طارق أبو السعد
مسرحية مكشوفة، وتهميش عنصري للنساء، ورأي أحادي؛ هذه بعض مشاهد الديمقراطية داخل تنظيم الإخوان، للتلبيس على الأعضاء بوجود حرية الاختيار.
فعلى مر عقود عديدة وأثناء الترويج لهم باعتبارهم كتلة سياسية تمتلك القدرة على إدارة الدولة، أوهم الإخوان الناس بالإيمان بالديمقراطية والحرية، وتقبل الرأي الآخر، ووجود تجربة ديمقراطية داخلية تتسم بالنزاهة والحياد وتبادل السلطة دون أي منغصات.
غير أن الواقع يؤكد أن كل هذا عكس الحقيقة؛ فلا تسعف تجربة الإخوان داخل التنظيم بالإيمان بالديمقراطية، لا فكراً ولا ممارسةً، أو الإيمان بالحريات وأشكال التعبير الأخرى، فلم يتم تداول السلطة داخل هرم التنظيم بسلاسة، بل كان الصراع على المناصب سائدا بين المتنافسين، حدّ الاتهام بالسرقة وخيانة الأمانة وغيرها من التهم الأخلاقية.
أما التنافس عبر البرامج الانتخابية، وضمان حرية الاعتراض، فلا مجال له في أدبيات الإخوان أو في أفكارهم الشفهية، حيث لا يوجد ما يشجع على ممارسة الديمقراطية، وإشاعة روح التفكير الحر أو التفكير النقدي، وفق العارفين بالجماعة.
ويرى مراقبون أن “التربية الإخوانية تقوم على تقديس فكرة السمع والطاعة، حتى يكونوا مع مسؤوليهم كالميت بين يدي مغسله، مع استخدام أسلوب التلقين، وعدم إعمال العقل، وتجريم النقد، لهذا لا يوجد في الإخوان اختلافات في وجهات النظر”.
وتسود التجارب التاريخية للإخوان الخلافات والصراعات والتخوين والتكفير، وهي ممارسات -يقول خبراء- في صلب الديمقراطية الزائفة للإخوان؛ إذ من المثير للدهشة أن التنظيم الذذذي يطالب بالديمقراطية والحرية، لا يسمح بها لأعضائه وعناصره، وهو ما يفسر استحالة ممارسة الجماعة للديمقراطية في حال وجودهم بالسلطة.
مشاهد من “ديمقراطية الإخوان”
غياب التنافس
أول مشهد يدل على افتقار الإخوان للديمقراطية، يتمثل في طريقة انتخابات أصغر وحده بتنظيم الإخوان المسلمين، وهي انتخابات “مجلس شورى الشعبة”؛ الذي منه يتم انتخاب “المكتب الإداري للشعبة” فالجمعية العمومية لأعضاء الشعبة، مقصورة على فئة بعينها، فليس كل الإخوان يحق لهم الترشح والانتخاب، بل الحق محصور للأعضاء العاملين، فقط؛ ويقصد بهم “الذين تدرجوا في التربية وخاضوا اختبارات تؤهلهم أن يكونوا عاملين”.
وأهم اختبار للوصول إلى هذه الدرجة هو أن “يسمع ويطيع وبذلك يصبح العضو عاملا في الجماعة”، حتى ولو لم يتمته بثقافة الاختيار، أما باقي الاخوان بـ”الشعبة” فعليهم أن ينفذوا الأوامر دون نقاش.
واللافت أنه داخل هذه الفئة لا يحق للعضو أن يرشح نفسه، بل ينتظر أن يتم اختياره من قبل أعضاء مجلس شورى الشعبة، فثقافة الاختيار والبرامج الانتخابية والترشيح والتنافسية يحاربها الإخوان “ويرونها من الشيطان، وهي سبب هلاك الأمة”.
فضيحة اختيار المرشد
المشهد الثاني في اختيار منصب المرشد العام للإخوان؛ وهو أعلى منصب في التنظيم والجماعة، وهو منصب حساس ودقيق، يتحتم أن يتقلده من يحظى برضى وموافقة وتصويت القاعدة الإخوانية، لكن الجماعة جعلت تولي المنصب بالاختيار وليس بالانتخاب.
هذا الاختيار أيضا محصور بين أعضاء مجلس شورى الجماعة والبالغ عددهم 98 عضوا؛ (في آخر تشكيل لمكتب الإرشاد، وزاد العدد إلى 108، عند التصويت على خوض انتخابات الرئاسة في مصر عام 2013).
أعضاء هذا المجلس هم من يختار المرشد، و”بشكل سري” ويرسم “المختار” للمنصب سياسات الجماعة، ويقرر أي اتجاه تسير فيه سياساتها، دون أي برنامج انتخابي أو رؤية سياسة، أو خطة وبرنامج زمني يريد تحقيقه، فأي درس ديمقراطي يقدمه الإخوان للعالم؟!، يتساءل أحد المراقبين.
مع هذا لا مأمورية محددة للمرشد، تفتح باب التداول، وتبادل السلطة والمناصب؛ فالمرشد حسب لوائح التنظيم، يظل في منصبه مدى حياته، وعلاقته بباقي أعضاء الجماعة تقوم على “البيعة والسمع والطاعة في أمور الدين والدنيا”، وبذلك “يصبح شخص المرشد هو السلطة التي تمنح الشرعية أو تمنعها، ولا توجد أي سلطة رقابية على أي جهاز من أجهزة الجماعة”
وهكذا فكل هذه الممارسات العارية من ثوب الديمقراطية، هي ما يروجه الإخوان لتطبيقه، في حال تمكنوا من أجهزة الدولة، وأصبح بيدهم حكم البلاد والعباد.
النساء قاصرات عن التصويت
المشهد الثالث غياب حق المرأة الإخوانية من الترشح والتصويت، فنساء الإخوان أو “الأخوات”، لا يمتلكن حق الترشح، لأي منصب من مناصب الجماعة، فكلها ملك للإخوان “الذكور”، بما في ذلك، مسؤولية قيادة الأخوات أنفسهن فهي من نصيب أخ (ذكر).
وهذا “الأخ”، يقوم بانتخابه “ذكور الجماعة” وليس نساءها، فلا يحق لهن التصويت على من سيقودهن، ولا يحق لهن إبداء الرأي في أي قرار ولا تمثيل لهن في أي مستوى إداري، رغم أن نساء الإخوان يحملن مسؤولية كبيرة في الترويج للجماعة ولأفرادها، ويشاركون في اعتصاماتهن.
ممنوع الاعتراض!
المشهد الرابع الدال على ضيق الإخوان ذرعا بالتعبير عن الرأي، هي العقوبة القاسية لمن يبدي اعتراضا على القرارات، فهذا الشخص “المتمرد” ليس أمامه سوى الطرد من الجماعة، والنبذ من التنظيم إلى غير رجعة.
وفي هذا المقام، هناك حادثة تاريخية شهيرة، في مسيرة الإخوان، فعندما أقدمت مجموعة من الإخوان و”العاملين داخل الجماعة” بعد تنفيذهم للعمليات الإرهابية التي أمرهم بها قادتهم، امتثالاً لمبدأ السمع والطاعة، صدر بحق بعضهم أحكام قضائية فهربوا للسودان، و”هناك تجرأ بعضهم واعترض على بعض قرارات المسؤولين الكبار، فما كان من القادة الكبار إلا أن غضبوا عليهم، وأمروا بطردهم من السكن الذي كانت الجماعة قد وفرته لهم، ومنعوا عنهم التمويل الشهري عقاباً على تجرئهم وفتحهم باب الاعتراض، وباتوا في العراء في الغربة التي تسبب فيها نفس القادة الكبار!”
سوابق الفصل التعسفي
المشهد الخامس حجم قرارات الفصل التي لاحقت قيادات الجماعة مع حملات التشويه الداخلية، فلا تدل هذه الممارسات على أضعف إيمان بالديمقراطية؛ فقد قام التنظيم بفصل نائب المرشد محمد حبيب، لأنه تجرأ واعترض على انتخابات الإرشاد عام ٢٠٠٩.
كما تم فصل عضو مجلس شورى الجماعة إبراهيم الزعفراني، لمجرد اختلافه مع بعض القادة حول تفسير أو تطبيق بعض بنود اللائحة، ، كما فصل عبد المنعم أبو الفتوح؛ حين قرر خوض الانتخابات مستقلاً عن الجماعة، أو غيرهم من الذين فقط أبدوا رأيا مغايراً.
نقض الاتفاقات
المشهد السادس، تنصل الاخوان من وعودهم لقوى الوطنية المصرية قبل إعلان الرئيس السابق محمد مرسي رئيساً للبلاد؛ فقد عقد العديد من القوى الوطنية والحزبية اجتماعا مع قادة الإخوان، وخرجوا باتفاق ببنود عديدة اصطلح على تسميتها “اتفاق فيرمونت”.
وكان هذا الاتفاق للتأكيد على أن “تمارس الجماعة الديمقراطية، وتبتعد عن العنف وألا تسعى للسيطرة على مفاصل الدولة، وألا تسعى لتغيير هوية الدولة المصرية المدنية الى دولة دينية، ورغم الوعود والقسم المغلظ، تنصل الإخوان من كل وعودهم، وحاصروا مدينة الإعلام والمحكمة الدستورية وهددوا الإعلاميين المعارضين وشنوا هجوما عنيفا على كل التيارات السياسية في مصر وبدأوا بهؤلاء الذين عقدوا معهم الاتفاق المذكور”.
انقلاب السحر على الساحر
المشهد السابع، يشمل الاتهامات المتبادلة بين أطراف النزاع الدائر الآن بين جبهات الإخوان، فكل جبهة تتهم الأخرى بأنها مستبدة ولا تخضع للائحة ولا للشورى، ولا تلزم بالعمل المؤسسي، وأثناء صراعهم كشفوا عن حقيقة عمليات الاستقطاب والتحزب والعمالة والاختلاسات، التي قام بها كل من الطرفين، مما لا يدع مجالا للشك بأن هذه الجماعة لا تعرف الديمقراطية سبيلا، ولا تمارسها بشهادة قادتها المتصارعين.
والواقع أن تنظيم الإخوان يرتكز في تكوينه على أفكار تتناقض مع الديمقراطية؛ فلا يملكون حق اختيار ممثليهم داخل التنظيم، سواء في مجالس الشورى أو في المكاتب الإدارية أو في مكتب الإرشاد.
ويستخدم هؤلاء الديمقراطية مطية أو قناعا زائفا، يخدعون به الجماهير ليحصلوا على ثقتهم، ليقفزوا إلى سدة الحكم، ومن ثم يتنكرون لكل ما أقسموا به، ما يجعل الثقة بإيمانهم بالديمقراطية طريقا إلى الوقوع في الفخ.
نقلاً عن “العين” الإخبارية