ماهر فرغلي
كاتب مصري
تصاعدت أزمة انقسام جماعة الإخوان (فرع مصر) بشكل غير مسبوق، بعد أن قررت جبهة إبراهيم منير عزل مصطفى طلبة، الذي اختارته جبهة محمود حسين ليكون قائماً بعمل المرشد.
وذكرت جبهة منير، في بيان رسمي صدر مساء السبت ونقلته قناة “العربية”، عدم اعترافها بقرارات جبهة إسطنبول، أو كما يُسمّى مجلس الشورى العام، مؤكدة أنّ الشرعية للجماعة يمثلها نائب المرشد العام القائم بالأعمال إبراهيم منير فقط، وأنّ ما حدث من مجموعة حسين من فصلها أعضاء مجلس الشورى هو شق للصف يستوجب المحاسبة.
وقالت جبهة إبراهيم منير في بيانها: إنّ من فعل ذلك ليس منّا ولسنا منه، وكلّ من خرج عن الصف وساهم في شق الجماعة وترديد الافتراءات الكاذبة ليس من الجماعة، وإنّها قررت بطلان ما يُسمّى اللجنة القائمة بعمل المرشد التي يمثلها مصطفى طلبة، وإنّ كل من شارك في هذه اللجنة قد اختار لنفسه الخروج عن التنظيم.
هذا، وكانت جبهة محمود حسين قد فصلت أعضاء مجلس الشورى الجديد في بيان رسمي، وبعدها أصدرت بياناً آخر منذ عدة أيام دعت فيه إلى الاهتمام بالدعوة، وعدم التطرق لمشكلة الانقسام إعلامياً.
وفي تطور خطير أعلن إبراهيم منير، الذي يتزعم جبهة لندن داخل الجماعة المنقسمة، في مقابلة مع وكالة “رويترز” للأنباء، تخلّي الإخوان عن “الصراع على الحكم في مصر، سواء كان عبر انتخابات سياسية أو غيرها”.
وعلّق منير في المقابلة على جلسات الحوار الوطني قائلاً: “استبعاد الإخوان من الحوار لن يؤدي إلى الصورة المطلوبة التي يمكن أن تحكم مصر عن طريقها في الأعوام القادمة”، مضيفاً: “نرفض الصراع على الحكم، حتى لو كان صراعاً بين الأحزاب في الانتخابات السياسية أو غيرها التي تديرها الدولة”.
انقلاب إخواني خطير
ويُعتبر حديث منير انقلاباً خطيراً في كل مفاهيم الجماعة طوال الأعوام الماضية، فقد قال: إنّ جماعة الإخوان ترفض العنف، وإنّ عنفها هو ردود أفعال، وأنّ الحوار الوطني بدون الجماعة لا جدوى منه، وأنّ الجماعة قررت عدم الصراع على الحكم في مصر بأيّ صورة من الصور.
وقال منير: إنّ جماعة الإخوان المسلمين مرّت بأوقات عصيبة من قبل، لكن “بالتأكيد هذه المرة أقسى من كل المرات الماضية… من كل المحن الماضية” التي شهدتها منذ تأسيسها قبل ما يربو على (90) عاماً.
منير أقرّ بأنّ الجماعة عانت من انقسامات داخلية حول كيفية التعامل مع الأزمة، وأوضح أنّ اختيار مرشد جديد سيتم عندما يستقر الوضع.
وفي ردود الأفعال على حديث إبراهيم منير، قال القيادي أشرف عبد الغفار، عضو جبهة المكتب العام في صفحته على “فيسبوك”: إنّ ما صرح به إبراهيم منير هو رده عن منهج الإخوان، وليس فصل الدعوي عن السياسي، لكنّه إعلان استسلام كامل للنظام المصري، مشيراً إلى أنّ جبهة محمود حسين في نظره أسوأ من جبهة منير، ولا أحد فيهم يتمسّك لا بقيم ولا بثوابت، بل بالكراسي والمناصب.
ووافقه الرأي عضو جبهة محمود حسين، القيادي أحمد هلال، الذي قال في صفحته على “فيسبوك”: إنّ تلك التصريحات تصبّ في اتجاه خطير، وتداعياته ستكون خطيرة على الجماعة ومصر كلها، حيث إنّ انسحاب الإخوان من تلك التنافسية حسب قواعد الديمقراطية المعترف بها دولياً يعني خطأ الطريق الذي اختارته جماعة الإخوان، وعليهم المراجعة الشاملة بعد تضحيات (100) عام، وأنّه ليس هناك من طريق للإصلاح والتغيير غير الطريق التي تبدأ بتغيير الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الدولة والحكومة، لا أحد ينتظر من الإخوان أن يكونوا دعاة للتغيير بالقوة أو السلاح أو الثورة.
إلا أنّ القيادي الإخواني حمزة زوبع كان له رأي آخر، فقد كتب عبر صفحته على “فيسبوك”: بحسابات السياسة، فالإجابة هي إعادة نظر فيما جرى، وليست تنازلاً من الإخوان، وهذه الخطوة تشكل تحدياً للأحزاب التي ظلت تتحجج حين تراجعها بوجود الإخوان في المنافسة السياسية، وأمّا بحسابات الدعوة، فالخطوة تعني تفرغ الإخوان للعمل الدعوي والتربوي والعمل العام وتأسيس جيل مسلم يواجه كل حركات الإلحاد والفساد.
أمّا القيادي المؤسس للجماعة في فترة السبعينيات محيي الدين عيسى، فقد قال في صفحته على “فيسبوك”: بينما مجموعة الـ6؛ أي مجموعة محمود حسين، بينما هي تنشغل بالخصومة والمشاحنة نرى الطرف الثاني منير ومن معه يهتم فعلياً بإحداث تغييرات جوهرية في منهج وفكر الجماعة.
براغماتية أم تغيير؟
يرى منير والفريق المتجمع حوله أنّ السياسة التي تم اعتمادها بعد عام 2014، والتي كانت تعني اعتماد مبدأ المواجهة والنقاط المؤلمة للدولة المصرية يجب أن تتوقف بعد أن فشلت فشلاً ذريعاً، ويجب البحث عن أيّ وسيلة تواصل مع النظام لتفعيل المصالحة وحل مشكلة المسجونين، وهذا كله لن يتأتى إلا بلم الشمل، وأن تعود الجماعة إلى سلميّتها، وأن يتنحى رجال الحرس القديم من الواجهة.
أمّا من خلال رؤية جبهة محمود حسين، فإنّ ما يقوله إبراهيم منير هو تدجين لجبهة إخوانية تسلم بالأمر الواقع وتتعامل مع النظام المصري، وأنّ هذه الجبهة ساهمت في خلق حالة من التخريب والتشظي من أجل الإسراع في تلك الخطة.
وفي تعليقه على الفريقين، تساءل الباحث المصري سعيد صادق في تصريح لـ”حفريات”: هل سيتم إغلاق منابرهم الإعلامية، مثل “مكملين” من لندن، كترجمة لانسحابهم النهائي من السياسة، أم هي لعبة مؤقتة وخضوع للتيار، وإقرار بالهزيمة إلى حين؟ وهل ستكشف الجماعة مصدر أموالها ومن يمنحها؟ وهل تكشف عن أعضائها السرّيين؟ وإلّا، فكلّ حديث منير لا يعني شيئاً.
من جهته، رأى عضو الجماعة حسن خضري، في منشور على صفحته على “فيسبوك”، أنّ التصريحات مهمّة جداً، وجاءت في وقت كان الأداء السياسي فيه والتعاطي مع الجماعة ضعيفاً، متسائلاً: هل هي مناورة سياسية محسوبة؟ أم هو تمهيد لمواقف وتحولات إستراتيجية جوهرية للجماعة؟ أم تنازل براغماتي؟ مشيراً إلى أنّ مطالب الدولة هي إلغاء الشكل القديم لتنظيم الإخوان (مكتب الإرشاد)، والتعهد بعدم المنافسة في المجال السياسي، واقتصار نشاطهم على العمل الدعوي والاجتماعي فقط.
ومن هنا، فالمتابع للمشهد يلاحظ أنّ التنظيم الإخواني اليوم يمرّ بمرحلة تآكل حقيقي، وهذه التحولات هي من أكبر الخلافات التي مرّ بها التنظيم منذ نشأته الأولى على يد مؤسسه حسن البنا؛ لأنّها تتعلق بالعمود الفقري، الذي نشأ من خلاله التنظيم، وهو الصراع على السلطة، ومن ثم فهو انقلاب في كل المفاهيم، وهذا ما يؤكد أنّ تلك التصريحات هي براغماتية، من أجل إعادة الجماعة إلى الشارع بأيّ شكل، ثم الانقلاب تكتيكياً مرة أخرى والعودة إلى الخلف، وهنا ما يشير إلى الانكماش لا الفناء؛ أي التحول من التنظيم الصارم إلى الميوعة التنظيمية من أجل التمكّن.
المصدر حفريات