رشا عمار
صحفية مصرية
يتمحور صراع الإخوان في الوقت الراهن حول تشكيل ما يُسمّى مجلس الشورى العام والسيطرة عليه، ففي الوقت الذي تؤكد فيه كافة البيانات الصادرة عن جبهة إسطنبول، التي يتزعمها محمود حسين وعدد من القيادات التي تقيم في تركيا، التزامهم بقرارات المجلس كمرجعية شرعية داخل التنظيم، تسعى مجموعة لندن بقيادة إبراهيم منير إلى فك الارتباط عن المجلس القديم بشكل كامل، وتأسيس آخر جديد ممثل لكافة الأقطار التي يتواجد بها الإخوان، في سبيل اقتناص الشرعية التنظيمية وحسم الصراع لصالحهم.
ويعود السبب في هذا التناحر حول تشكيل مجلس الشورى العام، أو محاولة السيطرة عليه، لما يمثله من أهمية قصوى في مسألة حسم الصراع، باعتباره الجهة المختصة داخل الإخوان باختيار المرشد العام أو القائم بأعماله، وكذلك أعضاء مكتب الإرشاد، فضلاً عن وضع القواعد التنظيمية الخاصة بإدارة التنظيم بشكل شبه كامل، هذا وفق ما تقرّه اللائحة الداخلية لجماعة الإخوان.
وخلال الـ3 أشهر الماضية حاول طرفا الصراع في التنظيم إحياء الكيان المنهار تماماً داخل الجماعة، لاستغلاله كأداة أخيرة في عملية حسم الصراع المحتدم بين جبهتي لندن وإسطنبول، في حين يرى المراقبون أنّه قد انتهى تماماً، بسبب موت عدد كبير من أعضائه وسجن عدد آخر بقضايا إرهاب في مصر، وبالتالي أصبح المجلس الذي كان مكوّناً في عام 2012 من نحو (118) عضواً ممثلين لكافة الأقطار، يقتصر على عدد من القيادات الهاربين في الخارج لا يتجاوز عددهم (20) عضواً، بحسب تقديرات الخبراء والمراقبين.
هل تم انتخاب مجلس جديد؟
بالرغم من تسريب معلومات من جانب جبهة إبراهيم منير، نشرتها مواقع تابعة لجماعة الإخوان في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تفيد بحلّ المجلس القديم وقيام منير ومجموعته بانتخاب مجلس شورى عام جديد، إلا أنّ الأمر لا يبدو واقعياً، وحتى اليوم لم يعلن منير عن أعضاء المجلس الجديد، في حين أكدت مصادر قريبة من التنظيم أبرزها عصام تليمة أنّ منير ما يزال بصدد التحضير لإجراء انتخابات لاختيار مجلس شورى جديد، وهذا الأمر هو ما دفع حسين مؤخراً لإصدار قرار بعزل منير ومجموعة من قيادات مجلس الشورى العام.
وعلى ما يبدو، هناك مجلسا شورى للإخوان في الوقت الراهن؛ الأول يتبع إبراهيم منير ومجموعته، وهو من أصدر البيان الخاص بفصل مجموعة الـ(6) وتحويلهم إلى التحقيق مع محمود حسين في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وفي المقابل قرر مجلس الشورى التابع لجبهة إسطنبول إعفاء إبراهيم منير من منصبه كقائم بأعمال المرشد في الشهر نفسه.
القيادي السابق في جماعة الإخوان ثروت الخرباوي يرى أنّ كافة التحركات التي تحدث داخل الإخوان في الوقت الراهن هي نتيجة حالة الارتباك الكبير التي يمر بها التنظيم، وعدم قدرة قياداته على حسم الصراع المحتدم منذ أعوام فيما بينهم، وكذلك فقدانهم الكامل للسيطرة على القواعد التنظيمية وعجزهم عن اتخاذ القرار.
ولا يستبعد الكاتب والمحامي الخرباوي أن يكون هناك مجلسان للشورى في الوقت الراهن، كما لا يستبعد أن يكون المجلس قد تفكك بالفعل، وما يحدث هو محاولة من جانب الطرفين لاستغلال المُسمّى فقط في هذا الصراع لكسب شرعية مزيفة داخل التنظيم.
وفي تصريح لـ”حفريات” يوضح الخرباوي أنّ الجماعة منذ نشأتها في عام 1928 ظلت محكومة إلى حدٍّ كبير باللوائح التنظيمية، التي وضعت مجلس الشورى العام الذي تأسس في عام 1930 وكان يُسمّى الجمعية العمومية للإخوان، على رأس الهرم التنظيمي، وبات منوطاً به اختيار المرشد العام وأعضاء مكتب الإرشاد وتحديد السياسات العامة للجماعة، واشترط فيه أن يكون ممثلاً لجميع الأقطار من مختلف الدول التي تعمل بها الجماعة، ولم يخرج مركزه من مصر أبداً، كما هو الحال مع منصب المرشد ومكتب الإرشاد، حتى العام 2012.
لماذا يتصارع الإخوان على “كيان ميت”؟
بحسب الخرباوي، دفعت حالة التفكك الراهنة داخل جماعة الإخوان المسلمين طرفي الصراع إلى استخدام كافة الأدوات المتاحة لحسمه، فبعد أن فشل الطرفان في الحصول على دعم واضح ومباشر من قيادات التنظيم المحبوسين من أعضاء مكتب الإرشاد أو المرشد العام، تجري المحاولات في الوقت الراهن لصناعة مجلس شورى جديد، بهدف إيجاد كيان تنظيمي لديه شرعية في مسألة حسم الصراع، خاصة بعد فشل كافة المحاولات الرامية إلى التهدئة أو إقرارالمصالحة بين الطرفين المتنازعين.
ولا يتوقع الخرباوي أن يتمكن حسين أو منير من تشكيل مجلس شورى جديد لعدة أسباب؛ أوّلها استمرار حالة التناحر والعصيان داخل الجماعة وتمسك كلّ طرف بالقضاء على الآخر، والثاني تشتت الرؤية تماماً لدى الإخوان في ضوء الأزمات المتعاقبة التي تضرب التنظيم والتي من المتوقع أن تكتب نهايته، والثالث هو انشغال قيادات التنظيم الدولي في الدول العربية بحالة السقوط والانهيار التي لحقت بهم خلال الأعوام الماضية وانصرافهم عن الانشغال بهذا الصراع الداخلي.
من يملك أدوات حسم الصراع؟
يرى الخرباوي أنّ كلا الطرفين لديه أوراق قوة حاول استغلالها في الفترة الماضية لحسم الصراع، ففي حين تمتلك مجموعة لندن الأموال والخزائن ويدعمها رجال أعمال بارزون أبرزهم القيادي الإخواني يوسف ندا، تمتلك مجموعة حسين أوراقاً لا يُستهان بها تتعلق بالتنظيم الخاص أو التنظيم السرّي، كما أنّ لديها القدرة على التواصل مع القواعد التنظيمية في الداخل وتحريكها بشكل كبير، مشيراً إلى أنّ المجموعة الثانية في حالة كمون وانكماش وقتي وتتحين اللحظة المناسبة للبدء بتنفيذ مخططها للعودة إلى المشهد السياسي في الدول العربية.
ويشير الخرباوي إلى المال باعتباره أداة ناجزة يمكنها حسم الصراع مستقبلاً لصالح إبراهيم منير، لكنّه لا يرجح أن يحدث ذلك في وقت قريب؛ لأنّ الأزمة تسير نحو مزيد من التعقيد.
ويتوقع الكاتب المصري أن تدعم بعض الأجهزة الدولية التي تدعم الإخوان ظهور تيار جديد داخل الإخوان لاستخدامه في تنفيذ أجندات جدية، وطي صفحة التنظيم القديم والوجوه القديمة التي باتت تمثل أعباء على نفسها، وعلى الدول التي تستخدم الإخوان كأداة وظيفية في المنطقة العربية، ولن تصبح تلك الشخصيات، التي باتت مكشوفة، قادرة على لعب أيّ أدوار جديدة.
المصدر حفريات