الدكتور محمد علي السقاف
تمديد مدة الهدنة أجلها لما بعد الثاني من أغسطس / أب هي مجرد فرصة تتاح للأطراف المتحاربة لالتقاط انفاسها أم أنها في نهاية المطاف ستفضي الي الولوج الي بحث مدخل لتسوية سياسية دائمة ؟ وهل هناك فرق بين مفهوم الهدنة ووقف إطلاق النار ؟ام ان المصطلحين هما من ناحية المضمون هما بذات المعني بان بتوقف المعركة وانهاء العمليات القتالية . وهل مفهوم الهدنة
بطابعها العسكري يمكن ان ترتقي الي “ هدنة مدنية“ وفق التعبير الجميل الذي استخدمه الكاتب والفيلسوف الفرنسي الشهير “ البير كامو “ في احدي مقالاته اثناء الثورة الجزائرية ؟
بدأت الهدنة الأولي في الأول من شهر رمضان الكريم ( الثاني من ابريل / نيسان ) الماضي لمدة شهرين قابلة للتمديد .
واشار المبعوث الخاص الي اليمن هانس غروندبرغ في كلمته للصحفيين المعتمدين في الأمم المتحدة ان الهدنة تمثل لحظة تاريخية بحد ذاتها ، معرباً عن امتنانه للدعم المستمر والقوي من قبل المجتمع الدولي في مناصرته لتنفيذ الهدنة وتمديدها ، منوها بشكل خاص بالدعم الذي قدمته المملكة العربية السعودية .
مشيراً ان “ اليمن لا يحتمل العودة إلي وضع ما قبل الهدنة من تصعيد عسكري وجمود سياسي مستمرين “.
وفي إحاطته الي مجلس الأمن في 11يوليو الماضي اشار الي نتائج اقرار الهدنة بأنها ادت الي “ انخفاض كبير في أعداد الضحايا بين المدنيين تقدر بنسبة الثلثين “ مقارنة بما كان عليه الحال في الأشهر الثلاثة التي سبقت بدء الهدنة .
واتاح تجديد الهدنة في الثاني من يونيو / حزيران استمرار وصول الوقود عبر ميناء الحديدة ، مما ساعد تدفق المشتقات النفطية المستوردة في تجنب الانقطاعات للخدمات العامة الرئيسية التي تعتمد علي الوقود مثل توفير المياه النظيفة ، والرعاية الصحية والكهرباء ، والنقل مما شكل فرقاً كبيراً في الحياة اليومية لليمنيين .
كما ساهمت الهدنة في تعزيز حرية حركة الرجال والنساء داخل اليمن وخارجه من خلال تيسير الرحلات الجوية ما بين صنعاء وعمان وبأمل ان يتم ذلك التوصل الي تيسير الرحلات الجوية ايضاً في المستقبل الي القاهرة .
واعتبر هانس ان مايتداول عن وجود انتهاكات للهدنة من إطلاق مباشر وغير مباشر للنيران والهجمات بالطائرات المسيرة …ليست الا مجرد “ مزاعم “ .
ولكن المبعوث الخاص يشير مع ذلك في إحاطته لمجلس الأمن الي تشكيل غرفة تنسيق مشتركة تضم الطرفين المتنازعين بالاضافة الي قيادة القوات المشتركة للتحالف بهدف“ خفض حدة التصعيد علي مستوي العمليات “ مما يتبين من قوله ذلك اعترافه بوجود فعلاً انتهاكات للهدنة وليس كما أدعي انها “ مجرد مزاعم “ !
لا شك ان جهود الأمم المتحدة عبر مبعوثها الأممي في تحقيق الهدنة وتمديدها امراً يستدعي الإشادة بها وفي الوقت نفسه هناك ملاحظتين تستوجب الوقوف أمامها .
الملاحظة الأولي تتعلق بتركيز هانز في إحاطته الي معاناة المواطنيين في المناطق غير المحررة التي تخضع تحت سيطرة جماعة الحوثيين ويتناسي الاشارة الي المعاناة ذاتها لمواطني المناطق المحررة من عدم توفر المياه النظيفة ، وتهالك الخدمات الصحية وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة في المناطق الجنوبية وخاصة في فصل الصيف التي تشتد فيها درجة الحرارة مقارنة بالجو المعتدل في المناطق الشمالية في صنعاء وبقية المدن فيها . والأدهى من ذلك ان محافظات مثل حضرموت وشبوة تعاني من انقطاع الكهرباء بسبب نقص المازوت والديزل وهي غنية بالنفط والغاز وتعاني كبقية محافظات الجنوب المحررة من نقص وقود السيارات في حين توجد في عدن العاصمة المؤقتة اكبر مصفاة لليمن لا تعمل بكامل طاقتها . مما يجعل المواطنيين فيها يتسائلون عن اسباب عدم اشارة إحاطة مبعوثي الامين العام الي أوضاعهم وتدهور احوالهم المعيشية ؟ هل مرد ذلك يعود الي إفراط في دبلوماسية مجاملة الحركة الحوثية ومحاولة استمالتها ام الي شخصية وجنسية المبعوثين الآمميين الي اليمن ؟
تعزيزا الي تلك التساؤلات اشير الي تجربة ستيفاني وليامز الامريكية رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالانابة خلال إحاطة افتراضية امام مجلس الأمن صباح الآربعاء 2 سبتمبر / أيلول 2020 دعت فيها المجلس بعبارة قوية “ بتقديم الدعم الي ليبيا ، ليس فقط بالكلمات ، بل بالأفعال أيضاً ، مشيرة ان ليبيا تمر بمنعطف خطر وتقف عند نقطة تحول حاسمة “ وفي إحاطة اخري بتاريخ 28 يناير 2021 اشارت ستيفاني وليامز بان وقف إطلاق النار الموقع في جنيف في 23 أكتوبر / تشرين الأول 2020 لا يزال صامداً و انه منذ تعليق القتال استمرت الأسر بالعودة الي طرابلس ، حيث عاد نحو114 ألف شخص .
وبحسب أونسميل انخفض عدد النازحين في جميع أنحاء ليبيا بنسبة 26 ٪ من 426 الف شخص في يونيو / حزيران إلي 316 ألف شخص .
والسؤال المطروح هنا لماذا لا تتضمن إحاطات المبعوثين الأممين الي اليمن إحصائيات حول نزوح وعودة النازحين الي مناطقهم عند استمرار فترات الهدنة ؟ او بمعني آخر لماذا لا تشجع وتقدم الأمم المتحدة تسهيلات للنازحين للعودة الي مواطنهم الأصلية ، علماً انه في فترة الأعياد يعود الالاف من النازحين الي مدنهم وقراهم ليعودوا مجدداً في مدن الإقامة التي استضافتهم ؟ وذلك بهدف رفع الضغط علي البنية التحتية واستهلاك المياه والكهرباء في المدن الكبري مثل عدن اقتداءاً بالتجربة الليبية وهي دولة بسيطة مثل اليمن ؟ وبذلك تتحقق مقاصد عبارة البير كامو بالهدنة المدنية لتكمل الهدنة العسكرية كمدخل للتسوية السياسية !
وفي هذا الاتجاه كثف هانس غروندبرج اتصالاته مع الأطراف دعماً لتنفيذ جميع بنود الهدنة واستكشافاً لفرص توسيع نطاقها وتمديد أجلها لما بعد 2 أغسطس / آب .
الموقع الجيو استراتيجي لليمن يتطلب ذلك ليس فقط كمصلحة يمنية وإقليمية بل ايضا لاهتمام الغرب بذلك وروسيا علي ضوء اصدار الرئيس بوتين مؤخراً مرسوم العقيدة البحرية الروسية التي ركز فيها علي اهمية وجود نقاط امداد وتموين للبحرية الروسية في البحر الاحمر. فهل تستوعب الحركة الحوثية هذه التحولات الدولية وتستجيب لهدنة مطولة كمدخل لحل سياسي مستدام ؟
نقلاً عن الشرق الأوسط