حامد فتحي
صحفي مصري
ما تزال القبيلة في اليمن بنية اجتماعية فاعلة لم تفقد قوتها، على الرغم من عقود من الحكم الجمهوري، الذي أخفق في بناء علاقات اجتماعية جديدة، وخلق دولة مؤسسية مستقرة، ما جعل الدولة تسقط في قبضة الحوثيين، الذين اصطدموا بالبنية الاجتماعية القوية في البلاد.
ولم تسقط محافظة البيضاء في قبضة الحوثيين، عام 2015، من دون مقاومة ضارية من القبائل؛ فهي محافظة سنّية بامتياز، ومن معاقل الدعوة السلفية، لهذا اتبع الحوثيون معادلة تقوم على عدم التدخل في شؤون القبائل، منعاً لاندلاع ثورة ضدّهم بينما هم منشغلون في جبهات قتال أخرى في تعز ومأرب وشبوة.
وكادت علاقة المهادنة تلك أن تنقلب إلى حرب ضروس خلال الأيام الأخيرة، عقب حصار الحوثيين قرية “خبزة” في مديرية القريشة في المحافظة بدعوى تورّط عدد من سكان القرية في الهجوم على ارتكاز حوثي في المنطقة، وأمام صرامة القبائل في دعم أهالي خبزة والتهديد بحرب واسعة، اضطر الحوثيون إلى قبول وساطة قبلية والانسحاب من القرية.
عدوان حوثي
وشهدت قرية خبزة حصاراً حوثياً شديداً، بدأ في 12 تموز (يوليو) الجاري، واستمرّ حتى 23 من الشهر نفسه، وخلال أيام الحصار قصف الحوثيون القرية بالمدفعية والطيران المسيَّر تميهداً لكسر مقاومة القبائل في القرية، واقتحامها.
ولقي 15 شخصاً مصرعهم جراء القصف الحوثي، بينهم امرأتان وطفلة، وتعرضت عشرات المنازل للدمار والأضرار.
وبدأ العدوان على القرية بعد مقتل ثلاثة جنود تابعين للحوثيين في منطقة تبعد خمسة كيلومترات عن القرية، واتّهم الحوثيون سكان القرية بإيواء عناصر من تنظيم القاعدة وداعش، وهي التهمة التي يرددها الحوثي في معظم الصراعات مع القبائل والحكومة الشرعية.
وكانت القرية محطةً بارزةً في مقاومة قبائل البيضاء للعدوان الحوثي على المحافظة، عام 2014، وبحسب تصريح سابق لرئيس تحالف قبائل البيضاء الشيخ علي أبو صريمه لـ “بي بي سي” فإنّ “المئات من مقاتلي الحوثيين قتلوا خلال معارك الأيام القليلة الماضية التي جرت بين الحوثيين ومسلحي القبائل في قرية خبزة بمحافظة البيضاء جنوب شرق اليمن”، وذلك عام 2014.
واتهم الشيخ أبو صريمه “الحوثيين بتدمير عدد من منازل المواطنين بعد اجتياحهم للقرية التي تعرضت لقصف مدفعي وصاروخي عنيف على مدى خمسة أيام” خلال هجوم عام 2014، نافياً في الوقت ذاته وجود مسلحين من تنظيم القاعدة في قرية خبزة، وهي التهمة التي ردّدها العميد يحيى سريع، الناطق باسم الجيش الموالي للحوثيين، والذي قال عن اشتباكات خبزة الأخيرة: “القوات المسلحة اليمنية واللجان الشعبية تمكّنت، بفضل الله تعالى، من تطهير قرية خبزة وقيفه بشكل كامل في محافظة البيضاء، وتم أسر عشرات الدواعش الإرهابيين من الخونة والمرتزقة”.
ومن جانب قبائل البيضاء، قال الناطق الرسمي باسم مقاومة قبائل آل حميقان، عامر الحميقاني: “تهمة الدواعش والخونة، وما إلى ذلك، هي مبررات حوثية لتصفية قوة مشائخ القبائل في اليمن”.
وكانت البيضاء قد شهدت هجوماً مضاداً من الجيش اليمني لطرد الحوثيين، في أواخر عام 2020، ولتخفيف الهجوم على مأرب، وانتهى الهجوم بسيطرة حوثية على معظم المحافظة، بينما تسيطر الشرعية على مناطق محدودة فيها.
صمود قبلي
وفي حديثه لـ “حفريات”، قال الناطق باسم مقاومة آل حميقان: “حاول الحوثيون، مرّتين، اقتحام قرية خبزة، وتكبدوا خسائر كبيرة أمام صمود القبائل، ولهذا فرضوا حصاراً شديداً لمدة 11 يوماً، حتى الوساطة القبلية”.
وتابع: “تدخّل مشايخ قيفة لحلّ الأزمة، ومنعهم الحوثيون من دخول القرية، ورفضوا وساطتهم، فدخل حشد قبلي عسكري بعد يومين إلى خبزة، وأعلنوا دعم القرية ضدّ الحوثيين، وكان ذلك سبباً في تراجع الحوثيين عن بغيهم، والقبول بوساطة القبائل ورفع الحصار والانسحاب من المنطقة”.
وشدّد عامر الحميقاني على أنّ ما حدث في خبزة هو “دروس في العزة والكرامة للقبائل التي خضعت للحوثي دون قتال، وأنّ قبائل خبزة أثبتت أنّ القبيلة اليمنية لا تقبل الظلم، وأنّ للصبر حدوداً، حتى إن كانت في عقر سيطرة الميليشيات الحوثية”.
ووجّه المتحدث باسم وزارة الداخلية التابعة للحوثيين الشكر والتقدير على “موقف وجهاء وأبناء منطقة خبزة الذين واجهوا مخطط العصابات التكفيرية لتفجير الأوضاع في المناطق الحرة”، وهو تصريح يخفي تراجع الميليشيات الحوثية أمام تهديدات قبائل قيفة بصدام مسلح مع الحوثيين إذا لم يتم رفع الحصار عن القرية.
ومن جانبه، قال الصحفي، محمد مصطفى الشرعبي: “ما قامت به ميليشيات الحوثي الإيرانية في قرية خبزة، إنما هو تعبير عن ديدن هذه الميليشيات، لنشر جرائمها عبر سفك الدماء وقتل الأبرياء ونهب الممتلكات وسلب الأموال”.
وشدّد الصحفي اليمني لـ “حفريات”: على أنّ من يفكر أو يتوقّع أنّ هذه الميليشيات تبحث عن الحياة وعن السلام الذي تدّعيه، فهو “جاهل بطبيعة هذه الميليشيات الطائفية”، وأضاف: “وصمة عار في تاريخ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الصمت على جرائم هذه الميليشيات الحوثية المدعومة إيرانياً في خبزة، كما صمتت وهي تشاهد هذه الميليشيات تقتل الشعب اليمني من صعدة حتى دماج وعمران وتعز وحجور والجوف، وبقية المحافظات، وتهدّد حياة المواطنين في جميع محافظات الجمهورية اليمنية”.
دعوات النفير ضدّ الحوثيين
ويبدو أنّ تداعيات ما حدث في قرية خبزة أعادت التفاؤل لدى يمنيين كثيرين بهزيمة الميليشيات الحوثية، استلهاماً من صمود سكان خبزة، الذين لا يتعدى عددهم 1500 نسمة، في وجه هجوم حوثي ضارٍ استُخدم فيه القصف المدفعي وقذائف الدبابات وهجوم من الطيران المسير.
وارتباطاً بطبيعة محافظة البيضاء، التي اشتهرت قبائلها تاريخياً بمقاومة حكم الإمامة، رأى متابعون يمنيون أنّ هناك شكوكاً في المسؤول عن حادثة مقتل جنود تابعين للحوثي قرب خبزة، ولم يستبعد هؤلاء وقوف الحوثي وراء العملية، لاتخاذها مبرراً لإحكام سيطرته على مديريات البيضاء، كضربة استباقية لمنع انضمام قبائل المحافظة إلى أيّ هجوم قد تنفذه الحكومة الشرعية حال انتهت الهدنة التي جرى تمديدها أكثر من مرة.
ومن جانب آخر، ألقى كثيرون اللوم على المجلس الرئاسي اليمني؛ بسبب سكوته عن الانتهاكات الحوثية التي تستغل الهدنة، والتي كان آخرها قصف لروضة أطفال في مدينة تعز، أدى إلى مقتل 12 طفل وطفلة.
ويرى الصحفي محمد مصطفى؛ أنّ “مشروع الحوثيين سلالي طائفي، وهو أمر يتبجحون به عبر الإعلان بأنّ معركتهم واحدةّ، من إيران إلى لبنان واليمن، ولهذا فلا حلّ سوى المواجهة العسكرية، لإنقاذ الوطن من عدوان ميليشيا لا تؤمن بالسلام”.
يذكر أنّ عدد سكان قرية خبزة يبلغ 1500 نسمة، وتتبع إدارياً عزلة قيفة آل محن يزيد بمديرية القريشية، إحدى أهم مديريات رداع في البيضاء، التي تعد قبائلها من أشدّ المناهضين تاريخياً لحكم الإمامة ومن ثم الحوثيين.
المصدر حفريات