منير أديب
هل تنتهي صراعات “الإخوان المسلمين” حقاً؟ وهل هذه الصراعات جديدة على التنظيم؟ ولمصلحة أي جبهة من الجبهات سينتهي الصراع؟ وما هي مصادر قوة كل جبهة من جبهات الصراع؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها في ظل الخلافات التي ضربت التنظيم خلال العامين الماضيين، ولعل السؤال الأبرز: هل هذه الصراعات جديدة على التنظيم أم أتها ظرف استثنائي سوف يغيب مع الوقت، بينما يعود التنظيم قوياً كما كان؟
يحاول الكاتب من خلال هذه السطور قراءة واقع تنظيم “الإخوان المسلمين”، كما يحاول استشراف مستقبل هذا التنظيم في ظل التحولات التي يشهدها؛ كانت تكمن قوة الجماعة سابقاً في قدرتها على ضرب أي تمرد على الأفكار أو التنظيم من داخلها أو خارجها، فبقى التنظيم أكثر من تسعين عاماً يستعصي على الانشقاق أو الانهيار كما هو حادث الآن، غير أن الخلاف الأخير يبدو شيئاً مختلفاً في شكله ومضمونه.
غالباً، التنظيمات الأيديولوجية تتعامل بعنف تجاه كل من يخرج على أفكارها، ويا حبذا إذا كان هؤلاء الخارجون جزءاً من التنظيم، فبقي التنظيم بينما ذهب كل الخارجين عليه بعيداً من التنظيم من دون أن يتركوا أثراً فيه، حتى أطلق عليهم مصطفى مشهور، المرشد الخامس للتنظيم “المتساقطون على طريق الدعوة”؛ الاغتيال المعنوي والمادي لكل من ينتقد التنظيم وضع صمامات أمان ضد سقوط التنظيم، هذا في السابق فقط.
في خلافات “الإخوان” دائماً يكون صوت الجماعة هو الأعلى والأقوى في الوقت نفسه، بينما يبقى صوت أتباع التنظيم بلا أي تأثير؛ تعدى رد فعل التنظيم الاغتيال المعنوي إلى القتل كما حدث مع السيد فايز، أحد قادة النظام الخاص (الذراع العسكرية للجماعة). لا تسمح التنظيمات المؤدلجة بفتح أي قناة حوار، هي ترى أن الحوار خصم دائم للانضباط داخل هذه التنظيمات.
تكمن قوة محمود حسين، في كونه أميناً عاماً سابقاً للتنظيم، وبالتالي لديه من الأوراق والملفات ما لا يستطيع غيره داخل التنظيم أن يعرفها، إذاً الرجل معه المفتاح السحري لكل المؤسسات التي تدير التنظيم؛ فهو مر بهذه الخلافات من قبل ونجح في التعامل معها بما لا يؤثر في بنيته، وبما لا يترك أثراً، لدرجة جعلت البعض يعتقد أن ما يمر به التنظيم حالياً لم يمر به من قبل عبر الحقب الزمنية السابقة.
نجح مكتب الإرشاد في التعامل مع كل خروج على التنظيم، وبات أعضاؤه متمرسين في التعامل مع كل من يطرح أفكاراً جديدة أو يخرج على ما هو معتاد من أفكار التنظيم، وهنا يمكن القول إن مكتب الإرشاد قمع أي عمليات للخروج على التنظيم لدرجة لا تسعف الباحثين في استذكار أي حالات تذكر ولو على سبيل المثال، ربما من قلتها أو من عدم سماع الباحثين عن هذه الحالات، نظراً إلى التكتم عليها.
محمود حسين بمثابة الدولة العميقة في التنظيم، فقد تعامل ببراعة منقطعة النظير مع المناوئين له في الجبهة الأخرى. هو الأكثر فهماً وإدراكاً للتنظيم وإدارة الخلافات في داخله، ولعل خروج قيادات جبهة إبراهيم منير المتكرر في الإعلام، جعل هذه الجبهة هي الحلقة الأضعف في الصراع، فمحمود حسين، يعرف متى يتحدث، ومتى يصمت، ومتى يدخل خصمه في شباك الهزيمة أو في شراكه. وهنا بات الخروج المتكرر لقيادات إبراهيم منير في اللقاءات الإعلامية أو عبر البيانات وبالاً على الجبهة وخصماً من مصداقيتها.
محمود حسين لا يرفع يده لضرب خصومه إلا إذا كان موجعاً، فهو الخبير بضرب أقرانه في مكتب الإرشاد، وهو الخبير بنفوس التنظيم التي تغيرت وتبدلت، وهنا يمكن القول: إن جبهة منير هي الأكثر نشاطاً والأقل تأثيراً في الوقت نفسه، بينما محمود حسين، هو الأقل نشاطاً والأكثر تأثيراً في الوقت ذاته، يعمل في صمت ويترك أثراً في خصمه، فهو بمثابة حلقة الصراع التي لا تنتهي.
إبراهيم منير يستمد قوته من كونه الأمين العام للتنظيم الدولي، وأنه كُلّف كنائب للقائم بأعمال المرشد السابق، وبالتالي يرى نفسه قائماً بعمل المرشد بعد غياب محمود عزت، وهنا يفسر منير اللائحة الأساسية لـ”الإخوان” كما يفهمها، بينما ممثل الجبهة الأخرى يمتلك تفسيراً للائحة الأساسية لـ”الإخوان” مختلفاً تماماً؛ وهو تفسير دفع أصحابه إلى استصدار بيان أعفوا من خلاله إبراهيم منير وقرابة 14 عضواً من مجلس الشورى التابعين له من مهامهم وعضويتهم في التنظيم، وهنا نستطيع القول إن لائحة التنظيم عقيمة لم ولن تنتج إلا مزيداً من الخلافات.
ولعل رهان بعض “الإخوان” في إنهاء الخلافات مرده إلى الاحتكام إلى اللائحة الأساسية في التنظيم، فاللائحة نفسها هي مصدر الخلاف وسببه، لأنها لائحة عقيمة لتنظيم عقيم، لم تتغير منذ وضعها المؤسس الأول حسن البنا، إلا بقدر يسير يتيح للتنفيذيين داخل التنظيم مزيداً من السيطرة، ولذلك أحيل إلى بعض القانونيين والتنظيميين، وهم الأقل خبرة وكفاءة شأن تغيرها، لا لشيء إلا لأنهم الأكثر ولاءً للقيادات، وبالتالي تعقد الخلاف في ظل وجودها.
خلاف “الإخوان” يتعمق ويصل إلى جدار الفكرة ويصيب نفوس الأتباع، ولذلك آليات العودة تبدو مستحيلة. الخلاف داخل التنظيم سوف ينتهي إلى انهياره إن لم يكن قد حدث بالفعل، إذ لا يمكن احتواؤه والتعامل معه حتى ولو خرج مرشد “الإخوان” من محبسه. نحن نتحدث عن تنظيم متكلس بلائحة عفّى عليها الزمن، لا تستطيع أن تلبي متطلبات أعضائها منذ عشرات السنين. هذه اللائحة مثال لوضعية التنظيم المتهاوي والمتهالك.
نُمي إلى علم الكاتب تدخل مرشد “الإخوان” وبعض من أعضاء مكتب الإرشاد داخل السجون المصرية في الخلاف الدائر بين الجبهتين المتصارعتين في لندن واسطنبول؛ ورغم أنهم طالبوا محمود حسين بمبايعة إبراهيم منير، إلا أن الخلاف لا يزال دائراً.
فمحمود حسين، أحد أقطاب الخلاف، يرى أن الحق معه وأن اللائحة التي تمثل المذكرة التفسيرية لقوانين الجماعة تدعمه وتدعم كل تحركاته السابقة. وصلت هذه الرسائل من مرشد الجماعة وأعضاء المكتب مكتوبة وصوتية، ولكن من دون تأثير في الجبهتين المتصارعتين، ولو خرج مرشد “الإخوان” من محبسه لزاد الطين بلة، وهذا أبسط مثال على انهيار القيم التنظيمية والخلقية الحاكمة لـ”الإخوان”، وأن الخلاف المنثور على جبهة التنظيم هو انعكاس لسقوط التنظيم وليس دليلاً على سقوطه.
نقلاً عن “النهار” العربي