سراج الدين الصعيدي
كاتب مصري
بعد نحو (9) أعوام من إزاحتها عن حكم مصر، ما تزال جماعة الإخوان المسلمين تبحث عن مستقبل لها، رغم فشلها في كافة المناورات السياسية التي خاضتها، وعدم وصولها إلى اتفاق يضمن استمرار ممارسة أنشطتها المشبوهة وأمن عناصرها وضمان سلامتهم، بعد تصنيفها في مصر “منظمة إرهابية”، وفي ظل انهيار شعبيتها.
بعيداً عن الخلافات داخل الجماعة، المصنّفة في كثير من الدول تنظيماً إرهابياً، وبعيداً عن الصراعات التي وصلت إلى التخوين والاتهامات بالفساد والتهديد بالاغتيال بين جبهة لندن التي يقودها إبراهيم منير، وجبهة إسطنبول التي يقودها محمود حسين، يحاول بعضهم نفخ الروح في الجماعة ولملمة شتاتها والبحث عن فرصة جديدة لها.
وفي هذا السياق، قال إبراهيم منير، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين والقائم بالأعمال، في مقابلة مع وكالة “رويترز” للأنباء أول من أمس: إنّ الجماعة لن تخوض صراعاً جديداً على السلطة بعد الإطاحة بها من الحكم قبل (9) أعوام.
وزعم منير، في المقابلة، أنّ الجماعة “ترفض العنف تماماً، وتعتبره خارج فكرها، وأنّها لن تشارك في الصراع بين الأحزاب في الانتخابات السياسية أو غيرها التي تديرها الدولة”.
وتهدف تلك التصريحات في الوقت الراهن للبحث عن فرص متاحة للمشاركة في الحوار السياسي الذي ستطلقه مصر قريباً، خاصة أنّ الجماعة مستبعدة بصفتها إحدى الجماعات الإرهابية في مصر، حسبما نقل موقع “يورو نيوز”، في تقرير استعرض من خلاله المآزق الذي تحيط بجماعة الأخوان.
هذا، وتزايد خلال الفترة الأخيرة الحديث عن رسائل خاصة بالمصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين، والنظام المصري.
وفي هذا السياق، قال القيادي الإخواني محمد سودان في تصريح صحفي قبل نحو أسبوعين: إنّ هناك تواصلاً حصل أخيراً، من دون كشف المزيد من التفاصيل، متابعاً أنّ شيئاً لم يحصل على الأرض، زاعماً أنّ هناك محاولات من جانب شخصيات مقربة من النظام المصري تحدثت منذ عام 2014، ولكنّها جميعها محاولات من أشخاص، سواء كانوا من خلفيات عسكرية أو مدنيين لا يملكون تنفيذ أيّ شيء.
ووفقاً لسودان فإنّ “هناك ضغوطاً أمريكية كبيرة على الحكومة المصرية للتصالح مع الإخوان، في ظل تواجد الرئيس الأمريكي جو بايدن بالحكم المعروف بدعمه للجماعة.
وادّعى أنّ كثيراً من القادة الغربيين ربطوا حضورهم قمّة المناخ، المقرر عقدها في شرم الشيخ في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بفتح المجال العام في مصر والمصالحة مع الجماعة.
بالمقابل، هاجم رئيس الهيئة البرلمانية لحزب “مستقبل وطن” النائب أشرف رشاد الداعين للتصالح مع جماعة الإخوان. وقال رشاد، في بيان وجّهه إلى رئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي، خلال جلسة عامة للمجلس مطلع تموز (يوليو) الجاري: إنّه “لا تصالح مع الإخوان؛ لأنّ ما بيننا وبينهم ثأر ودم، كما أنّه خلاف في العقيدة والفكر”، وفق ما أوردت صحيفة “اليوم السابع”.
وأضاف: “باسم حزب مستقبل وطن، نرفض محاولة بعض السياسيين التصالح مع جماعة الإخوان”.
من جهته، قال الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر أحمد بان: إنّ “الإخوان لديهم مشكلة مع (فرق التوقيت)، وخطواتهم دائماً تأتي متأخرة، ولا تأتي بالأثر المأمول”.
وأضاف في تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط”: إنّ “الحديث عن ابتعاد الإخوان عن السلطة، وبالتالي الابتعاد عن السياسة، متأخر، وسبق أن انطلق قبل ذلك في عام 2011، حيث كانت هناك دعوات لتحول التنظيم إلى حركة (ضغط) تؤيد أيّ حزب أو حركة سياسية قد تدفع في اتجاه الإصلاح السياسي بمصر وقتها، لكنّ رغبة قيادات التنظيم في السلطة خلال تلك الفترة دفعت (الإخوان) لدخول معترك السياسة، وبالتالي خسر التنظيم الكثير”، موضحاً أنّ “التنظيم يعتقد أنّ إعلانه الآن الابتعاد قد يكون مفيداً له، في وقت أنّ أي تنازلات للإخوان لن تفيد التنظيم”.
من جانبه، أكد الخبير في شؤون الحركات الأصولية في مصر عمرو عبد المنعم أنّ “حديث الإخوان لا يرقى إلى مستوى تغيير التوجه، ولا تغيير الأفكار والمناهج، فهو مجرد (محاولات مكشوفة) لتجميل الصورة، وهو ما يؤكد حالة الانقسامات، ويشير إلى حجم الصراعات داخل التنظيم”.
ووفق عبد المنعم، فإنّ “هناك (5) كيانات تتنازع على احتكار الوضع التنظيمي، هي: جبهة لندن، وجبهة إسطنبول، ومجموعات الشباب، والخلايا النوعية، والمنشقون عن التنظيم”.
وأضاف، في تصريح صحفي، أنّ “مجرد التصريح بـ”ابتعاد التنظيم عن السلطة” لا يعني الجدية في تغيير التوجهات والتطلعات، فهذا الأمر يحتاج إلى مؤسسية منضبطة، وإعادة تقيم مُعلن يمرّ بعدة مراحل، ويتطلب إجراء مراجعة للأدبيات والتصرفات السابقة”.
وبيّن عبد المنعم أنّ “أساس التنظيم هو العمل السري، والعمل السري بداية العنف، ومجرد (الصمت) عن العمل السري داخل التنظيم من القادة يؤدي إلى العنف، كما رأينا وشاهدنا في تاريخ التنظيم عبر أعوام التكوين، حيث خرج منهم من ينفذ عمليات عنف”.
وتأتي تصريحات منير وسط صراع بين الجبهتين على قيادة الجماعة حول مستقبلها، ويرى منير وأعضاء جبهته تحويلها إلى تيار فكري ودعوي، وتطالب جبهة إسطنبول باستمرار المكتسبات التاريخية والسياسية للحركة والحفاظ على حظوظها في الوصول إلى السلطة، تأسيساً على منهج مؤسس الجماعة حسن البنا الذي نادى بأستاذية العالم.
وكانت أزمة انشقاقات جماعة الإخوان قد وصلت إلى ذروتها، وما زالت الجبهتان المتنازعتان تواصلان حرب البيانات الإعلامية وفصل قيادات الجبهتين من صفوف الجماعة، فضلاً عن التراشق الإلكتروني بين مؤيديهما على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأصدرت جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين يوم الخميس الماضي بياناً، نشرته عبر “إخوان أون لاين”، اتهمت فيه جبهة منير بنشر الفتنة والانقسامات داخل صفوف الجماعة، والسعي لإعاقة عمل الإخوان، وعرقلة مسيرتهم، على حدّ زعمهم.
وقالت: إنّ جبهة منير تضعف الجبهة الداخلية للإخوان وتفرق وحدتهم، وتجعل الجماعة لقمة سائغة للمتربصين بها، مشيرة إلى أنّ جبهة منير وراء انتشار الكثير من السلوكيات الشائنة، واستمرار الكثير من الممارسات المتعارضة مع أخلاق الدعاة والمصلحين، بحسب تعبيرهم.
يأتي ذلك بعد أيام قليلة على قيام جبهة إسطنبول بالإعلان عن عزل إبراهيم منير وفصله نهائياً، وكذلك أعضاء جبهته، وقد ردت جبهة لندن بتشكيل مجلس شورى جديد للجماعة، وتصعيد عدد من الشخصيات ليكونوا أعضاء بمجلس الشورى، أغلبهم من المقيمين في إسطنبول، والباقي من الأقطار والدول الأخرى ومن داخل مصر.
وعقدت جبهة منير اجتماعاً لتشكيل مجلس الشورى ليحلّ بديلاً عن مجلس الشورى التابع لجبهة محمود حسين، حضره عدد من القيادات التي تقيم في تركيا وكانت محسوبة على جبهة إسطنبول، وحضره عدد من القيادات التي تقيم في دول أوروبا، وتمّ خلاله اختيار نائبين لمنير.
وانتهى الاجتماع، وفق ما نقل موقع “الإخوان سايت”، بتشكيل مجلس شورى جديد للجماعة، وإعفاء أعضاء الشورى الـ6 من جبهة إسطنبول، ومحمود حسين نفسه، من مناصبهم.
المصدر حفريات