عبدالحميد توفيق
العواصف المتتالية، التي تضرب تنظيم الإخوان الإرهابي، تعكس في شكلها وجوهرها أزمة فكر هذا التنظيم وتهافت منطلقاته، التي تأسس عليها وعمل بها على مدار عقود من الزمن.
محاولة ما تبقّى من قياداته الموزّعين في أكثر من مكان الترويج لأزمته الراهنة على أنها خلافات على شخصية هنا وعلى مرجعية هناك لا تعدو كونها ذرًّا للرماد في العيون.
استفحال أزمات التنظيم وخروجها إلى العلن ما هما إلا سيرورة طبيعية لتهالك بناه وإفلاس ما تبقى من وجوهه، التي وجدت نفسها أمام انهيار دراماتيكي لتنظيم رفَع راية مناهضة القيم الوطنية لأي بلد ظهر فيه على امتداد مسارح وجوده المتخفّي والمعلن على حد سواء.
منذ تأسيسه نهاية عشرينيات القرن الماضي قدّم تنظيم الإخوان نفسه على أنه جسر عبور لأجندات ومشاريع مزيفة تحت راية الإسلام. تلوَّن مع كل طيف يلوح بالأفق متوهمًا أنه قد يحقق أطماعه بالوصول إلى السلطة في أي مكان.
السؤال الذي ينبثق من جوهر بنية هذا التنظيم الفكرية: لماذا لم يتمكن من تسجيل حضوره في المحافل الرسمية في أي بلد كتيار مثل غيره من التيارات والقوى الحزبية، التي تعمل وفق المعايير الوطنية والدستورية التي تنظّم العمل السياسي والحزبي والمجتمعي؟، ما السر في إخفاقه في إدارة شؤون السلطة التي وصل إليها في لحظة عابرة في بعض الأماكن؟
جميع الوقائع والتجارب، التي أفرزها نهج التنظيم وسلوكه وأعماله وممارسته السلطة في بعض الفترات أنتجت الشقاق والانقسام الاجتماعي والوطني، لسبب بسيط يتمثل في أن النهج والسلوك الإخواني يمتَحُ من فكر اغترابي عن المجتمع ومن مبدأ إنكاري يرفض الاعتراف بالحدود الوطنية للدول، التي يعمل فيها، علاوة على رفضه الاعتراف بالآخر أيّا كانت مبادئه ومرجعياته وطروحاته وانتماؤه.
ارتبطت جميع حركات التطرف، التي ظهرت في المجتمعات العربية تحديدًا، بالفكر الإخواني، حتى باتت المقارنة بينها وبينه مقارنة بين التطرف والأشد تطرفًا، وتبدت للعيان بأشكال مختلفة في مظهرها دون أن تتمكن من ابتكار صيغ تتجاوز من خلالها وعاء الحاضن الأول لها.
تباينت ولاءاته وتعددت مرجعياته تبعًا لتقاطع مصالحه مع بعض المرجعيات، وكانت في كل منعطف تؤكد انتهازيته.. تقلباته في الانتقال من خندق إلى آخر راكمت كثيرًا من الاستفهامات حول حقيقة أدواره وغاياته حتى صار وصف وظيفته بـ”بندقية للإيجار” مألوفًا.
تكتسب الأحزاب مشروعيتها في سياق العمل السياسي من ركائز أساسية في طليعتها الانتماء الوطني وتجانس مبادئها مع القيم الوطنية والاجتماعية لأي بلد، واحترام إرادة الأكثرية ضمن ما يعرف باللعبة الديمقراطية في أي مجتمع، وما تحققه من حضور ومكاسب عبر صناديق الاقتراع ليصبح بعدها الدستور الناظم للعلاقة بين السلطة والمجتمع هو الفيصل في منح هذا الحزب أو ذاك فرصة إدارة شؤون البلاد، استنادًا إلى ما حققه في إطار سلمي لا عُنفي، يأخذ بعين الاعتبار الركيزة الأهم في ممارسة السلطة، وهي العدالة وتكافؤ الفرص بين جميع شرائح المجتمع بصرف النظر عن معتقدات هذا الطرف أو توجهات آخر.
طَبَع الفشلُ جميع تجارب تنظيم الإخوان، القديمة منها والمعاصرة.. تجاربهم في ممارسة السلطة في مصر وتونس شكّلت التحدي الأكثر واقعية لفكرهم ولنهجهم، وأماطت اللثام عن قصور سياسي في فهم التحولات الاجتماعية وما تتطلبه من مهارات وممارسات بعيدًا عن أفق الحزبية والتحزُّب الضيقين.
قد يكون الأهم في مقاربة نموذجَيْ تونس ومصر هو الانقلاب الشعبي والحزبي ضد ممارساتهم ومساعيهم للاستحواذ على مقدرات البلاد والعباد من ناحية، وانكشاف ارتهانهم لمشاريع مناقضة لقيم المجتمعات المحلية من ناحية أخرى، وما لا يقل أهمية عن ذلك تمثّل في دحض سرديات التنظيم وبكائيات قادته حول منعهم من الوصول إلى السلطة، حيث قدموا أسوأ وأخطر نموذج للحكم.
مرّ تنظيم الإخوان بمنعطفات حادة متعددة الوجوه، منها ما هو داخلي بدوافع هوس الاستيلاء على السلطة، وبعضها بسبب أيديولوجيته المتطرفة، وأخرى ناتجة عن تقلبات ولاءاته الخارجية.
عواصف اليوم، التي تضربه فكرًا وأشخاصًا، ليست كسابقاتها، إنها نتاج ما جناه التنظيم جراء ممارساته الإرهابية على مر سنوات طويلة وخروجه على المرتكزات الوطنية للمجتمعات، فضلا عن انتهاء أدواره وصلاحيتها عند رعاته، الذين استثمروه لحين من الدهر أيديولوجيا وسياسيا.
نقلاً عن “العين” الإخبارية