رشا عمار
صحفية مصرية
أعلنت الأمم المتحدة مساء الثلاثاء تمديد الهدنة بين الأطراف اليمينة لمدة شهرين إضافيين، بداية من آب (أغسطس) الجاري حتى تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وفقاً للشروط ذاتها التي تمّ الاتفاق عليها مسبقاً، وسط ترحيب دولي كبير وتوقعات متفاوتة من جانب المراقبين بشأن إمكانية التوصل إلى حلّ لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني بالبلاد.
وقال المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ في بيان: “يسعدني أن أعلن أنّ الطرفين اتفقا على تمديد الهدنة بالشروط ذاتها لمدة شهرين إضافيين، بحسب ما نقلته “العربية”.
وأضاف غروندبرغ أنّ “تمديد الهدنة يتضمن التزاماً من الأطراف بتكثيف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق هدنة موسع في أسرع وقت”.
وأشار إلى أنّه سيكثف جهوده أيضاً مع الطرفين للتوصل في أقرب وقت ممكن إلى اتفاق هدنة موسع، الذي شارك مع الطرفين مقترحاً بشأنه، وتلقى “تعليقات جوهرية” من الجانبين بخصوصه.
وأوضح المبعوث الأممي أنّ مقترح اتفاق الهدنة الموسع سيتيح المجال أمام التوصل إلى اتفاق على آلية فتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير المزيد من وجهات السفر من وإلى مطار صنعاء، وتوفير الوقود وانتظام تدفقه عبر موانئ الحديدة.
وفي السياق، أكد مراقبون تحدثوا لـ”حفريات” على أهمية تحقيق ضمانات لعملية الاستقرار السياسي طويلة الأمد في اليمن، وفي حين اتفقوا على أنّ تمديد الهدنة الأممية بالبلاد يُعدّ أمراً جيداً إذا التزمت به الأطراف، إلا أنّ البلاد التي تمر بكارثة إنسانية وأزمة سياسية معقدة تحتاج إلى حلول لتحقيق الأمن والاستقرار بشكل سريع وفعال.
هدنة “هشة” لا تحقق أيّ ضمانات للاستقرار السياسي
الكاتب الصحفي اليمني ماجد الداعري يقول لـ”حفريات”: إنّ الهدنة تبقى مُعلقة على مدى التزام الأطراف المختلفة بالشرط التي جاءت فيها، مشيراً إلى عدم التزام ميليشيا الحوثي سابقاً ببنود الهدنة، وقد تعمدت تنفيذ عمليات عسكرية لاختراقها.
يتفق معه تماماً المحلل السياسي اليمني وضاح الجليل، الذي يصف الهدنة في البلاد بأنّها “هشة”، وهي مجرّد وقف لإطلاق النار من جانب واحد هو الحكومة الشرعية والتشكيلات العسكرية التابعة لها، دون أيّ التزام يُذكر من جانب ميليشيا الحوثي التي تواصل عملياتها في مختلف المناطق.
ويقول الجليل في تصريح لـ”حفريات”: إنّ الهدنة الحالية لا يمكن التعويل عليها لتحقيق أيّ ضمانات لعملية الاستقرار السياسي أو الأمني في البلاد؛ لأنّ الحوثي لا يلتزم بها، ليس ذلك فحسب؛ بل يتعمد اختراقها لتحقيق مصالح شخصية واستغلال التهدئة من جانب القوات الشرعية للتمدد إلى مناطق جديدة في المساحات الجغرافية.
من جانبه، ينوّه الداعري، في حديث لـ”حفريات”، إلى أنّ “الهدنة الأممية للأسف مجرد هدنة اسمية فقط، ولم يتحقق أيّ شرط من شروطها على أرض الواقع؛ لأنّ ميليشيا الحوثي لم تلتزم بها قط، وقد قام الحوثيون بحشد قواتهم على كافة الجبهات في مأرب والضالع وتعز، وقاموا مراراً بقصف تلك المناطق في اختراق واضح لكافة الشروط التي جاءت في الهدنة”.
وأشار الداعري إلى العملية الحوثية التي استهدفت أحد المباني السكنية في محافظة تعز قبل أيام، وأسفرت عن مقتل عشرات الأطفال والسكان المدنيين، في إشارة إلى استمرار العمليات من جانب الميليشيا الحوثية، وتحديداً استهداف المدنيين.
من جهته، أشار الجليل إلى الحادث ذاته وقال: إنّ الميليشيا التي استهدفت تجمعاً للأطفال بقذيفة، وقتلت المئات من المدنيين في ضوء الهدنة خلال الأشهر الـ4 الماضية، لا يمكن أن نثق بها مرة جديدة، أو أن نعتبرها مصدر ثقة.
كيف نسفت ميليشيات الحوثي بنود الهدنة سابقاً؟
بحسب الجليل، تشمل الهدنة الأممية عدداً من البنود التزمت بها جميعاً الحكومة الشرعية، وفي المقابل لم تنفذها الميليشات الحوثية مطلقاً على مدار الأشهر الماضية، في مقدمتها إعادة تشغيل مطار صنعاء الذي كانت تسيطر عليه الميليشيات الحوثية وتحوله إلى ثكنات عسكرية خاصة بقواتها.
البند الثاني، وفق الكاتب والمحلل اليمني، هو تشغيل ميناء الحديدة واستقبال المشتقات النفطية والوقود على أن تستخدم موارد الميناء في تسليم رواتب موظفي الدولة، وهو ما تنصلت منه الميليشيا سابقاً، لكنّها استغلت كافة موارد الميناء لصالح خزينتها، ورفضت تسليم الموظفين في الدولة رواتبهم.
البند الثالث للهدنة كان رفع الحصار عن محافظة تعز، وهو أيضاً لم يتحقق، ولم تلتزم بها الميليشيا الحوثية خلال الأشهر الماضية.
الحوثي يستغل الهدنة لإعادة التموضع
وبحسب الداعري، تعتبر ميليشيا الحوثر الهدنة الأممية مجرّد “استراحة محارب”، لاستعادة تشكيل قوتها والتموضع في مناطق جديدة.
ويضيف الداعري: “ليس في قاموس الحوثي شيء اسمه هُدنة أو سلام، لأنّ السلام أو إيقاف الحرب بالنسبة إلى القيادات الحوثية هو بمثابة “كساد اقتصادي”، وتوقف عن التربح وتحقيق المصالح، فهم يشعلون الحرب من أجل تحقيق المطامع والنفوذ، وليس من مصلحتهم أن تتوقف هذه الحرب، وأن يحلّ السلام والاستقرار”.
ويوضح الداعري أنّ القيادات الحوثية هي المستفيد الأكبر من الحرب، وأنّه “بالرغم من المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني تحت مستوى الفقر والجوع، تتنعم القيادات الحوثية بالثروات نتيجة عمليات التهريب ونهب الثروات والاعتداء على ممتلكات الدولة والشعب، لذلك لا يرغب الحوثيون في وضع نهاية لهذه الحرب التي تمثل بالنسبة إليهم “تجارة رابحة”.
ويُحذّر الداعري من التحركات الحوثية الراهنة على الأرض في اليمن لإعادة التموضع العسكري وتمديد التواجد داخل مساحات جغرافية جديدة باستغلال التزام بقية الأطراف بشروط الهدنة والتسلل مجدداً إلى المناطق المحررة، مشيراً إلى أنّ الحكومة الشرعية في البلاد لا تملك حتى الآن إيقاف الحرب، رغم أنّها ملتزمة بكافة الاتفاقيات الدولية الخاصة بإقرار عملية السلام في البلاد.
الداعري أشار أيضاً إلى أهمية التعديلات التي جرت مؤخراً في الحكومة، خاصة في القيادات العسكرية وعلى مستوى وزير الدفاع الجديد، وأشار إلى أنّها سيكون لها أثر شديد الأهمية في عملية التصدي للاختراقات من جانب الحوثي، خاصة أنّ وزير الدفاع المُعين حديثاً يحظى بتوافق من جانب مختلف القوى السياسية في البلاد، متوقعاً أن يكون له قدرة كبيرة في تفعيل دور المؤسسة العسكرية اليمنية لتحقيق عملية الأمن وما يترتب عليها من دعم الاستقرار السياسي.
وأكد الداعري على أهمية دعم المؤسسة العسكرية الشرعية في اليمن وتحقيق التنسيق والتعاون المشترك بين كافة الفواعل للتصدي للتدخلات الخارجية، وتحرير كافة المدن من قبضة الحوثي وفي القلب منها صنعاء.
ولا يتوقع الداعري أن تصمد الهدنة خلال الفترة المقبلة، وهي قابلة للانهيار في أيّ وقت، على حدّ قوله، لكنّ التعويل يظلّ على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي يضغط على الحوثيين بشكل كبير خلال الوقت الراهن للانصياع لشروط الهدنة والالتزام بها.
المصدر حفريات