نوران بديع
صحفية سورية
تعصف بجماعة الإخوان المسلمين منذ إزاحتها عن سدة الحكم في مصر عام 2013، تحولات وانقسامات كثيرة طالت ليس بنيتها التحتية فحسب، إنما تعدتها إلى المنظومة القيمية التي تحكم الجماعة، وذلك بسبب الرغبة المحتدمة لدى قيادات التنظيم لبسط سيطرتها على الجماعة الإسلامية.
وانقسمت الجماعة الإسلامية في النهاية إلى قسم موالٍ للقائم بأعمال المرشد، إبراهيم منير، المقيم في لندن، والآخر موالٍ لأمين عام الجماعة السابق، محمود حسين، المقيم في تركيا، فضلاً عن قسم ثالث يُطلق عليهم المكتب العام للإخوان، وقد تمسك أعضاؤه بخط، محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، مسؤول اللجان النوعية “العمل المسلح” داخل التنظيم.
ويرى الباحث المختص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب، في ورقة بحثية جديدة نشرها “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، أنّ الصراع داخل جماعة الإخوان المسلمين لا يمكن فهمه على أنه صراع سياسي طبيعي كما يحدث في التنظيمات السياسية، لعوامل عدة، أهمها الاتهامات المتبادلة بين أطرافه، فإلى جانب الاتهامات الخاصة بالسعي إلى السيطرة على الجماعة، هناك اتهامات تتعلق بالذمة المالية، وبالرغبة في هدم الجماعة، فضلاً عن اتهامات بالعمالة لأجهزة استخبارات أجنبية، وهي اتهامات لأول مرة تظهر على العلن بين قيادات نافذة في الجماعة.
“بدايات الانقسام ودلالاته”
يمكن رصد بداية الانقسام والصراع داخل جماعة الإخوان المسلمين مطلع عام 2016، حيث ظهرت بوادره بين محمود عزت القائم بعمل المرشد، آنذاك، ومحمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، الذي تولى رئاسة اللجنة الإدارية العليا، المنوط بها إدارة شؤون الجماعة داخل مصر والتي كانت بديلاً لمكتب الإرشاد، حيث قرر كمال ممارسة مهامه دون العودة إلى محمود عزت.
ووفق الورقة المنشورة بعنوان “انقسامات الإخوان .. الدلالات والمآلات”، حاول “عزت” في خلافة مع “كمال”، أن يُظهر الخلاف بينهما على فكرة استخدام العنف لا على ترتيب أولويات العمل داخل الجماعة، ورغم أنّ كليهما قد أقر العنف، فإنّ “عزت” كان يرى أنّ استخدامه بالصورة نفسها التي أقرها “كمال” لا يخدم أهداف الجماعة وقد يتسبب في القضاء عليها.
ففيما انحاز كمال إلى رأي اللجنة الشرعية التي شكلها وأقرت في بحثها “المقاومة الشرعية” رد الصائل بالقوة، رأى عزت ذلك بمنزلة انتحار تنظيمي لوجود فارق في القوة بين الدولة والجماعة.
وبعد إلقاء السلطات المصرية القبض على محمود عزت، زادت الخلافات داخل الجماعة؛ فبينما كان يرى محمود حسين، عضو مكتب الإرشاد، أمين عام التنظيم، أحقيته بأن يحل محل عزت في منصب القائم بأعمال المرشد، كان إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولي، يعتقد أنه الأولى بتولي المنصب ذاته.
تطور الأمر؛ حيث أعلنت جبهة محمود حسين عزل منير رسمياً وتشكيل لجنة للقيام بمهام القائم بعمل مرشد الجماعة.
في المقابل، وبعد ساعات من إعلان تشكيل “لجنة للقيام بأعمال المرشد”، أكدت جبهة لندن، أن إبراهيم منير هو القائم بأعمال المرشد والمعبر عن مؤسسات التنظيم، وفي إجراء آخر، قرر منير عزل مصطفى طلبة.
خلاف تنظيمي أم فكري؟
ويرى الباحث، أنّ الخلاف بين جبهتي منير وحسين يتضمن جزءاً تنظيمياً حركياً يرتبط بأدوات العمل، لكن الجزء الأكبر والأهم منه يرتبط بالجانب الفكري، مما تصعب تسويته على غرار الخلافات التنظيمية التي نجحت الجماعة في تسويتها على مدار فترات تاريخية سابقة.
وقد ذهبت محاولات تقريب وجهات النظر كلها سدى نتيجة إصرار كل جبهة على موقفها باعتباره الموقف الفكري الصحيح.
ما تأثير الانقسام في بنية الجماعة؟
ما تشهده الجماعة ليست مجرد خلافات بقدر كونها حالة من التفكك التنظيمي، الذي يمثل الخلاف إحدى علاماته، بمعنى أن هذه الخلافات هي مجرد عرض لحالة التفكك والتحلل التنظيمي.
من جهة أخرى، تعيش جماعة الإخوان المسلمين حالة من التكلس الفكري والتنظيمي معاً، فلم تعد قادرة على الحركة، نتيجة الصراعات التي تعيشها، ومحاكمة الأعضاء للقيادات، وتحميلهم مسؤولية ما حدث للجماعة خلال العقد الأخير.
ولعل الخسارة الأكبر التي تعيشها الجماعة هي أنها أصبحت بلا تنظيم، بعدما كانت قادرة على حسم الخلافات في مهدها بطريقة قمعية، مع الانتصار للقيادات في أي خلاف أو صراع مهما كانت الخسائر.
نجح الإخوان في الإبقاء على التنظيم لفترات طويلة لكنه بات تنظيماً مشوهاً، لا يمكن مراجعة قادته ولا يسمح بالحوار بين أعضائه والمنتمين إليه.
3 سيناريوهات
وفي ظل الصراعات الشديدة التي تشهدها جماعة الإخوان المسلمين يمكن الحديث عن 3 سيناريوهات متوقعة لوضع جماعة الإخوان المسلمين وفق الباحث أديب وذلك على النحو التالي:
1– انهيار الجماعة
ينطلق هذا السيناريو من فكرة أنّ الصراعات الشديدة داخل الجماعة قد تؤدي إلى انهيارها خاصة إذا ما أصر كل طرف على موقفه وهو أمر قد يؤدي بدرجة أو بأخرى إلى تشقق الجماعة إلى فرق عديدة، ما يغذي هذا السيناريو فشل محاولات الصلح كلها التي بذلت لتسوية الخلاف بين جبهتي منير ومحمود حسين، وعمق الخلافات التي ظهرت معها اتهامات متبادلة تتعلق بالذمة المالية وسرقة أموال الجماعة والعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية، وكلها أمور تتعلق بالقيم التي كانت الجماعة تتغنى بها لفترة طويلة، بالإضافة إلى أنّ هذه الخلافات قد تدفع شباب الجماعة في داخل مصر إلى فقدان الثقة بها وبقياداتها ومن ثم محاولة الخروج منها.
2– استمرار الوضع القائم
يتضمن هذا السيناريو استمرار الوضع القائم مع محاولة أطراف الصراع ضبط صراعهم بحيث لا يؤدي إلى انهيار الجماعة بالكامل، بمعنى أن تستمر الخلافات القائمة في ظل سعي كل طرف من الأطراف المتصارعة إلى إقصاء الطرف الآخر، وفي ظل عدم قدرة أي من منهما على تحقيق الانتصار، فقد يستمر الوضع الحالي للجماعة بحيث تكون منقسمة على ذاتها غير قادرة على الحركة ومن ثم تدخل في حالة من الضعف لكن من دون أن تنهار تماماً أو تختفي من المشهد.
3- معالجة الخلافات وعودة الجماعة موحدة
يتضمن هذا السيناريو نجاح الجماعة في تسوية الخلافات بين جبهتي منير وحسين ومن ثم عودة الجماعة مرة أخرى كجماعة موحدة، وهو أمر من الممكن حدوثه إذا ما توافرت بعض الأمور، مثل، وفاة أحد قيادات الجبهتين، أو نجاح المرشد محمد بديع في التدخل من داخل سجنه لتسوية الخلاف بين منير وحسين، أو حسم الخلاف لصالح إحدى الجبهتين، أو ضغط دول، مثل: بريطانيا أو تركيا لإنهاء الخلاف وتسويته.
ويرى الباحث، أنّ السيناريو الثاني هو الأكثر ترجيحاً حيث ستستمر الجماعة على وضعها القائم مشتتة بين خلاف شديد العمق بين اثنين من أبرز قادتها بما يجعلها في حالة ضعف تعوق حركتها، وتعود ترجيح هذا السيناريو إلى عوامل عدة، أبرزها عدم قدرة أي من الجبهتين المتصارعتين على الانتصار على الجبهة المناوئة، وعدم قدرة الجماعة أو قادتها الآخرين على فرض تسوية على الجبهتين، فضلاً عن أن نظم الحكم المناوئة للجماعة ترغب في استمراها على وضعها القائم.
وتوصي الورقة البحثية باستمرار المواجهة الفكرية والأمنية والعسكرية مع التنظيم، فصحيح أن الجماعة تمر بحالة ضعف شديدة لكن أفكارها مازالت حيّة وموجودة وربما جاذبة لبعض الأشخاص.
وتوصي أيضاً برفع قدرة المؤسسات المؤسسات السياسية والاجتماعية والدينية سواء الأحزاب السياسية أو جمعيات المجتمع المدني أو الجمعيات الدينية الرسمية على ملء الفراغ الذي سيتركه اختفاء الجماعة.
وأخيراً يؤكد الباحث على أنّ خطورة “الإخوان” ليس في تنظيمهم، رغم أنه تنظيم قوي تمدد في أكثر من 80 دولة، ولكن في الأفكار المؤسسة للتنظيم، فالتنظيمات دائماً تعيش على الأفكار، ومن ثم فإنّ المهم هو مواجهة هذه الأفكار.
المصدر حفريات