نوران بديع
صحفية سورية
خرج الرئيس الأمريكي مساء أول من أمس، معلناً نجاح بلاده في توجيه ضربة قوية إلى تنظيم القاعدة، بعدما تمكنت يوم السبت الموافق 31 تموز (يوليو) 2022، من قتل أيمن الظواهري زعيم التنظيم، وهو في مسكنه في العاصمة الأفغانية كابول، عبر استهدافه بصواريخ هيلفاير.
وتحمل عملية قتل أيمن الظواهري مجموعة من التساؤلات المهمة التي تدور حول توقيت تنفيذ العملية وطريقة الإعلان عنها، وحول ما تحمله من رسائل وما ستخلفه من تداعيات سواء على بنية تنظيم القاعدة ذاته، أو على فروعه التي باتت أكثر قوة في الآونة الأخيرة، أو على حركة طالبان في أفغانستان.
رسائل داخلية
ووفق تحليل نشره مركز “تريندز للبحوث والاستشارات”؛ يعد مقتل الظواهري، واثنين من مساعديه، بمثابة ضربة إستراتيجية لتنظيم القاعدة، ربما تعد هي الأعنف والأقوى منذ نجاح الولايات المتحدة في قتل أسامة بن لادن قبل نحو 11 عاماً. وقد جاء هذا الإعلان في توقيت في غاية الأهمية، وتمكنت الإدارة الأمريكية من خلاله توجيه مجموعة من الرسائل إلى الشعب الأمريكي. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى رسالتين مهمتين وذلك على النحو التالي:
أولاً، تأكيد قدرة إدارة بايدن على تحقيق العدالة لضحايا تنظيم القاعدة: تستطيع إدارة بايدن بعد هذه العملية التأكيد على قدرتها على تحقيق العدالة، حيث ترغب الإدارة الديمقراطية في أن تحل ذكرى 11 سبتمبر، وهي تحمل في جعبتها انتصاراً للضحايا وأسرهم.
ثانياً، تأكيد القدرة على الانتقام من الظواهري: وهي نقطة مرتبطة بسابقتها، حيث ترى الولايات المتحدة أنّ الظواهري تورط في العديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت مصالح أمريكية طوال نحو 3 عقود ماضية وخلفت العديد من الضحايا الأمريكيين. وفي دلالة على مدى أهمية الظواهري لدى الولايات المتحدة، رصد مكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. آي) 25 مليون دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تقود إليه.
وتنفيذ هذه العملية والإعلان عنها، وفق تحليل المركز، يساعد الإدارة الأمريكية في تحقيق هدف مهم جداً في هذه الفترة، وهو استعادة شعبية الرئيس الديمقراطي جو بايدن، خاصة وأنّ الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات التجديد النصفي لانتخابات للكونغرس في منتصف تشرين ثاني (نوفمبر) المقبل، ويدخلها الحزب الديمقراطي وهو محمل بأعباء الكثير من الأخطاء الإستراتيجية التي وقعت فيها إدارة بايدن.
رسائل خارجية
كما حمل استهداف الظواهري العديد من الرسائل الموجهة إلى الخارج، أوجزها المركز البحث بما يلي:
1- التفرد بالقيادة: سعت الولايات المتحدة من خلال عملية قتل الظواهري إلى الرد على الذين تحدثوا في الفترة الأخيرة عن تراجع دورها القيادي، خاصة بعد انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان، ونجاح روسيا في إقامة قاعدة عسكرية لها في سوريا، وشنها الحرب على أوكرانيا.
2- التأكيد على استمرارية الحرب على الإرهاب: تستطيع الولايات المتحدة عبر هذه العملية النوعية أن تؤكد للعالم عامة، ولدول منطقة الشرق الأوسط خاصة، أنها مستمرة في حربها على الإرهاب، أينما وجد، وأنها لن تتوقف عن هذه الحرب العادلة لتحقيق الأمن والاستقرار الدوليين.
3- التأكيد على جدوى إستراتيجية “اصطياد الرؤوس الكبيرة” في الحرب على الإرهاب وأنه يمكن مواصلة هذه الحرب من دون وجود قوات على الأرض، فعملية قتل الظواهري، ليست الأولى من نوعها، إنما سبقتها قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، وكذلك قتل زعيم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي.
4- التأكيد على أنّ الولايات المتحدة لن تسمح بتحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للإرهاب، وهو ما أكده الرئيس بايدن في أكثر من مناسبة، حين شدد أن بلاده ستواصل ملاحقة الإرهابيين ومراقبة تنظيم القاعدة في أفغانستان.
5- التأكيد لحركة طالبان على ضرورة الالتزام باتفاق الدوحة؛ فقد جاء استهداف الظواهري قبل أسبوع من الذكرى السنوية الأولى لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وتركها البلاد تحت سيطرة حركة طالبان، ومن ثم ترغب الولايات المتحدة أن تؤكد للحركة أنها لاتزال قادرة على مواجهتها، وأنّ عليها أن تلتزم ببنود اتفاق الدوحة.
ما تداعيات مقتل الظواهري على تنظيم القاعدة؟
وقد جاء مقتل الظواهري في وقت يعاني فيه تنظيم القاعدة الأم من التراجع والانحسار الشديد، نتيجة مجموعة من العوامل الهامة، ما قد يزيد من مشاكله ويدخله في دوامة من الأزمات قد لا يستطيع الخروج منها، ويمكن تحديد أهم تلك العوامل في النقاط التالية:
– فقدان التنظيم معظم قياداته التاريخية التي قامت بالمساهمة في تأسيسه وتوسيع نفوذه على مدار السنوات الماضية جراء المطاردات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أسفرت عن مقتل العديد منهم، على غرار “أبو محمد المصري” وغيره.
– عدم وجود جناح مسلح للتنظيم، يخضع لسيطرة القيادة بشكل مباشر، ولديه القدرة على تنفيذ الهجمات المسلحة، وذلك نظراً إلى الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها المجموعات التابعة للتنظيم منذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وحتى الآن، والتي قضت على معظم عناصره، وحتى من تبقى منهم لم يعد لديه القدرة على حمل السلاح وتنفيذ الهجمات في ظل تقدم أعمارهم بشكل كبير.
– اختفاء قواعد التدريب التي يمكن للتنظيم من خلالها الانطلاق لشن الهجمات الإرهابية، في ظل الترصد الأمريكي والدولي لنشاط التنظيم حتى في معقله الرئيسي أفغانستان، هذا إلى جانب رفض حركة طالبان أن تقيم القاعدة معسكرات على أراضيها أو استخدامها في شن الهجمات الخارجية، كما ينص على ذلك اتفاق الدوحة 2020.
وعلى الرغم من وجود عدد من قيادات القاعدة البارزين على قيد الحياة، الذين يمكن أن تؤول إليهم خلافة الظواهري، وعلى رأسهم القيادي “سيف العدل” الذى يصفه البعض بأنه المرشح الأبرز لخلافة الظواهري، فإن هناك عقبات كبيرة تقف أمام تولي أحد القادة الفاعلين خلافة الظواهري؛ أولها، إمكانية عدم حدوث إجماع من قبل قادة الفروع على القائد الجديد، وثانيها، إمكانية رفض بعض هؤلاء القادة تولي المنصب، بالنظر إلى أن ذلك سيزيد من احتمالية استهدافه بشكل كبير.
وقد تدفع عملية قتل الظواهري من تبقى من قادة التنظيم إلى الاختباء بشكل أكبر من السابق، ومحاولتهم اللجوء إلى المناطق التي فيها وجود قوي لفروع القاعدة مثل؛ الصومال أو اليمن، على غرار القيادي إبراهيم القوسي، الذي تمكن من الفرار الأعوام الماضية إلى اليمن للاحتماء بالتنظيم هناك.
ومن التداعيات التي قد تترتب على مقتل الظواهري وفق الورقة البحثية، امكانية حدوث تنافس على خلافة التنظيم الأم، وحدوث انقسامات داخلية، سيما وأن الأعوام الماضية شهدت توسعاً في تحالفات تنظيم القاعدة القبلية والعرقية على غرار جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي ضمت إلى جوار تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي كلاً من جبهة تحرير ماسينا التي تمثل عرقية الفولاني، وجماعة أنصار الدين التي تعبر عن الطوارق في مالي، إضافة إلى تنظيم المرابطون الذي يمثل العرقية العربية؛ ما قد يجعل رحيل الظواهري سبباً في انهيار هذه التحالفات.
انقسامات تلوح في الأفق
وعلى الرغم من حالة الضعف التي أصابت تنظيم القاعدة الأم منذ أعوام والتي تجعله عاجزاً عن الرد على عملية قتل زعيمه الظواهري، فإن فروع التنظيم القوية، خاصة في الساحل الافريقي والصومال، قد ترد على هذه العملية، ليس فقط من باب الثأر لزعيمها وقائدها الروحي، وإنما للحفاظ على هيبتها في مناطق نفوذها.
ومع تنامي قوة حركة طالبان وبسط سيطرتها على البلاد عقب الانسحاب الأمريكي والانشغال بالمناصب السياسية بدأت تظهر العديد من الخلافات الداخلية الناتجة عن اختلاف مكونات الحركة وتباين أفكارها، فقد أظهرت بعض التقارير أن هناك على الأقل 3 مكونات: الأول، هو الفريق الذي أجرى مفاوضات السلام مع الولايات المتحدة، بقيادة الملا عبد الغني بردار، والثاني، هو الجناح العسكري بقيادة مولوي يعقوب، نجل الملا عمر، والثالث: هو شبكة حقاني بزعامة سراج الدين حقاني، وهو المكون الأخطر والأكثر عنفاً.
وتعود علاقة الشبكة بتنظيم القاعدة إلى عقد التسعينيات حين تأسست رسمياً عام 1996 على يد جلال الدين حقاني، عقب مشاركته في القتال ضد القوات السوفيتية في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
وفي ظل ضعف مكون فريق السلام، فإنّ الخلافات الأبرز والأكبر والتي يمكن أن تؤثر على الحركة وتماسكها هي الخلافات بين حقاني ويعقوب، والتي أشارت بعض التقارير إلى أنها وصلت حد الاقتتال بين الطرفين.
وهنالك احتمالية، وفق تحليل المركز البحثي، تفيد باتجاه شبكة حقاني إلى الرد على عملية قتل الظواهري من خلال محاولة إلحاق الضرر برهينة أمريكي يدعى مارك فريريتش، اختطف في 2020 وتعتقد الأوساط الأمريكية أنه لدى الشبكة، وهو أمر سترفضه بقية مكونات طالبان التي لن ترغب في استفزاز الولايات المتحدة، وتسعى في الوقت ذاته إلى اكتساب ثقة المجتمع الدولي.
وفي هذه الحالة نكون أمام سيناريو ينذر بانفصال شبكة حقاني عن حركة طالبان، خاصة مع اقتناع الطرفين بأنّ التحالف بينهما لم يعد ذا جدوى.
وهناك بعض العوامل التي قد تعجل من الانفصال بين الجانبين من بينها؛ أنّ شبكة حقاني تختلف عن حركة طالبان في كون الأولى تتبنى الجهاد بمفهومه العالمي ويعود ذلك إلى احتكاكها واختلاطها بعناصر تنظيم القاعدة، فضلاً عن أن حركة طالبان تبدي قلقاً من العلاقات التي تربط بين شبكة حقاني وتنظيم القاعدة، خاصة وأنّ الولايات المتحدة دائماً ما تربط بين الجانبين.
كما أنّ شبكة حقاني تحافظ على شيء من الاستقلالية في إدارتها مالياً وتنظيمياً، حيث تحتفظ بهيكل واضح لقياداتها؛ ما يعبر عن عدم اندماجها الكامل في حركة طالبان، ومن ثم سيسهم أي تصعيد أمريكي ضد الشبكة في تسريع انفصالها عن الحركة.
وعلى ضوء ما سبق يمكن القول إنّ مقتل الظواهري سيمثل هزة عنيفة لتنظيم القاعدة وفروعه المختلفة، لكنهم سيكونون على الأرجح قادرين على استيعابها، ولاسيما أنه لا يزال موجوداً في التنظيم بعض القادة الذين يمتلكون خبرات تنظيمية كبيرة قد تجعلهم في موقع القبول من قبل الفروع وقادتها.
ومما لا شك فيه، أنّ إدارة الرئيس جو بايدن قد تمكنت من تحقيق بعض المكاسب الداخلية والخارجية بعد نجاحها في استهداف وقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، أهمها رفع شعبية الرئيس الأمريكي وحزبه الديمقراطي والتأكيد على أن الولايات المتحدة ما تزال مستمرة في حربها ضد الإرهاب.
المصدر حفريات