حمادي معمري
رفضت “حركة النهضة” منذ 25 يوليو (تموز) 2021، الإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد، ووصفت ما أقدم عليه بـ”الانقلاب” على الشرعية الدستورية.
وبعد مرور عام، فاجأ رئيس الحركة راشد الغنوشي في حوار تلفزيوني، الرأي العام بإعلانه أن “الحركة تنتظر القانون الانتخابي الجديد لتحسم المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة من عدمها”، معتبراً أن “الاستفتاء على الدستور فاشل، وجاء ليُشرْعِن الانقلاب، وأن الديمقراطية في تونس تعرضت لمحاولة اغتيال”.
ويضيف الغنوشي أن رئيس الجمهورية “مصمم على أن يرسم وحده قانون اللعبة ليضمن النتيجة”، مشيراً إلى أن “حزب حركة النهضة يمكن أن يتعرض للحل في ظل الديكتاتورية، لأن الأحزاب لا مكان لها في تصور الرئيس”.
فلماذا غيّر راشد الغنوشي موقفه من مسار قيس سعيد؟ وهل تبحث “حركة النهضة” عما ينقذها، لذلك هي تناور من أجل تليين موقفها إزاء المحطة الانتخابية المقبلة؟ أسئلة يطرحها الشارع التونسي بعيد تصريح الغنوشي.
لا مهرب أمام الأحزاب إلا المشاركة
“مكثت حركة النهضة في الحكم لمدة عشرة أعوام، تعاقبت عليها حكومات عدة، وكانت تتصدر المشهد السياسي. ولأن لا يمكنها أن تطيل المكوث في العتمة، هي تبحث عن مخرج من أزمتها أو تحاول أن تصنع لنفسها انتصاراً في هزيمة كاملة”، بحسب توصيف الصحافية المتخصصة في الشأن السياسي منية العرفاوي، مضيفة أن “قيادات حركة النهضة أجمعوا على عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية، لأنهم لا يعترفون بالمسار السياسي الذي رسمه قيس سعيد منذ البداية، وهم متمسكون بشرعية 24 يوليو وبدستور 2014”.
وتقول إن “الغنوشي يدرك حقيقة أن الانتخابات التشريعية ستكون مختلفة تماماً عن حقيقة الاستفتاء، واليوم لا مهرب أمام الأحزاب من المشاركة في هذه الانتخابات على أمل أن تقلص من نفوذ قيس سعيد وهيمنته على المشهد”.
وتضيف أن “الغنوشي يدرك أن قيس سعيد فرض واقعاً سياسياً جديداً، وأن عدم المشاركة سيخرج النهضة نهائياً من المشهد السياسي، لذلك يمنح الغنوشي نفسه فرصة جديدة بعد أن خسر كل رهاناته في إسقاط مشروع سعيد من خلال فشله في تحشيد التونسيين وحتى أنصاره ضد الإجراءات المتخذة حديثاً”.
تعاطي براغماتي مع مسار 25 يوليو
ويتقاسم الكاتب الصحافي المتخصص في الشؤون السياسية خليفة شوشان المقاربة ذاتها، مرجحاً “استعداد النهضة لإنهاء مقاطعة ما تسميه بـ’الانقلاب‘ والتعاطي السياسي الواقعي البراغماتي مع مسار 25 يوليو في محطته الأخيرة، والإقرار الضمني والواقعي بالدستور الجديد”، ومضيفاً أن “الهاجس الوحيد الذي تواجهه حركة النهضة مستقبلاً هو إمكانية حلّها، وهي تسعى إلى ضمان تموقعها في المشهد السياسي وتجنب الحل والمحاسبة”.
انسجام مع المواقف الدولية
من جهة أخرى، وفي سياق المواقف الدولية التي قبلت بشكل مبدئي بنتائج الاستفتاء على الدستور الجديد في تونس، وتتطلع إلى انتخابات تشريعية شاملة لمكونات المشهد السياسي، “تعمل حركة النهضة على أن يكون موقفها منسجماً مع تلك المواقف الدولية، إلا أن هذا الأمر يمثل تراجعاً عن موقفها السابق، الذي كان يعتبر ما أقدم عليه قيس سعيد انقلاباً على الدستور”، بحسب تقدير النائب السابق في البرلمان هشام الحاجي في تصريحه لـ”اندبندنت عربية”.
ويضيف الحاجي أن “حركة النهضة تعيش حالاً من التخبط الاستراتيجي بين رغبة في التصعيد داخلياً والمراهنة أكثر على الخارج، لإجبار قيس سعيد على عدم المضي قدماً في تنفيذ مشروعه السياسي”.
ويستنتج النائب السابق في البرلمان أن “النهضة في وضع دقيق وصعب سياسياً، لأن موازين القوى ليست في صالحها، كما أنها لا ترى أفقاً منظوراً للمواجهة التي تخوضها ضد سعيد، علاوة على تأثر صورة راشد الغنوشي بالصراع الحالي، إذ يعتبر عدد كبير من أنصاره أنه لم يحسن إدارة المعركة”.
لا لمشاركة أحزاب مورطة في الإرهاب
في المقابل، دعا سرحان الناصري، رئيس حزب “التحالف من أجل تونس” في تصريح خاص إلى “قطع الطريق أمام الأحزاب التي تورطت في ما سمّاها بـ’العشرية السوداء‘، وإقصائها من الانتخابات التشريعية المقبلة من خلال القضاء”، لافتاً إلى أن “حركة النهضة مورطة في قضايا ذات علاقة بتبييض الأموال والإرهاب والتمويل الخارجي، وعليه لا يمكنها المشاركة في المحطة الانتخابية المقبلة من أجل مناخ سياسي سليم ونقي”.
وكان بيان صادر، الجمعة الخامس من أغسطس (آب) 2022، عن المكتب التنفيذي لـ”حركة النهضة”، جدد رفض الحركة مسار “وضع دستور قيس سعيد الجديد الذي قاطع الاستفتاء عليه قرابة ثلاثة أرباع الناخبين”.
وأشارت إلى أن “ما رافق كامل مسار الاستفتاء من انحرافات وغياب المراقبة وشبهات التزوير والمغالطات، ضرب في الصميم مصداقية العملية كلها وجعل هيئة الانتخابات في قفص الاتهام ونزع عنها كل صلاحية لإدارة أي انتخابات جديدة”.
ورأى محللون أن “حركة النهضة” وبقية الأحزاب الرافضة لمسار 25 يوليو 2021، عجزت عن تغيير موازين القوى وفرض مواقفها على الواقع السياسي، وقد تبدل مواقفها المقاطعة لمسار قيس سعيد وتشارك في الانتخابات التشريعية المقبلة من أجل تغيير الواقع الجديد الذي فرضه رئيس الجمهورية.
تمسك بالمقاطعة
في المقابل، أكدت القيادية في “حركة النهضة” وعضوة مجلس الشورى يمينة الزغلامي أن مؤسسات الحركة متمسكة بمقاطعة المسار الذي بدأه الرئيس قيس سعيد، مضيفة “كيف نقاطع الاستفتاء ونشارك في الانتخابات؟”.
وأشارت إلى أن موقف الحركة تتخذه مؤسساتها المنتخبة وليس راشد الغنوشي بمفرده.
وتقول إن الحركة قاطعت مسار قيس سعيد وتعتبره انقلاباً على الشرعية وعلى الدستور.
نقلا عن “اندبندنت عربية”