أحمد فتحي
“أكاذيب ومغالطات وتناقضات تكشف عن انتهازية واضحة وبحث عن المصالح”.
أوصاف أطلقها خبراء ومراقبون على ما صرح به “إبراهيم منير” القائم بأعمال المرشد العام لتنظيم الإخوان في حواره مع وكالة “رويترز” للأنباء.
حوار القائم بأعمال المرشد العام للإخوان، الذي بثته وكالة رويترز للأنباء الجمعة، حمل 5 أكاذيب ومغالطات.
تلك المغالطات تمثلت في مزاعم 5، تعلقت بتأكيد منير، وهي “رفض الجماعة للعنف تماما”، و”استمرار شعبيتها في مصر”، و”عدم تعرضها لضغوط من الدولة التركية”، والمناورة أيضا بـ”عدم خوضها صراعا على السلطة مجددا”، علاوة على ما ذكره بأن “الحوار السياسي ليس مبادرة جادة ولا يمكن أن يحقق نتائج إذا تم استبعاد الإخوان”.
هشام النجار الخبير المصري في شؤون حركات الإسلام السياسي، فند مغالطات منير، والبداية بالرد على الادعاء بأن الجماعة ترفض العنف تماما.
ويقول النجار لـ”العين الإخبارية”: جماعة الإخوان هي أصل التكفير والعنف ومنشأ كل الخلايا والجماعات المسلحة منذ تأسيسها وحتى اليوم، منذ التنظيم الخاص السري الذي اغتال سياسيين وقضاة وفجر مؤسسات ومحاكم وحتى خلايا جسم ولواء الثورة التي سارت على نفس المنهج وارتكبت نفس الجرائم.
ويؤكد أن الجماعة أخطر من تنظيمات مثل داعش والقاعدة؛ لأنها مع كونها إرهابية عنيفة تحاول المناورة والمراوغة والتنصل في كل مرة من إرهابها المثبت والموثق، في محاولة لإعادة إنتاج نفسها في المشهد السياسي.
السير على خطى حسن البنا
ويضيف: “ما قاله منير في حواره فعله قبله حسن البنا الذي شكل بنفسه التنظيم الخاص السري وأعطاه الأوامر بالتنفيذ وبعد أن تقع الجماعة في الورطة ويحين وقت المحاسبة يتنصل ويقول من فعلوا ذلك ليسوا من الإخوان، وهذا هو ديدن الجماعة دائما”.
ومما يدحض مزاعم منير ما أعلنه رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم ومفتي مصر شوقي علام، في مايو/أيار الماضي في تقرير ألقاها أمام أعضاء مجلس النواب البريطاني، بعنوان “جذور العنف لدى تنظيم الإخوان الإرهابي وتاريخهم الدموي”.
ويفضح التقرير الموثق بالأدلة والبراهين عرضه منهج تنظيم الإخوان الإرهابي المتطرف منذ نشأته وارتباطه بالتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها “داعش” و”حسم” وغيرهما، وأهم الأفكار المتطرفة التي يتبناها التنظيم، والشخصيات التي أسست ونظَّرت للعنف داخله منذ نشأته.
وبرغم هزائمها السياسية وإخفاقها في الاستحقاقات الانتخابية في عدد من الدول العربية، يشدد إبراهيم منير على أن “الجماعة لن تخوض صراعا جديدا على السلطة”.
وتعقيبا، يقول النجار: هذه مغالطة أخرى، لأن الوصف الأدق هو أنها لا تستطيع ولم تعد تملك ما يؤهلها لذلك، مدللا بتصريحات تلفزيونية سابقة لرئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني بأن الإخوان “مساكين يصلحون لإدارة دكان وليس للدولة”.
يشار إلى أن من الناحية الواقعية فإن جماعة الإخوان ليس بمقدورها المنافسة على السلطة، بعد أن صنفتها مصر منظمة “إرهابية”، علاوة على لفظ الشارع المصري لها، لذا فحديثه فارغ من أي مضمون.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد صرح “منير” بأن جماعته لا تزال تتمتع بشعبية في مصر، ويؤكد النجار: العكس هو الصحيح تماما، حيث لم يعد للجماعة شعبية بعدما اتضح للغالبية أن ما كانت تفعله عن طريق جمعياتها الخيرية ليس لوجه الله ولا لمساعدة الفقراء، إنما وسيلة من وسائل الوصول للسلطة والانفراد بها من دون استحقاق، كما أن ما كونته الجماعة من قاعدة جماهيرية عن طريق تلك الممارسات فقدتها بعد افتضاح فشلها في إدارة الحكم وممارساتها الإرهابية التخريبية بعد عزلها عن طريق ثورة شعبية.
ويعلق الخبير المصري على ما ذكره “منير” بأن جماعته “لم تتعرض حتى الآن لضغوط في تركيا” قائلا: “إن مراوغة أنقرة في ملف الإخوان هو من ضمن أسباب تأخر الاستجابة المصرية الرسمية لمحاولات أردوغان تطوير العلاقات، وتصعيد الحوار للمستويات الأعلى كما طالب أردوغان أخيرا لكنه لم يتلق إلى الآن ردا مصريا على محاولاته المتكررة، مردفا: “تركيا لم تحسم تماما علاقاتها بالجماعة وتنظيمها الدولي.. ويؤكده تصريح إبراهيم منير”.
أكاذيب متواصلة
وينبه أيضا بأن ادعاء “منير” بأن الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل 3 أشهر (ليس مبادرة جادة ولا يمكن أن يحقق نتائج): موقف متوقع من الجماعة حيال مسار هي لم تقبل فيه، وكانت تصريحات القيادة المصرية ومختلف القوى المشاركة في الحوار واضحة ومباشرة بشأن رفض مشاركة كل من ارتكب عنفا وكل من مارس الإرهاب وارتبط بأجندات خارجية.
ويواصل: هذا الموقف الصارم قطع الطريق أمام خطة قادة الإخوان التي هدفوا من ورائها لاستغلال الحوار الوطني كثغرة ينفذون من خلالها للمشهد مجددا، ووسيلة يغسلون بها الجماعة، ويلمعونها ويتجاوزن بها المرحلة الماضية التي ارتكبوا خلالها أبشع الجرائم في حق الوطن لكي يعودوا وكأن شيئا لم يكن”. وفي هذا الصدد، يقول: تأتي تصريحات منير كرد فعل من أجل الإلحاح على مشاركة الجماعة والضغط في هذا الاتجاه لعبته أولا في تجاوز الأزمة ونفي وصم الجماعة الإرهابية، وثانيا اكتساب شرعية القيادة على صعيد صراعه مع محمود حسين من جهة تصوير جبهته على أنها القادرة على إخراج الجماعة من أزمتها وإعادتها مجددا للمشهد.
وخلال الفترة الأخيرة تداولت رسائل عديدة من شباب الإخوان وقادة التنظيم الدولي تسعى لطرح “مصالحة الإخوان” مع الدولة المصرية، والزعم بدراسة الأخيرة للأمر، فيما رأى مراقبون أنها مجرد أمنيات زائفة تستهدف غسل سمعة الإخوان من جرائم العنف والإرهاب.
ولم يكذب منير أو يراوغ، والحديث للنجار، حين تحدث عن أن الأزمة الحالية (أقسى محنة للجماعة)، “بالفعل الأزمة الحالية أكبر أزمة تمر بها الجماعة؛ لأنها أزمة شاملة أنهت وجودها وحضورها في بلد تأسيسها، وفي فروعها بالمنطقة العربية، وتعاني من تبعات ذلك في فروعها في أوروبا.
ويبرز: إلحاح الجماعة على العودة للمشهد في مصر لإدراكها أن تصحيح أوضاعها في باقي الفروع لن يتحقق إلا بتصحيح أوضاعها في مصر، حيث لن يثق بها أحد ولن تستطيع إعادة تنظيم نفسها كما كانت قبل يونيو/حزيران 2013، إلا بترتيب أوراقها أولا في القاهرة، ولن تستطيع السيطرة على الانقسامات والانشقاقات إلا بإعادة التماسك لهيكلها الحركي والتنظيمي في مصر.
وتزامنا مع الانشطار غير المسبوق الذي يضرب التنظيم الإرهابي، وانقسامه بين جبهتين، جبهة إبراهيم منير في لندن مقابل جبهة محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة في إسطنبول، خرج “كيان ثالث” من التنظيم يهاجم حسين وإبراهيم منير، ويدعو شباب الجماعة إلى طريق ثالث، بعيدا عمن وصفهم بـ”الفاسدين والخائنين”.
المصدر “العين” الإخبارية