نوران بديع
صحفية سورية
شهدت أسعار المواد الغذائية في العالم تراجعاً حاداً خلال شهر تموز (يوليو) الماضي، وذلك للشهر الرابع على التوالي مع تدني أسعار القمح لأول مرّة، بحسب ما أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، وهو ما يشير إلى بوادر انفراج في الضغوط على سلاسل الإمداد وتوفر السلع، والتي جعلت التضخم العالمي في أعلى مستوياته منذ أعوام طويلة.
“تراجع كبير”
وقالت المنظمة الأممية، في بيان لها أول من أمس، إنّ أسعار الغذاء العالمية “تراجعت بشكل كبير” الشهر الماضي، لكنها حذرت من استمرار حالة عدم اليقين بشأن الإنتاج المستقبلي.
وبلغ مؤشر الفاو لأسعار الغذاء، الذي يقيس التغير الشهري في الأسعار الدولية لسلة من السلع الغذائية، في المتوسط 140.9 نقطة في تموز (يوليو) الماضي، بانخفاض بحوالي (8.6%) عن حزيران (يونيو).
ويعد هذا أكبر انخفاض شهري في قيمة المؤشر منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2008 والانخفاض الرابع على التوالي على أساس شهري.
ومع هذا، يظل المؤشر أعلى بنسبة 13.1% مما كان عليه في الفترة نفسها من العام الماضي 2021.
وأوضح ماكسيمو توريرو كبير الاقتصاديين في الفاو في بيان “أنّ تراجع أسعار السلع الغذائية من مستويات مرتفعة للغاية أمر مرحب به خاصة عندما ينظر إليه من وجهة نظر الوصول إلى الغذاء”.
وأضاف “مع ذلك، لا تزال هناك العديد من الشكوك حول المستقبل الغذائي العالمي، بما في ذلك ارتفاع أسعار الأسمدة التي يمكن أن تؤثر على آفاق الإنتاج المستقبلية وسبل عيش المزارعين والتوقعات الاقتصادية العالمية القاتمة وتحركات العملة، وكل هذه المؤشرات تشكل ضغوطاً خطيرة على الأمن الغذائي العالمي”.
بلغة الأرقام
ووفق المنظمة، بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء 140.9 نقاط في تموز (يوليو) 2022 بانخفاض قدره 13.3 نقاط (8.6%) عن مستواه في حزيران (يونيو)، مسجلاً بذلك انخفاضه للشهر الرابع على التوالي، ولكن، بقي أعلى بـ 16.4 نقاط (13.1%) من قيمته المسجلة في الشهر نفسه من العام الماضي.
وكان هذا الهبوط في شهر تموز (يوليو) بمثابة الانخفاض الشهري الأكبر في قيمة المؤشر منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2008، بفعل الانخفاض الكبير في مؤشري الزيوت النباتية والحبوب، فيما انخفضت أيضاً مؤشرات السكر ومنتجات الألبان واللحوم ولكن بدرجة أقل.
كما بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب 147.3 نقاط في تموز (يوليو)، عقب انخفاض قدره 19.1 نقطة (أو 11.5%) عن مستواه المسجّل في حزيران (يونيو) ولكنه بقي أعلى بـ 21.0 نقطة (أو 16.6%) من قيمته المسجلة في تموز (يوليو) 2021. وانخفضت الأسعار الدولية لجميع الحبوب التي يشملها المؤشر.
وقالت المنظمة، إنّ الأسعار العالمية للقمح التي دفعت هذا التراجع قد هبطت بنسبة كبيرة بلغت (14.5%) في تموز (يوليو)، ويعزى السبب بجزء منه إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين أوكرانيا والاتحاد الروسي لتحرير حركة موانئ البحر الأسود الرئيسية في أوكرانيا، الأمر الذي يشير إلى استئناف تصدير الحبوب من أوكرانيا في موعد وشيك. كما أنّ توافر الكميات خلال هذا الموسم بفضل الحصاد الجاري في النصف الشمالي للكرة الأرضية قد أثر أيضاً في تراجع الأسعار. ومع ذلك، فإنّ الأسعار الدولية للقمح لا تزال أعلى بنسبة 24.8% من قيمتها المسجلة في تموز (يوليو) من العام الماضي. وانخفضت الأسعار الدولية للحبوب الخشنة للشهر الرابع على التوالي، بتراجع نسبته 11.2%، مع أنها ظلت أعلى بنسبة 12.1% من قيمتها قبل عام.
وكان الاتفاق بشأن تحرير حركة موانئ أوكرانيا أيضاً العامل الرئيسي خلف انخفاض الأسعار العالمية للذرة بنسبة 10.7%، كما أنّ ارتفاع الكميات المتاحة خلال هذا الموسم في الأرجنتين والبرازيل، حيث تخطت عمليات حصاد الذرة وتيرتها في العام الماضي قد ساعد أيضاً على تخفيف الضغط على الأسعار. وكان الأثر غير المباشر لضعف سوقي القمح والذرة كفيلاً هو أيضاً بخفض أسعار الذرة الرفيعة والشعير، وذلك بنسبة 12.8% للذرة الرفيعة و12.6% للشعير. وفي تموز (يوليو)، انخفضت الأسعار الدولية للأرز للمرة الأولى منذ بداية عام 2022، متأثرة بعدم استقرار الطلب وأسعار الصرف لدى الجهات المصدّرة الرئيسية.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الزيوت النباتية 171.1 نقطة في تموز (يوليو)، بانخفاض قدره 40.7 نقطة (أو 19.2%)، وهو ما يمثل انخفاضاً للشهر العاشر على التوالي. وكان هذا الهبوط الحاد مدفوعاً بانخفاض الأسعار العالمية لزيوت النخيل والصويا وبذور اللفت ودوار الشمس.
وهبطت الأسعار الدولية لزيت النخيل للشهر الرابع على التوالي في تموز (يوليو)، لسبب رئيسي هو توقع إتاحة كميات وافرة معدة للتصدير من إندونيسيا، الدولة المصدرة الأولى لزيت النخيل على مستوى العالم. وفي الوقت نفسه، انخفضت الأسعار العالمية لزيت فول الصويا وبذور اللفت على التوالي بسبب تباطؤ الطلب الذي طال أمده وتوقع إمدادات وفيرة جديدة من المحاصيل. وفي ما يخص زيت دوار الشمس، انخفضت الأسعار الدولية بشكل ملحوظ وسط انخفاض الطلب العالمي على الواردات، على الرغم من استمرار انعدام اليقين على الصعيد اللوجستي في منطقة البحر الأسود. كما مارست الأسعار المتراجعة للزيت الخام ضغطاً أسهم في انخفاض قيمة الزيوت النباتية.
منتجات الألبان واللحوم
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار منتجات الألبان 146.4 نقطة في تموز (يوليو)، بانخفاض قدره 3.8 نقطة (2.5%) عن مستواه في حزيران (يونيو)، مع أنه لا يزال أعلى بـ 29.7 نقطة (25.4%) من قيمته المسجلة في تموز (يوليو) العام الماضي.
وسجّلت الأسعار الدولية لمسحوق الحليب الخالي من الدسم الهبوط الأكبر، وتلتها أسعار الزبدة ومسحوق الحليب الكامل الدسم، وقد عكس ذلك بصورة عامة ضعف النشاط في الأسواق الأوروبية خلال العطلة الصيفية.
وزيادة على ذلك، فإن معظم المشترين قد غطوا احتياجاتهم الفورية بالشكل الكافي. وقد أدّى ذلك، بالاقتران مع ضعف الطلب من الصين والأسعار المرتفعة لمنتجات الألبان، إلى تراجع الطلب على الإمدادات الفورية، ما أسهم في انخفاض الأسعار الدولية.
ومن ناحية أخرى، ظلت الأسعار العالمية للأجبان مستقرة، حيث عوضت المبيعات الداخلية المرتفعة في الوجهات السياحية الأوروبية على ضعف الطلب العالمي على الواردات. وعلى الرغم من النشاط التجاري الضعيف عموماً، فإنّ الإمدادات العالمية المحدودة قد أبقت الأسعار العالمية لمنتجات الألبان عند مستويات مرتفعة.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار اللحوم، 124.0 نقطة في تموز (يوليو) بتراجع قدره 0.6 نقطة (0.5%) عما كان عليه في شهر حزيران (يونيو)، مسجلاً بذلك أول تراجع شهري له عقب ارتفاعه لستة أشهر متتالية. وفي تموز (يوليو)، انخفضت الأسعار العالمية للحوم الأغنام انخفاضاً حاداً، بسبب زيادة توافر الكميات المخصصة للتصدير من أستراليا وسط ارتفاع عمليات الذبح والتوقعات بزيادة الإمدادات من لحم الضأن، بمواجهة انخفاض الطلب على الواردات.
وتراجعت الأسعار الدولية للحوم الأبقار الأمر الذي عكس زيادة الكميات المتاحة للتصدير من المناطق المنتجة الرئيسية مقارنة بالطلب العالمي، في حين ساعد ضعف الطلب الكلي على الواردات في الحفاظ على استقرار أسعار لحوم الخنازير بالرغم من محدودية الكميات المتاحة من رؤوس الخنازير المخصصة للذبح، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى النقيض من هذا، بلغت الأسعار الدولية للحوم الدواجن أعلى مستوى لها على الإطلاق، بدعم من الطلب العالمي القوي على الواردات والإمدادات العالمية المحدودة بسبب تفشي أنفلونزا الطيور في النصف الشمالي للكرة الأرضية، على الرغم من الزيادات الأخيرة في الصادرات من أوكرانيا.
وبلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار السكر 112.8 نقاط خلال شهر تموز (يوليو)، متراجعاً بـ 4.4 نقاط (أي 3.8%) عما كان عليه في شهر حزيران (يونيو)، مسجلاً بذلك هبوطه للشهر الثالث على التوالي وبلوغه أدنى مستوى له منذ 5 أشهر.
وقد أسهمت المخاوف من توقعات الطلب بسبب توقع مزيد من التباطؤ في الاقتصاد العالمي في عام 2022، في هبوط الأسعار الدولية للسكر. وإنّ انخفاض الأسعار قد نجم أيضاً عن ضعف الريال البرازيلي مقابل الدولار الأمريكي وانخفاض أسعار الإيثانول، ما أسفر عن إنتاج للسكر فاق المتوقع في البرازيل خلال النصف الأول من تموز (يوليو).
كما أسهمت مؤشرات زيادة الصادرات من الهند والتوقعات الإيجابية للإنتاج في الموسم المقبل، في انخفاض في الأسعار الدولية للسكر خلال تموز (يوليو).
وعلى النقيض من هذا، كانت المخاوف بشأن تأثير الظروف الجوية الحارة والجافة المطولة على قدرات إنتاج الغلال في الاتحاد الأوروبي، سبباً في منع المزيد من التراجع الكبير في الأسعار.
تعافي سلاسل التوريد
وبحسب الخبراء، فقد لوحظ انحسار الاضطرابات في عمليات الشحن وخاصة عبر البحار مع تراجع حدة الازدحام في الموانئ والعقبات الأخرى.
تراجعت الأسعار الدولية للحوم الأبقار
وتراجع الضغط للشهر الثالث على التوالي في إشارة مشجعة لصانعي السياسة في المركزي الأمريكي الذين يحرصون على تخفيف مشكلات سلاسل التوريد للمساعدة في ترويض التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في 4 عقود في أكبر اقتصاد في العالم.
ويدمج مؤشر الضغط على سلاسل التوريد العالمية التابع لمجلس الاحتياطي الاتحادي الإقليمي بيانات عن تكاليف الشحن وأوقات التسليم والتأخيرات فيه وإحصاءات أخرى في مقياس واحد ويقارنها بالمعايير العامة.
وانخفض المؤشر الآن بأكثر من 50% من أعلى مستوى له، والذي سجله في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لكنه لا يزال أعلى بكثير من المستويات التي كان عليها قبل بداية الجائحة.
وتتوافق هذه البيانات مع مسح نشر معهد إدارة التوريد نتائجه في وقت سابق هذا الأسبوع، والذي أظهر أيضاً تحسناً في مقياس سرعة تسليم الموردين.
وأصبحت مشكلة سلاسل التوريد قضية رئيسية في التعافي العالمي من الأزمة الصحية العالمية، وفي جهود البنوك المركزية لكبح التضخم.
وتفاقمت مشكلة سلاسل التوريد في وقت سابق من العام، إذ أدت إجراءات الإغلاق التي فرضتها الصين للتصدي لانتشار فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا إلى تمديد أوقات التسليم.
وبدأت بنوك مركزية بالفعل في رفع أسعار الفائدة بسرعة أكبر في محاولة لكبح الطلب على السلع والخدمات مع الأمل في حل مشكلة سلاسل التوريد من أجل تحقيق توازن أفضل في الاقتصادات.
المصدر حفريات