كريتر نت – متابعات
تتركز كل الأنظار على شحنات القمح الأوكراني وموعد مغادرتها موانئ أوكرانيا. وإلى جانب توريدات الغاز الروسي صار القمح من أهم أسلحة موسكو في الحرب الروسية – الأوكرانية. لكن سلعة أخرى لا تقل أهمية دخلت الحرب بصمت: الصلب.
ويقف العالم عاجزا عن التنبؤ بما ستؤول إليه عمليات توريد الصلب؛ فالفولاذ الأوكراني جزء أساسي من سلسلة التوريد العالمية. وبعد أن تراجعت أسعار الصلب العام الماضي جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليغير صورة التوريدات بشكل كبير.
وبالعودة إلى الرابع والعشرين من فبراير الماضي حين غزت القوات الروسية أوكرانيا، كان بإمكان القليل من المحللين توقع المسار الذي سيسلكه الغزو؛ فخمسة أشهر من القتال شهدت تذبذبا كبيرا في الأخبار العسكرية والمواقف السياسية التي جعلت من توريدات الصلب وأسعاره عرضة للتكهنات بشكل لا يقل عن تلك القراءات التي صاحبت الحديث عن توريدات القمح الأوكراني والروسي.
1185 دولار سعر الطن الواحد من الصلب بعد شن روسيا الحرب على أوكرانيا كان قبلالحرب بـ 974 دولارًا فقط
وعلى الرغم من أن أسواق الصلب تتبع القراءة الغربية للأحداث بشكل أكبر من تلك التي تعصف بأسواق النفط والغاز، إلا أن تجار الصلب تعلموا دروسا تفيد بعدم تصديق كل ما يقال عن الهزيمة الروسية المتوقعة قريبا وأن القوات الروسية تعاني من انتكاسات كبيرة؛ فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصر على تحقيق أهدافه من الحرب في أوكرانيا، مهما كان الثمن العسكري ومهما زاد ثقل العقوبات الغربية.
وتعد أوكرانيا ثامن أكبر منتج للفولاذ في العالم وثالث أكبر مصدر للصلب. ويتوفر خام الحديد والموارد المعدنية الأخرى في المناجم الأوكرانية. وعندما شنت روسيا الحرب قفزت أسعار الصلب قفزة كبيرة، من 974 دولارًا للطن إلى 1185 دولارًا خلال ما يزيد على أسبوع بقليل. وحذو حذوه حديد التسليح إذ وصل إلى 753 دولارًا في 7 مارس بعد أن أغلق عند 694 دولارًا في اليوم الذي بدأت فيه الحرب.
وقال ستانيسلافزينتشينكو، الرئيس التنفيذي لموقع السلع الأساسية “جي أم كي” ومقره كييف، إن الحرب أثرت بشكل كبير على سلاسل التوريد، وتركت 90 في المئة من طاقات الحديد غير عاملة.
وأضاف “يوجد حوالي ثلث طاقات الفولاذ الأوكراني في ماريوبول – أزوفستال وإيليتش للحديد والصلب”، وهي المنطقة الأكثر سخونة في الحرب. ودمرت منشآت أزوفستال بالكامل في حصار استمر أسابيع. كما تضررت منشآت إيليتش بشدة. ومع ذلك، ومنذ سقوط ماريوبول بشكل آمن في أيدي روسيا، تظل قدرتها على الإنتاج أو عدم الإنتاج مسألة خلافية.
لكن ما تخسره أوكرانيا تحاول روسيا تعويضه؛ فموسكو الآن ثالث أكبر مصدر للصلب في العالم. ومن المبكر معرفة تأثير العقوبات التي فرضها الغرب على تصدير الصلب الروسي نظرا إلى أن الروس ينشطون في أسواق أفريقية وآسيوية، على الرغم من أن المشترين يطلبون تخفيضات هائلة تقلل الربحية بشكل كبير. وأبانت السوق الآسيوية، تحديدا، عن شهية قوية خاصة تجاه المعادن الروسية الرخيصة، واضطر تجار المعادن المحاصرون إلى أخذ ما يمكنهم الحصول عليه.
وتبقى الصين العامل الأكبر الذي سيحدد تأثير الحرب على سلاسل توريد الصلب. ويقول مراقبون إن الاقتصاد الصيني هو ما يجعل تذبذب أسعار الصلب كبيرا أكثر مما تجعله الحرب.
وتتقلص صناعة البناء في الصين منذ سنوات، مما أدى إلى تراجع الطلب على السلع الفولاذية محلية الصنع والواردات على حد السواء. وما يصب الزيت على النار هو أن البلاد تمتلك حاليًا فائضًا هائلاً من هذا المعدن، وتنتج حوالي 56 في المئة من الصلب الخام في العالم. وبالتزامن مع رفض بكين دعوات إلى كبح الإنتاج والاكتفاء بالحد الأدنى من الطلب في الداخل أو الخارج، يجلس الموردون على جبل متزايد من الصلب الخام.
ويقول مراقبون إن سوق الصلب قد ابتعدت عن التنبؤ التقليدي القائم على العرض والطلب. وبدلاً من ذلك يسارع الاقتصاديون إلى إنتاج نماذج جديدة تعكس سوق 2022 بشكل أفضل. إنها لعبة للكبار ممن يتصفون بالعناد.