صالح البيضاني
تكمن المشكلة الحقيقة في تعاطي المجتمع الدولي مع الأزمة اليمنية في أن تلك الجهود ما تزال واقفة عند قشور الحرب دون أن تنفذ إلى جوهرها وتقترب من خلفياتها وأسبابها، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على الهدنة الأممية التي تزداد ضعفا وهشاشة، لأنها لا تلبي احتياجات اليمنيين ولا حتى الأطراف المتحاربة ذاتها التي تتعامل معها اليوم مكرهة تحت مطرقة الضغط والإلحاح الدولي أو تعتبرها استراحة محارب، يمكن من خلالها التقاط الأنفاس وترتيب البيت الداخلي والحشد والتعبئة استعدادا لجولة قادمة من الحرب لن تعدم الأطراف اليمنية وخصوصا الميليشيات الحوثية العثور على مبررات لها.
ويأتي الفشل الأممي والدولي الذريع في تمديد الهدنة لستة شهور قادمة وتوسيع بنودها ومن ثم تحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار، نتيجة منطقية لاستمرار التعاطي السطحي مع الملف اليمني وعدم القدرة على ابتكار أساليب مغايرة لتفكيك أسباب الصراع وعدة الحرب، بدلا من تغطيتها، كما حدث ويحدث، برداء أبيض تبرز من بين ثناياه بنادق المتقاتلين التي لم تتوقف يوما خلال الفترة السابقة من الهدنة التي التزمت بها الحكومة اليمنية من طرف واحد، وظل الحوثيون يتعاملون معها كغنيمة يسهل جرها من عنقها وانتقاء ما يناسبهم من بنودها.
وفي ضوء الفشل في تمديد الهدنة لستة شهور قادمة وتوسيع نطاقها، يمكن القول إن الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن هانس غروندبرغ والدول الرئيسية الفاعلة في الملف اليمني، فقدت القدرة على لعب دور وسيط حقيقي يمتلك أدوات فاعلة لتحريك جمود الأزمة اليمنية، وانحصرت جهود المبعوثين الأممي والأميركي في السعي خلف الإنجازات السهلة والمتمثلة في تركيز الضغوط على طرف واحد في معادلة الهدنة، والاكتفاء فقط بما تقدمه “الشرعية” اليمنية من تنازلات بصفتها الطرف العاقل والمسؤول، وهو الأمر الذي راكم طوال الفترة الماضية شعورا بالغبن لدى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وكانت نتيجته خلال الأيام القليلة الماضية القيام بضغوط من ذات النوع، حملها المبعوث الأممي معه إلى عدن عبر زيارة غير مرحب بها، واتصالا أجراه وزير الخارجية الأميركي مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي. وكان الهدف من وراء الزيارة الأممية والاتصال الأميركي السير قدما في مسلسل انتزاع التنازلات من “الشرعية” اليمنية لتعويض التعنت الحوثي وملء فراغ الهدنة الهشة بالمزيد من اشتراطات الميليشيات المدعومة من إيران.
ومن واقع الإعلان الأممي الهش عن تمديد الهدنة الهشة لشهرين إضافيين وليس ستة شهور كما كان مأمولا، يبدو أن الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن اصطدما أخيرا بجدار الفشل المحتم وقررا ترحيل هذا الفشل، بعد رفض المجلس الرئاسي اليمني تقديم المزيد من التنازلات وفي أعقاب تشبث الحوثيين بموقفهم المتعنت والمتصلب الرافض لتمديد الهدنة، دون حصد مكاسب إضافية باتت مثار سخط الشارع اليمني، الذي يشاهد الطائرات تقلع من مطار صنعاء وسفن المشتقات النفطية ترسو في ميناء الحديدة، بينما ما تزال مدينة تعز قابعة تحت الحصار.
وفيما يرى البعض هذا الطرح منافيا للرغبة في السلام الذي تتحدث عنه الأمم المتحدة والمسؤولون الدوليون، يشير الواقع إلى أن ما يحدث اليوم من ضخ الروح في جسد الانقلاب ومحاولة تدليل الوحش الحوثي الجاثم على صدور اليمنيين، هو السلوك الذي لا يمكن أن يقود إلى السلام بأي حال من الأحوال، في ظل انعدام حالة التوازن في الوساطة الدولية التي لا تحمل عصا ولا جزرة، وتريد أن تحل واحدة من أعقد الصراعات في العالم بتصريحات جوفاء تجافي الوقائع على الأرض.
والحقيقة التي لا يمكن الهروب منها، هي أن الجهود الدولية التي يتم التغني بها لم تحدث الأثر الإنساني المفترض من هذه الهدنة، بقدر ما صنعت رئة جديدة تتنفس منها الميليشيات الحوثية عسكريا وسياسيا واقتصاديا، في الوقت الذي تواصل فيه خنق المدن اليمنية وخرق الهدنة والحشد والتعبئة لجولة قادمة من الصراع لن يجد المجتمع الدولي سبيلا لمواجهتها إلا ببيانات الإدانة التي لا تلقي لها الميليشيات بالا، بقدر ما تستثمرها إعلاميا في سبيل تعظيم مظلوميتها المصطنعة ومسلسل أكاذيبها الذي لا ينتهي.
نقلاً عن العرب اللندنية