كريتر نت – متابعات
قالت أوساط سياسية تونسية إن الاتحاد العام التونسي للشغل بدأ يغير أسلوبه ويبعث إشارات إيجابية بخصوص مسار الاستفتاء الذي يقف وراءه الرئيس قيس سعيد بقوة، وإن الهدف من ذلك محاولة الخروج من الهامش الذي أوقع نفسه فيه، خاصة بعد أن أغلق قيس سعيد أبواب التواصل مع الأمين العام نورالدين الطبوبي.
ووصف الاتحاد في بيان له التعديلات، التي أدخلها قيس سعيد على مشروع الدستور المعروض للنقاش والتصويت، بـ”المراجعة الإيجابية” و”التحسينات”، رغم أن التعديلات لم تكن جوهرية، في مؤشّر واضح على أنه لا يقف موقف المعارض بشكل كامل لمشروع الدستور ولا يصطف مع حركة النهضة وحلفائها في مواجهة قيس سعيد، وأنه أقرب ما يكون إلى دعم المشروع خاصة بعد أن ترك لمنتسبيه حرية التصويت بنعم أو لا في الاستفتاء، للتخلص من الحرج السياسي.
نبيل الرابحي: مواقف الاتحاد بعد إجراءات قيس سعيد أوقعته في دائرة الهامش
وتشير الأوساط السياسية التونسية إلى أن الاتحاد لا يحتاج إلى اتخاذ موقف ملتبس بأن يطلق تصريحات متناقضة -بعضها يدعم مسار الاستفتاء وبعضها الآخر ينتقده- وأن عليه أن يكون واضحا ويتصرف بشكل مبدئي، خاصة أن الرئيس سعيد يعامل الاتحاد مثلما يعامل مختلف الفاعلين في المشهد السياسي؛ إن دعموا الاستفتاء فهم أحرار وإن عارضوه فهم أحرار أيضا.
ومن الواضح أن الاتحاد يريد أن يترك خيطا رابطا بينه وبين قيس سعيد بالشكل الذي يجعله دائما في الواجهة ولديه تأثير في المشهد حتى وإن لم يعترف له الرئيس التونسي بهذا الدور.
ويرفض الاتحاد التنازل عن دوره السياسي، ولذلك لا يتوقف عن طرح أفكار ومبادرات و”خرائط طريق” ويجمع الخبراء من أنصاره. لكن في الجهة المقابلة يرفض قيس سعيد أي تدخل من أي جهة مهما كان وزنها وتاريخها للعب دور سياسي ليس من مشمولاتها.
وقال الاتحاد في ملاحظاته التي نشرها الأربعاء إنه على الرغم من التحسينات الجزئية التي أدخلها الرئيس على بعض الفصول إلا أنها لم تعالج الإخلالات التي تعيق بناء نظام مدني ديمقراطي اجتماعي.
وأدخل الرئيس قيس سعيد بعض التصحيحات التي طالت 35 فصلا (من بين 142) وعناوين بعض الأبواب وفقرات في التوطئة في مشروع الدستور الجديد، قبل نشره للمرة الثانية في أقل من أسبوعين بالجريدة الرسمية يوم الثامن من يوليو الجاري.
وأضاف الاتحاد أن مشروع الدستور ضرب مبدأي الفصل والتوازن بين السلطات وحافظ على هيمنة الرئيس على السلطات، بما في ذلك تعيين وعزل الحكومة تلقائيا وتحصينه ضد أي محاسبة أو مساءلة.
ويعتقد مراقبون أن خروج الاتحاد من الهامش الذي وضع فيه نفسه لن يكون إلا بمراجعة دوره، والتركيز على البعد الاجتماعي الذي تأسس لأجله، محذرين من أن الرئيس سعيد يختلف بشكل جذري عن الشخصيات والحكومات السابقة التي قبلت بتقديم تنازلات للاتحاد ليلعب دورا سياسيا تحكيميا في البلاد من أجل أن تظل هي في السلطة.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي “إجراءات الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو هي التي وضعت الوسائط (الأحزاب والمنظمات والنقابات) في هذا الهامش، وأعتقد أن الاتحاد كان له دور سياسي واضح خلال العشرية الماضية”.
وأضاف لـ”العرب” أن “مواقف الاتحاد بعد إجراءات قيس سعيد أوقعت المنظمة في دور هامشي (ثانوي)، والاتحاد يرفض بشكل مفضوح خروجه من اللعبة السياسية، وعوض أن يكون في صفّ الرئيس أراد الزج بنفسه في معادلة سياسية”.
المنذر ثابت: الاتحاد قام بمراجعة تكتيكية ويلجأ إلى مهادنة قيس سعيد
ويؤاخذ المراقبون الاتحاد على الدور السياسي المتخفّي بغطاء نقابي واجتماعي عبر الدفاع عن حقوق العمال، والقفز -كلما سنحت له مناسبة من المناسبات- إلى دائرة النشاط السياسي من خلال خزانه النقابي والشعبي، والسعي لتسويق ذلك في اتصالاته الخارجية خاصة مع صندوق النقد الدولي.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت في تصريح لـ”العرب”، “بطريقة أو بأخرى، الطموحات السياسية للاتحاد الآن أمام خطوات قيس سعيد، وأعتقد أنه (الاتحاد) قام بمراجعة تكتيكية، وما دام الوضع الاجتماعي مستقرّا سيظل الاتحاد يسعى لمهادنة الرئيس سعيّد خصوصا بعد زيارته إلى الجزائر”.
وأضاف “قيس سعيد يمسك بعناصر المعادلة السياسية، والاتحاد يعمل على افتكاك ضوء أخضر من صندوق النقد في علاقة بالرواتب والإصلاحات، وعلى الرغم من اتساع رقعة الفقر والبطالة والهجرة والتضخم ظلت الحركة الاجتماعية في حالة جزر”.
وتسعى المنظمة العمالية في البلاد إلى المحافظة على دورها المزدوج (اجتماعي- سياسي)، في محاولة لتمرير رسالة إلى من يمسكون السلطة يفيد مضمونها بأن المنظمة لا تزال موجودة في المشهد.
وأكد أمين عام التيار الشعبي زهيّر حمدي أن “الاتحاد هو شريك اجتماعي، وهو معني بكل القضايا التي تهمّ العمال ورواتبهم”.
وأضاف لـ”العرب”، “عندما يتفرغ الاتحاد للقضايا الاجتماعية يكون بالضرورة بصدد الخوض في مسائل وطنية وسياسية”.
بدوره أفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة بأن “الاتحاد يراهن على لعب دوره المزدوج بين الاجتماعي والسياسي، وهو الضامن للسلم الاجتماعي وتنفيذ الإصلاحات”.
وشدّد علاّلة على أن “الاتحاد لا يمكنه أن يفصل بين دوره الاجتماعي من جهة ودوره السياسي من جهة ثانية”.