم المتحدة، والمؤشرات ترجّح أن تكون النسبة أعلى، ومؤخراً صادف تعدّد حالات قتل ضدّ نساء عربيات، في مصر والأردن والإمارات، أبرزها حادثة ذبح الطالبة الجامعية في القاهرة، نيرة أشرف، على يد زميلها في الجامعة، وهو ما حدث أيضاً للطالبة الأردنية إيمان إرشيد التي أنهت رصاصات غادرها حياتها في حرم الجامعة!
الدكتور سعد الدين الهلالي، أشار قبل عامين، خلال برنامجه المذاع على الفضائية المصرية، إلى أنّ هناك 3 أسباب شائعة أدّت للعنف ضدّ المرأة، أولها مقدم من “أصحاب الخطاب الديني”، إذ يرى بعضهم أنّ العنف ضدّ المرأة بكل أشكاله سببه أنّ المرأة لم ترتدِ الحجاب.
السبب الثاني، بحسب الهلالي، بعض الخطابات الدينية التي حرّضت على أنّ المرأة مجرد وعاء جنسي وليس لها حقوق في المجتمع، وأنّ الرجل رجل والمرأة مرأة ولا يجب أن تخرج النساء من المنازل، أما السبب الثالث؛ فهو أنّ الإنسان ترك الفطرة السوية والتي تقوم على أنّ الإنسان عاقل ولا بدّ من أن يمتلك نفسه ويتحكم فيها، وهذا أصح الأسباب “الانفلات الإنساني”.
حديث سعد الدين الهلال ظهرت مؤشراته بقوة في حادثة نيرة أشرف المصرية؛ نتيجة الجدل الذي أثير حول أنّها غير محجبة، ما دفع البعض إلى حالة من التعاطف مع القاتل، انتهت بحملات على السوشيال ميديا لجمع مبلغ الديّة، نفّذها محامي مصري تعاطفاً مع القاتل!
سيطرة التدين الشعبوي
الكاتب والروائي حمدي أبو جليل يرى أنّ المسألة نتيجة تامة لسيطرة الدين الشعبوي الذي يمثله بعض الدعاة، والمسيطر الآن على الأغلبية العظمى من المسلمين.
يوضح أبو جليل، في تصريح لـ “حفريات”: “الولد يقتل البنت فيخرج الداعية للتحدث عن ملابس القتيلة وليس عن جريمة القاتل، وهنا نفرّق بين الإسلام عموماً، الرافض للعنف، والإسلام الحالي المسيطر والذي يروّج له هؤلاء الدعاة والداعي للعنف”.
يضيف أبو جليل: “الحوادث الأخيرة تدلّل على ذلك، بما لا يدع مجالاً للشكّ، حتى إنّ أهل القتيلة في قرية نيرة عندما أذاعوا خبر عزائها نشروا صورتها بحجاب!”.
يطرح أبو جليل سؤالاً حول الثقافة التي نعيشها الآن: “المشكلة أنّ الثقافة العربية هيمنت على الإسلام خصوصاً المرأة والأخلاق؛ من بينها مسألة زواج المسلم من مسيحية، ومنع المرأة من الأمر نفسه، وهي ثقافة عربية تماماً تخصّ القبائل العربية، والتي انتسب إليها، وهو تقليد عربي بدوي طغى على الإسلام، وللحقيقة مصر ظلمت في تلك المسألة؛ فبعد أن كانت ملِكة مصرية تحوّلت إلى جارية”.
بعض الخطابات الدينية تحرض على أنّ المرأة مجرد وعاء جنسي وليس لها حقوق في المجتمع، وأنّ الرجل رجل والمرأة مرأة ولا يجب أن تخرج النساء من المنازل
يلفت أبو جليل إلى أنّ موقع المرأة في تلك الثقافة العربية يصوَّر على أنّه متاع للمقاتل الذي عاش في الجزيرة العربية قبل ألف عام، وهي مسألة امتدت حتى اللحظة الراهنة لأسباب أعادها إلى مصطلح الصحوة الإسلامية في السبعينيات من القرن الماضي.
يوضح أبو جليل: “السبب في هذه الصحوة الإسلامية، من وجهة نظري، هو الديكتاتوريات العربية؛ لأنّنا في الفترة الليبرالية، من ثورة 1919 حتى ثورة يوليو، في تلك الفترة سيطر فيها الدين المصري وفيه السنّة يقدّسون قبر الحسين غير أن المنتسب لتلك الفكرة في الوقت الحالي كافر بالمنطق الوهابي”.
يستكمل أبو جليل: “شاهدنا الدراما المصرية في تلك الفترة، وهي تتناول شخصية الأزهري بشكل ساخر، لكن مع هيمنة الديكتاتورية، ومع ثورة يوليو، المتحالفة مع الإخوان، سمحت لهم بالسيطرة على التعليم فأعطوهم الشارع مقابل الاستمرار في الحكم، وهو ما استمرّ حتى حكم حسني مبارك”.
كراهية المرأة في الخطاب الديني
الباحثة في مجال الدراسات الإسلامية، شاهيناز وزير، تشير إلى أنّ حالة من التعاطف مع القاتل لدى البعض متعلقة بالثقافة الدينية الشعبوية أو بالخطاب الديني، مستدركةً: “لكن لا أرى أنّ سبب التعاطف أنّ الضحية محجبة؛ فالثقافة الدينية الشعبوية والمرتبطة بالأعراف تركّز على فكرة كراهية المرأة وتفضيل الرجل على المرأة”.
تضيف وزير، في تصريح لـ “حفريات”:” فكرة التمييز مترسخة ليس فقط بين الرجال والنساء، لكن مع المسلمين وغير المسلمين، من أصحاب الديانات السماوية، أو بين المسلمين والملحدين، أو حتى مع الأقليات داخل الديانة نفسها، مثل السنّة والشيعة”.
توضح وزير: “يتم التعاطف مع من يتعاطف معه الخطاب الديني أو بمعنى أدق مع رؤية الخطاب الديني للأمور، وفي تلك الحالة، المتعلقة بذبح نيرة أشرف، تعاطفوا لأنّنا أمام رجل وامرأة، وكان عدم حجابها ذريعة، لكن أتصور أنّها لو كانت محجبة كان سيتم اختلاق سيناريوهات وأعذار أخرى؛ لأنّهم لا يرون أنّ حياة المرأة بقيمة حياة الرجل نفسها، فقيمة المرأة بشكل عام بالنسبة لذلك الوعي أقل”.
تعدّد وزير حالات العنف المعبرة عن تلك الكراهية بأكثر من ذريعة: “حوادث التحرش، على سبيل المثال، نجد الكثير منها لا تتوافق مع الرؤى المبررة للتحرش وربطه بملابس المرأة، ربما كانت المتحرَّش بها محجبة أو منتقبة أيضاً، بالتالي؛ فالتحرش هو قناع أو حالة يكون خلفها ليس الكبت الجنسي ولكن كراهية المرأة”.
تستدرك وزير: “الكراهية والتحقير لا نستطيع إنكار أنّ مصدرهما الخطاب الديني، إلى جانب أنّ المجتمع الشرقي، أو المتدين التدين الإسلاموي، يستسهل العنف في الكثير من الحالات، وهي سمة سائدة، وربما لم تكن لها علاقة بمسألة الرجل والمرأة فقط، فلو كان حديثنا عن سحل شاب شيعي أو بهائي سيتمّ التبرير لذلك أيضاً”.
دور السياق الثقافي والاجتماعي
الباحث في الشأن الديني، حسام الحداد، يرى أنّ السياقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لها دور مهم في انتشار الجريمة ومعدلات ارتفاعها.
يوضح الحداد، في تصريح لـ “حفريات”: “من بين هذه الأسباب السياق الثقافي والاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد، وفي جريمة نيرة هناك دليل قوي وواضح على هذا؛ فوالدة مرتكب الجريمة أقرّت بأنّه كان يتابع الشيخ عبد الله رشدي، والذي لا يمرّ يوم إلا ويصدر فيديو لمتابعيه يهين فيه المرأة ويحرّض على قهرها، وربما كراهيتها، وأنّها ملكية خاصة للرجل يفعل فيها ما شاء، وتؤكد ارتباط القاتل بهذا الفكر شهادة جاره الذي قال إنّه لم يكن يسمع لأسرتهم صوت إلا في حال ضرب القاتل لأخته أو أمه، لإيمانه هو ومحيطه الاجتماعي بفكرة القوامة الذكورية، وبأنّ من حقّ الرجل أن يضرب المرأة ليؤدبها”.
يستكمل الحداد في تفسير مسألة ضرب المرأة في الفقه الديني: “نجد آية في القرآن “واضربوهن” يفسّرها الجميع على أنّه الضرب المتعارف عليه، مستندين على فهم السلف الذي مرّ عليه أكثر من ألف عام، رغم أنّ مفهوم الضرب في القرآن معناه الإبعاد، وليس الضرب الذي هو بالمفهوم الحالي، والمدونة الفقهية ومدوّنة الحديث تزخران بالأفكار والمفاهيم والأحاديث التي تؤسس لدونية المرأة، وقد ناقشت بعضاً منها في كتاب “أحاديث تؤسس لدونية المرأة”، هذه الأحاديث والفتاوى هي التي تحطّ من قدر المرأة، وهي التي رسخت في الذهنية العربية احتقار المرأة واختزالها في الجسد الذي هو في النهاية عند هؤلاء مكان لإشباع الرغبة وتفريغ الشهوة الجنسية”.
الباحثة شاهيناز وزير لـ”حفريات”: هناك حالة من التعاطف مع القتلة متعلقة بالخطاب الديني، كما أنّ الثقافة الدينية الشعبوية المرتبطة بالأعراف تركّز على كراهية المرأة وتفضيل الرجل على المرأة
يضيف الحداد: “في تعريف الزواج في اصطلاح الفقهاء: فهو يترادف مع النكاح، وهو عبارة عن عقد يتضمن إباحة الاستمتاع بالمرأة بالوطء والمباشرة والتقبيل والضمّ وما إلى ذلك إذا كانت المرأة محلاً للعقد عليها بأن لم تكن من محارمه.
ويتضح من هذه التعريفات المعتمدة لدى المذاهب الفقهية؛ أنّ الزواج أو عقد الزواج ينحصر في المتعة الحسّية، وليست له أيّة أبعاد اجتماعية؛ فهو مقصور على ممارسة الجنس، بشكل قانوني أو شرعي، يرضى عنه المجتمع، ويعترف به وأية ممارسة خارج هذا الشكل لها عقوبتها المادية أو المعنوية، كما يتضح من هذا التعريف أيضاً أنّ الفقه الإسلامي اختزل المرأة في جسدها، خصوصاً الفرج، فأصبحت محض وعاء لإفراغ شهوة الرجل، كذلك فإنّ المرأة ليست حرة في إبرام عقد زواجها بل ينوب عنها وليها، وكأنّها غير ذات أهلية لاختيار من يتزوجها فتُفرض عليها وصاية من وليها، بينما نجد الوضع مختلفاً تماماً في التعريف القانوني”.
فشل الإعلام العربي في إنصاف المرأة
الباحثة والناشطة السورية في مجال حقوق الإنسان، لامار أركندي، تشير إلى أنّ حملات التعاطف مع القاتل بسبب فشل الإعلام العربي في إنصاف المرأة وتقديم قضايا العنف الأسري التي تواجهها النساء، سواء ضمن عائلتها أو من قبل زوجها.
توضح أركندي، في تصريح لـ “حفريات”: “انحصر دور الإعلام العربي، نموذجاً لذلك في جرائم القتل ضدّ النساء، لا سيما ما تسمّى “جرائم الشرف”، بنقل الخبر وتقديم برامج تتلاءم مع سياسة مالكي الوسائل الإعلامية، سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة والمنسجمة والملائمة مع الأفكار المتخلفة المورّثة، التي ألفتها المجتمعات العربية، بدل تجييش الشارع وإحمائه والتركيز على النقطة الأكثر تحوّلاً في إحقاق حقوق النساء، وهي دفع الحكومات العربية لسنّ قوانين رادعة لصون كرامة النساء، واعتبار أية جريمة قتل تحت مسمى جرائم الشرف جريمة كاملة الأركان يعاقب الجاني عقوبات تصل أخفها إلى المؤبد”.
تضيف أركندي: “في قضية الضحية نيرة أشرف تبيّن الوجه الأقبح للصحافة الرخيصة، التي تلاعبت بمشاعر المتابعين للقضية وكسب تعاطف الشارع العربي عموماً، والمصري خصوصاً، لصالح قاتل الشابة نيرة، كما تسبّب الإعلام أيضاً في انقسام الشارع بين خروج تصاريح من دعاة الدين ومحاولاتهم وضع الضحية في قفص الاتّهام لتبرير جريمة الجاني، والذي مدّ القاتل بمساحة أوسع، سواء من جانب من تبنّوا الخطاب الديني والإعلامي من آن لآخر، لقذف الضحية وتلطيخ سمعتها باتهامات باطلة أكّدتها الدلائل المقدمة من قبل النيابة العامة في المحكمة”.
ترى أركندي؛ أنّ الإعلام المصري كان ضعيفاً في تغطيته لمقتل نيرة: “وقبلها لمقتل عشرات النساء، فبدل تنظيم حملات على منصات التواصل الاجتماعي لمحاسبة الجناة ومرتكبي العنف الأسري، والمطالبة بتغيير القوانين المجحفة بحقّ النساء، خرج في كلّ يوم باتهامات جديدة وكاذبة وجهها القاتل للضحية ولعائلتها دون مراعاة مشاعر أهل الفقيدة، بدل تغطية إعلامية متوازنة ومهنية لخلق رأي عام موحّد إزاء كلّ القضايا النسائية”.
تضيف أركندي: “بالتأكيد، ساهمت في ذلك وغذّته العادات والتقاليد البالية الموروثة في رفع معدلات الجريمة؛ فالمقارنة مع القوانين التي تطبّق في البلدان العربية، لا سيما جرائم ما تسمّى “جرائم الشرف أو غسل العار”، والمبنية على الشريعة، التي شدّدت في عقوبة الزانية برجمها حتى الموت فبات أيّ اتّهام مبرر لعوائل الضحية أن تكون سبباً في قتل النساء، حتى إن لم تكن زانية؛ فقبل عام قتلت شابة قاصر من ريف الحسكة على يد عائلتها؛ لأنّها أرادت الهرب مع من تحب والزواج منه، بعد أن أرادت العائلة تزويجها من شاب آخر، فتجمهر أهل القرية بالكامل أثناء اقتياد الشابة إلى منزل مهجور وقتلها بالرصاص وتصوير تلك الجريمة على أنّها مفخرة لعائلتها التي غسلت عارها، كما قتلت عائلة من ريف مدينة منبج طفلتها ذات الخمس سنوات بعد أن خطفها أحد أفراد عائلتها واغتصبها، فبادرت الأسرة إلى التخلص من الطفلة بقتلها خوفاً من العار”.
تستكمل أركندي: “حتى أثناء سيطرة داعش على مناطق واسعة من سوريا كان مقاتلوه يغتصبون النساء وبعدها يتّهمونهن بارتكاب الفاحشة وبالزنى، فينفّذ فيهنّ حكم الرجم حتى الموت وهنّ مربوطات ومغروسات في الحفرة، وكانت أولى ضحايا تلك الوحشية سيدة من ريف حماه”.
المصدر : حفريات