حسن خليل
صحفي مصري
استنكر المجلس الرئاسي الليبي ما جرى من اشتباكات في العاصمة “تسببت في إرهاب المواطنين الآمنين في بيوتهم”، وطلب من “النائب العام والمدعي العام العسكري فتح تحقيق شامل في أسبابها”.
وكان متحدث باسم خدمات الطوارئ في طرابلس قال أول من أمس: إنّ الاشتباكات التي جرت بين الميليشيات المتناحرة في العاصمة الليبية أسفرت عن مقتل العشرات، على الرغم من دعوات التهدئة التي انطلقت بعد اندلاع أعمال العنف لأول مرة منذ فترة طويلة.
وبحسب المتحدث باسم خدمات الطوارئ، أسامة علي، فإنّ من بين القتلى منذ بدء القتال في وقت متأخر من يوم الخميس طفلاً يبلغ من العمر (12) عاماً، و(3) مدنيين من المنطقة، وأصيب نحو (30) شخصاً.
من جهته، قال المجلس الرئاسي الليبي في بيان صباح أول من أمس: إنّ جميع القوات المشاركة في الاشتباكات يجب أن تعود إلى قواعدها على الفور. وقال مالك مرسيت متحدث آخر للطوارئ: إنّ (200) شخص فروا بالفعل من المنطقة، بعضهم كان يحضر حفل زفاف، ودعا إلى وقف إطلاق النار حتى يغادر الآخرون.
وامتدت الاشتباكات إلى مناطق أخرى بالمدينة، حيث أعلن المسؤولون عن مطار معيتيقة، وهو المطار الوحيد العامل في طرابلس، عن إغلاقه خوفاً على سلامة الركاب، وأعلن المكتب الإعلامي لمطار مصراتة الدولي، بحسب موقع “24” الإخباري، “تغيير مسار رحلة الخطوط الليبية رقم (LN203) القادمة من القاهرة لمطار مصراتة، بدلاً من مطار معيتيقة بسبب اشتباكات طرابلس. وأعلنت وكالة الأنباء الليبية (وال) عن “تغيير مسار رحلة خطوط العالمية للطيران المتجهة إلى معيتيقة، والقادمة من بنغازي إلى مطار مصراتة”.
وبدورها، دعت بعثة الأمم المتحدة جميع الأطراف المعنية إلى ممارسة ضبط النفس، والوقف الفوري لأعمال القتال.
جدير بالذكر أنّه كانت هناك مؤشرات على حتمية تجدد القتال، كجزء من الصراع المستمر على السلطة بين الميليشيات التي تدعم الإدارات المتنافسة في البلاد، وأظهرت مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي انتشار قوات الميليشيات المحلية، وتبادل إطلاق النار بكثافة في الليل.
وكانت خطة انتقال البلاد إلى حكم منتخب قد تعثرت، بعد أن فشلت الحكومة المؤقتة برئاسة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة في إجراء انتخابات العام الماضي. وكان من المفترض أن يتقاسم الدبيبة السلطة التنفيذية مع المجلس الرئاسي في طرابلس، حتى تتولى حكومة منتخبة زمام الأمور، ويرفض الدبيبة التنحي منذ ذلك الحين، بينما انتخب مجلس النواب فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق ليقود حكومة أخرى.
دور الإخوان الخفي
مصادر محلية أرجعت السبب المباشر للاشتباكات إلى قيام جهاز الردع باعتقال عنصر يتبع كتيبة ثوار طرابلس مساء الخميس، وتجدد القتال بعد ظهر الجمعة، والذي جاء في صورة تبادل عنيف لإطلاق النار بين كتيبة ثوار طرابلس، وجهاز الردع، وتركزت أعمال العنف في شرق طرابلس، ومنطقتي الجديدة، ومشروع الموز الزراعي، والطرق الرئيسية لجزيرة الفرناج وسط العاصمة، قبل أن يستجيب الطرفان لدعوات محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي بوقف إطلاق النار، والدخول في هدنة، وصفها مراقبون بالهشّة.
من جهته، قال الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة محمد حمودة: إنّ “رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الحكومة وزير الدفاع عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الأركان محمد الحداد، ورئيس جهاز المخابرات، ورئيس جهاز الأمن الداخلي، والمدعي العسكري، عقدوا اجتماعاً حول الأوضاع في طرابلس يوم الجمعة”.
مصادر مقرّبة من جهاز الردع أشارت، بحسب موقع “24” الإخباري، إلى أنّ الجهاز اشترط عدم “عودة كتيبة ثوار طرابلس وآمرها أيوب بوراس إلى المقار التي فقد السيطرة عليها، ولم تستبعد المصادر تسليم هذه المقار إلى اللواء 444”.
ويتراوح قوام كتيبة ثوار طرابلس، التي يقودها أيوب بوراس، بين (2800 و3500) عنصر، والكتيبة تتولى مهمة حماية المجلس الرئاسي، وعدد من المواقع الإستراتيجية، أمّا ميليشيا جهاز الردع، فقد تأسّست في العام 2012، وتتمركز في قاعدة معيتيقة العسكرية، ويقودها عبد الرؤوف كارة، المعروف بالشيخ الملازم، والذي تربطه بجماعة الإخوان المسلمين علاقات قوية.
الضغط على الحكومة منتهية الولاية
المحلل السياسي الليبي محمد قشوط أكّد في تصريحات لصحيفة “العين” أنّ الاشتباكات “كان ظاهرها الخلاف بين الميليشيات، لكن من خلال استمرارها لليوم الثاني على غير المعتاد، يكشف أنّ هناك قراراً اتُخذ لإنهاء دور أيوب بوراس، وميليشيا ثوار طرابلس؛ لإعادة رسم خريطة النفوذ داخل العاصمة”. وأضاف: “بوراس يعتبر ضلعاً من الأضلاع الـ3 المسلحة لعائلة الدبيبة داخل طرابلس، إلى جانب ميليشيات غنيوة، وميليشيات ما يعرف بحماية الدستور، ولو تمّ القضاء عليه ونظرنا إلى الخريطة لوجدنا أنّ هذه الأضلاع فصلت عن بعضها بعضاً؛ ليسهل التحرك ضدها فيما بعد”، لافتاً إلى أنّ ذلك سوف يزيد الضغوط على حكومة الدبيبة منتهية الولاية، وتقليص نفوذها ذاتياً”.
وعليه، فإنّ خلافاً يبدو أنّه قد دبّ بين الإخوان والميليشيات التابعة لهم، أو المتحالفة مع الدبيبة، الأمر الذي قد يترتب عليه تغيير موازيين القوى في الصراع الذي اتخذ اتجاهاً حاداً بتجدد الاشتباكات، بحسب تعبير محمود الكزة، المحلل والناشط الليبي، والذي أكّد لـ”حفريات” أنّ الإخوان يسعون للعودة إلى المربع صفر، في ظل خلافهم مع الدبيبة، لكنّ المجتمع الدولي الذي أصبح يشعر بعبء ما يجري في ليبيا، طيلة العشرية الماضية، لن يسمح بذلك، فكلّ الجهود تتجه صوب توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية.
ويرى الكزة أنّ تجدد القتال بين الميليشيات يعكس حجم الضغط والارتباك الذي تعاني منه، وكذلك الفوضى التي ترسخها وتكرّس لها حكومة الدبيبة، التي فقدت السيطرة تماماً على العصابات المسلحة، سواء الموالية لها، أو حتى المحايدة، وأيّ محاولة لدمج المرتزقة ضمن القوة الأمنية الموحدة، سوف تنتهي بالفشل؛ لأنّ عقيدتها هي الولاء لمن يدفع.
المصدر حفريات