سامح إسماعيل
كاتب مصري
تبدو تحركات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان أشبه بالعمل داخل شبكة عنكبوتية شديدة التعقيد، تحت أكثر من غطاء، منها الخيري، ومنها المدني، ومنها المتخفي تحت عباءة حقوق الإنسان والدفاع عن الديموقراطية، لكنها، في النهاية، تصب تجاه صنع جماعات ضغط تخدم أجندة التنظيم.
في هذا السياق، يبدو تداخل خيوط الشبكة شديد الوضوح، مهما تعددت المسميات، وأبرز نموذج لذلك، هو الترابط العضوي والوظيفي بين المؤسّسة التي تحمل اسم الناشطة اليمنيّة توكل كرمان، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، أحد أبرز الأذرع الإخوانية في الولايات المتحدة، ومنظمة الديموقراطية الآن للعالم العربي، والتي تأسّست في العام 2018، وأصبحت بعد اغتيال مؤسسها جمال خاشقجي، بؤرة مركزية لتحركات عناصر التنظيم الدولي في الولايات المتحدة.
تداخل الخيوط وتشابك المصالح
تُعرف مؤسسة توكل كرمان (TKF) نفسها، بأنّها كيان يؤمن بقيم الحرية والتضامن والسلام، وتعتبر الديمقراطية وسيادة القانون والتنمية العادلة؛ وسيلة لتحقيق تغيير إيجابي ومستدام في حياة الأفراد والمجتمعات. وبحسب ما تقول عن نفسها، تطمح مؤسسة توكل كرمان، بالتعاون مع شركاء محليين ودوليين، إلى تحقيق هذه القيم التي يتم من خلالها حماية الحريات والكرامة الإنسانية والكرامة الإنسانية، فضلاً عن التطلع إلى إنهاء النزاعات المسلحة، والتخفيف من عواقبها، وإرساء السلام والاستقرار والحياة الكريمة.
وتشارك المؤسسة في أعمال الإغاثة في اليمن، وتقدم التبرعات، وعليها شعارها الرسمي الذي يتشكل من اسمها باللغة الإنجليزية، وصورة ظلية للناشطة اليمنية كرمان، الأمر الذي دفع البعض إلى اتهامها باستغلال الوضع الإنساني في اليمن، للدعاية وكسب مساحات على صعيد البنى التحتيّة، في البلد الذي خربته الحرب.
ترتبط توكل كرمان، بعلاقات قوية بحزب التجمع اليمني للإصلاح، الذراع السياسيّة للإخوان المسلمين في اليمن، كما وردت إشارات متعددة إلى علاقتها بأذرع التنظيم الدولي للجماعة، وسط اتهامات لها بالتورط عبر مؤسسة توكل كرمان، في إجراء “تحويلات مالية لمنظمات إخوانية” مثل: مؤسسة رحمة الخيرية، وشركة العمقي للصرافة، التي فرضت عليها عقوبات دولية؛ لثبوت تورطها في دعم وتمويل الإرهاب.
وربما لعبت النشأة دوراً في ارتباط كرمان بالإخوان، باعتبارها من أبناء منطقة بمحافظة تعز، ظهرت فيها قيادات مهمة من جماعة الإخوان المسلمين، وكان والدها عبد السلام كرمان زعيماً للإخوان، وبدأت حياتها المهنية في صنعاء كناشطة في مجال حقوق الإنسان، مدفوعة بالمبادئ التي وضعها الإخوان المسلمون.
وبحسب تقارير محلية يمنية، تلّقت مؤسسة توكل كرمان نحو “30 مليون دولار من قطر في العام 2018، كدفعة أولى لإنشاء قناتي بلقيس، ويمن شباب، كما تلقت دفعات أخرى لفتح قنوات ومواقع إخبارية، بالإضافة إلى مخصصات شهرية، تدفعها الدوحة لتوكل وفريقها والوسائل الإعلامية التابعة لها”.
كما ترتبط مؤسسة كرمان بعلاقات قوية بتركيا، عبر مؤسسة بلقيس الإعلامية، والتي لها ممتلكات عقارية في عدة مدن تركية مثل: أنقرة وإسطنبول وأزمير، وكانت كرمان من أشد المناصرين لقرار أردوغان بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد، حتى أنّها شبهت صلاتها هناك بالحج.
جدير بالذكر أنّه عندما فازت توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام، للعام 2011، عن دورها في احتجاجات “الربيع العربي”، لا سيما في وطنها، نشر موقع الإخوان المسلمين، “إخوان ويب”، بياناً على “تويتر”، يصفها بأنّها عضو في جماعة الإخوان المسلمين في اليمن.
وتبدو العلاقات الوظيفية بين مؤسسة توكل كرمان، والتنظيم الدولي للإخوان، شديدة الوضوح، في دفاع كرمان عن الجماعة مراراً، حتى أنّها زعمت أنّ الأخيرة هي “إحدى ضحايا الاستبداد الرسمي والإرهاب في المنطقة”. كما قالت إنّها تعتقد أنّ دور الجماعة في المنطقة سينمو “بالضرورة” في المستقبل.
وكانت كرمان قد شاركت في تأسيس ما يعرف بالمجلس العربي للدفاع عن الثورات والديموقراطية، في 26 تمّوز (يوليو) 2014، في تونس العاصمة، بصحبة أيمن نور، وعماد الدايمي، حيث تمّ اختيار الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي رئيساً للمجلس.
منظمة الديموقراطية الآن نقطة تقاطع التنظيمات الإخوانية
في الرابع من كانون الثاني (يناير) العام 2021، أعلنت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، ومقرها الولايات المتحدة، انضمام الناشطة اليمنيّة، توكل كرمان، إلى عضوية مجلس إدارتها، باعتبارها “من أبرز الأصوات المناصرة للديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي”. حسب ما صرحت به المديرة التنفيذية للمنظمة سارة ليا ويتسن.
كرمان علّقت على انضمامها لمجلس إدارة المنظمة، قائلة: إنّ “مهمة المنظمة في تعزيز الحقوق والديمقراطية، ووضع حد للاستبداد الذي لا يزال يخنق الشرق الأوسط، هي أيضاً مهمتي ومشروعي في الحياة، وبالتالي يشرفني أن أكون عضواً في مجلس إدارتها”. وأضافت: “أعتقد أنّ عمل المنظمة يضيف صوتاً لأصوات المنفيين السياسيين والمدافعين عن الحرية من أبناء المنطقة، ويساعد في وضع سياسات ترتكز على ضمان أنّ الحكومات في جميع أنحاء العالم تساعد، لا تعرقل، حقوق الإنسان والعدالة”.
والديموقراطية الآن للعالم العربي، هي منظمة أسّسها جمال خاشقجي، في العام 2018، ويرأس مجلس الأمناء فيها، الأمريكي من أصل فلسطيني، نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، والأمريكي من أصل ليبي عصام عميش، القيادي الإخواني المرتبط بذراع التنظيم في ليبيا، والأمريكي من أصل هندي عاصم غفور، المحامي الإخواني الذي تمّ توقيفه في الإمارات، بعد ثبوت تورطه في ارتكاب جريمتي تهرب ضريبي، وغسيل الأموال، وترأسها حالياً المديرة التنفيذية الجديدة، سارة ليا ويتسن.
وتزعم المنظمة أنّها تختص بالعمل في ملفات تعزيز الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عن طريق فتح قضايا الانتهاكات، ولها اصدار بعنوان “الديمقراطية في المنفى”؛ وتعمل تجاه الضغط على واشنطن، لرفع دعمها عن الحكومات المستبدة بالمنطقة، بحسب ما تقول.
أوجه التعاون بين مؤسسة توكل كرمان ومنظمة الديموقراطية الآن في العالم العربي
أصبحت توكل كرمان منذ انضمامها إلى منظمة الديموقراطية الآن، أحد أنشط أعضاء مجلس الأمناء، وكانت أبرز المتحدثين في حفل تسمية طريق جمال خاشقجي، الذي أقره مجلس مدينة واشنطن العاصمة، كانون الأول (ديسمبر) 2021، وبصحبتها المدير التنفيذي لــ (كير) نهاد عوض، والعراقي رائد جرار، وسارة ليا ويتسن.
وفي 18 حزيران (يونيو) الماضي، طالبت منظمة الديمقراطية الآن، بالتمسك بمساءلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في ملف مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وقالت المنظمة في بيان لها إنّه “في أعقاب إعلان البيت الأبيض المزعج، أنّ الرئيس جو بايدن سيسافر إلى السعودية في تمّوز (يوليو) نكرر الدعوة لواشنطن للوفاء بوعودها، بمحاسبة الحكومة السعودية على جريمة قتل خاشقجي، وإنهاء بيع الأسلحة لهذه الدولة”. مطالبة إدارة بايدن بالدفاع عن المعارضة السعودية.
وربما تهدف تلك الحملة إلى الضغط على المملكة، فيما يتعلق بالملف اليمني، حيث ترفض كرمان المواجهة المسلحة مع الحوثي، من قبل التحالف العربي، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك حول طبيعة العلاقات بين الإخوان وإيران في هذا الملف.
وعليه، يبدو هنا الارتباط شديد الوضوح بين منظمة الديموقراطية الآن في العالم العربي، ومؤسسة توكل كرمان، وجماعة الإخوان المسلمين، عبر ذراعها المدني في الولايات المتحدة، والمتمثل في مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، وتبدو أفق التعاون بين الكيانات الثلاثة أمراً كاشفاً لتمدد جماعة الإخوان، من خلال أذرعها تحت غطاء حماية الديموقراطية في العالم العربي.
المصدر حفريات