طارق أبو السعد
ما إن ظهر أول مؤشرات نجاح الاستفتاء على الدستور الجديد حتى عمت تونس فرحة كبيرة، غابت عنهم منذ تولي الإخوان دفة الحكم طوال 10 سنوات.
فتعالت صيحات الفرح مع تدفق عشرات الآلاف من التونسيين فور إعلان المؤشرات الأولية للاستفتاء الأسبوع الماضي، التي قدرت بأكثر من 90% صوتوا بنعم للدستور الجديد، تدفقوا إلى شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة للاحتفال بالتصويت لصالح الدستور، حاملين أعلام البلاد ومرددين شعارات مؤيدة للرئيس قيس سعيد.
ولتلك الاحتفالات ما يبررها لدى التونسيين؛ فقد بدأت بلادهم عهدا جديدا يبشر بمستقبل أفضل، في جمهورية ما بعد الإخوان، وذلك ما عبر عنه الرئيس قيس سعيد بقوله: “نؤسس معاً جمهورية جديدة تقوم على الحريّة الحقيقية والعدل الحقيقي والكرامة الوطنية”
على الضفة الأخرى كان الخاسر من زمرة الإخوان يتحسر وهو يشاهد حجم رفض الشارع التونسي للتيار فكراً وحركةً وتنظيماً، فنعم للدستور تعني “لا للإخوان”، وهو ما لم يكن يتوقعه أشد المتشائمين من قادة حركة النهضة.
كانت الفرحة شهادة وفاة للإخوان في تونس، وضربة قوية أفقدت عناصر حركة النهضة فرع الإخوان المسلمين بتونس اتزانهم وأدخلتهم في حالة اكتئاب ما بعد الهزيمة، التي تعد الأشد عليهم وستكتب نهايتهم، لتبدأ تونس عهدا جديدا، من الحرية والديمقراطية واستعادة هوية الدولة المدنية، التي كاد تنظيم الإخوان أن يطمسها خلال فترة حكم الواقع في العشرية السابقة.
انتهاء عشرية الإخوان السوداء
حول ردود فعل الإخوان المتوقعة تجاه نتائج التصويت التي جاءت مخيبة لآمالهم صرح حازم القصوري المحامي والخبير السياسي التونسي لـ”العين الإخبارية”، قائلا إن تقديم التهنئة للشعب التونسي صاحب الفضل في التخلص من حكم الإخوان واجبة الآن.
وحول أسباب وقوف الإخوان ضد الدستور الجديد، يرى القصوري أن دستور 2022، “بمثابة طي صفحة الإخوان تماماً؛ لهذا هم يقفون ضد إرادة الشعب في التغيير.. الشعب الذي أعطى لحركة النهضة فرع الإخوان في تونس الفرصة تلو الفرصة وسمح لهم بتجربة أساليب الحكم المختلفة؛ على أمل أن يحملوهم إلى بر الأمان اقتصادياً واجتماعياً”.
لكن -يضيف المحامي التونسي- “إذا بهم (الإخوان) يعملون على زعزعة استقرار تونس وقاموا بعمليات اغتيالات متعددة وقاموا بالتحريض ضد الجيش قادةً وجنوداً، ونهبوا ثروات تونس وانتشر الفساد في عهدهم، وانصرفوا عن إدارة الدولة إلى تمكين التنظيم من مؤسسات الدولة، هنا كان على الشعب التونسي أن ينهي تلك المرحلة ويطويها في سجل النسيان”.
ويضيف القصوري أن “التصويت بنعم للدستور ليس مجرد هزيمة انتخابية بل هو إعلان وفاة للنهضة والإخوان فكراً وتنظيماً، ويكون الشعب التونسي استطاع أن ينهي حقبة العشرية السوداء التي سيطر فيها هؤلاء على تونس، ونحن الآن في مرحلة مفصلية، فتونس قبل التصويت ليست هي بعده”.
واعتبر أن “تونس تستقبل عهدا جديدا ومستقبلا جديدا؛ سيتم فيه التخلص من مخلفات حركة النهضة الإخوانية، وتجهيز المجتمع للانتخابات التشريعية المقبلة، على أرضية وطنية صحيحة وسليمة وتنافس حزبي وفق القواعد والقوانين المدنية، وهذا أول وعد للرئيس (قيس سعيد) الذي قال في كلمة وسط حشد من التونسيين، “إن أول قرار بعد الاستفتاء هو وضع قانون انتخابي جديد يغير الشكل القديم للانتخابات التي كانت لا تعبر عن إرادة الناخب”.
عزلة وفقدان الحاضنة الشعبية
يرى باسل ترجمان الكاتب التونسي والباحث في الإسلام السياسي، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن الاستفتاء والمشاركة الشعبية الأخيرة، جاءت كرسالة تأكيد ودعم من الشعب التونسي للرئيس قيس سعيد؛ رغبة في التخلص من الإخوان والاتجاه نحو تأسيس جمهورية جديدة على أسس مدنية، عبر عنها في التصويت بنعم على الاستفتاء؛ رافضا كل دعوات لجان حركة النهضة وأتباعهم للتصويت بلا، وكان بمثابة تصويت على إنهاء حقبة الإخوان وغلق صفحتهم للأبد.
ترجمان أيضا يوضح من جانبه أن “نتيجة الاستفتاء الأخير جاءت كهزيمة ساحقة للمشروع الإخواني ورفض الشارع التونسي له، وهي هزيمة ستدخلهم في عزلة شديدة، وعلى وجه الخصوص بعد اتهامهم للشعب التونسي بأنه شعب عبيد لا يعرف الحرية ويقدس جلاديه، وهي اتهامات تجرح كرامة التونسيين، لذا لا أتوقع أن لا تقوم للإخوان قائمة ثانية، بعد اشتباكه مع الشعب مباشرة وخسارتهم الحاضنة الشعبية”،
وبشأن طبيعة ردود أفعال حركة النهضة الإخوانية أكد الترجمان أن “الإخوان ما زالوا تحت الصدمة وفقدان التوازن النفسي والسياسي، فقد كانوا ينتظرون أن يستجيب لهم الشعب ويرفض الدستور، لكن تبين لهم أنهم أقلية وأنهم فقدوا القبول الشعبي، وأن ما ينتظرهم من محاكمات شعبية وقضائية، سيكون له تأثير كبير على مسيرتهم في تونس”,
أما عن احتمال لجوء الإخوان إلى أعمال عنف فأكد الكاتب التونسي، أن هؤلاء “لن يتمكنوا من ذلك أمام أفواج الفرحة التونسية، ونجاح الأجهزة الأمنية، وبسط قبضتها على مصادر العنف”.
فقدان الوزن الانتخابي
بينما يرى الدكتور أعلية علاني؛ الأكاديمي التونسي بجامعة منوبة والباحث في القضايا الاستراتيجية في تصريح لـ”العين الإخبارية” أن الكتلة التصويتية التي رفضت الدستور هي كتلة حركة النهضة وأتباعها، وليس لهم حالياً وزن تصويتي كبير؛ وهؤلاء رد فعلهم إصدار بيان يشكك في نتائج التصويت ويرفض الدستور جملةً و تفصيلاً، أما الكتلة التي صوتت بنعم للدستور ، فتتكون من ثلاث شرائح اتحدت فيما بينها، وبالتالي اكتسحت نتائج التصويت بنعم.
شركاء في رفض الإخوان مرروا الدستور
الأكاديمي التونسي أوضح أن “من صوت بنعم للدستور هم ثلاث شرائح أولهم المؤيدون للرئيس قيس سعيد ومسار ٢٥ يوليو/تموز ٢٠٢١، وهناك شريحة قد تكون أكبر عدداً رافضة لحركة النهضة في دلالة واضحة لتنامي الرافضين للإخوان بالمجتمع التونسي، أما الشريحة الثالثة فهم هؤلاء الذين يشتركون مع الرئيس سعيد في ضرورة المحاسبة واسترجاع الأموال المنهوبة”.
ونوه علاني إلى أن “هذه الفئة خاطبها الرئيس التونسي عقب الإعلان الأولي للنتائج الاستفتاء بضرورة محاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة”.
وحول تداعيات التصويت بنعم على الدستور الجديد، يوضح الأكاديمي التونسي قائلا: “إننا أمام ثلاث نتائج: الأولى إيمان عدد هام من التونسيين من أن الرئيس سعيد قادر على مكافحة الفساد عكس المسؤولين الذين سبقوه بعد ٢٠١١، والذين كانوا يرفعون هذا الشعار ولا يطبقونه، وإذا نجح هو في تطبيق شعار مكافحه الفساد والإرهاب سيساهم في رفع أسهمه في الانتخابات القادمة، كما سيسهم في إعادة الأمل للتونسيين بفضل الحوكمة الرشيدة في الثروات وفي التنمية الجهوية وهي عناوين بارزة لمن يريد كسب ثقه الناس مستقبلاً”.
أما النتيجة الثانية في نظر الأكاديمي التونسي تتمثل في “دخول تيار الإسلام السياسي (النهضة وأتباعها ومؤيدوها) مرحلة الابتعاد عن الأضواء للقيام بعملية تقيم ومراجعة شاملة وطويلة الأمد، مع انتظار ما ستؤول إليه المحاكمات المرفوعة ضد قيادييها”.
لافتة جديدة وكمون طويل
النتيجة الثالثة في طرح علاني، هي “احتمال أن يغير الإخوان لافتتهم التي أصبحت مرفوضة بتدشين حزب جديد باسم “إنجاز” والذي أسسه القيادي النهضاوي السابق عبد اللطيف المكي مؤخراً، ويصنفه التونسيون على أنه حزب “النهضة ٢”، ويرون أن آفاق نجاحه محدودة للغاية”.
ويخلص الدكتور علاني إلى أن “حركة النهضة رغم خسارتها ومحاصرتها شعبياً، إلا أنه من المتوقع أن تبقى في الظل لمدة عقدين من الزمن، ستكتفي بوجود رمزي داخل البرلمان و يصعب جدا أن تكون في السلطة التنفيذية أو التشريعية؛ فالنهضة أدركت بعد الاستفتاء أن وجودها السياسي أصبح على المحك، نظراً للملفات الثقيلة التي تم فتحها مؤخراً سواء الأمنية أو المالية، وربما لن تعود قادرة علي استئناف نشاطها السياسي مستقبلاً”.
المصدر “العين” الإخبارية