هند سليمان
صحفية مصرية
مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من إتمام نصف العام بعد نحو أسبوعين من الآن، مرت الأسواق العالمية بحروب عدة لعلّ أبرزها حرب الحبوب والطاقة، برهان خاسر على أن تؤدي حزم من العقوبات، يعتبرها مراقبون، “الأشدّ إيلاماً” للاقتصاد الروسي إلى خسارة روسيا لتلك الحروب، ولا سيّما الطاقة، في ضوء استعداد الاتحاد الأوروبي لحظر النفط الروسي في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، إلّا أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خيب تلك الرهانات، فقد أقرت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية بأنّ بوتين قد “فاز” في حرب الطاقة.
وقالت “بلومبرغ” في تقرير نشرته اليوم الخميس على موقعها: إنّ “بوتين يفوز في أسواق الطاقة”، مشيرة إلى أنّ موسكو “تحلب بقرتها النفطية، وتكسب مئات الملايين من الدولارات كل يوم” لتمويل الحرب في أوكرانيا وحشد الدعم المحلي لها.
خيارات صعبة
مع بدء العد التنازلي لتفعيل العقوبات الأوروبية على صادرات النفط الخام الروسية اعتباراً من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، توقعت “بلومبرغ” أن تواجه حكومات المنطقة الأوروبية والغرب بعض “الخيارات الصعبة” عندما تبدأ أزمة الطاقة في استفزاز المستهلكين والشركات.
وتوقعت الوكالة الأمريكية أن ترتفع تكاليف الكهرباء للمنازل والشركات اعتباراً من تشرين الأول (أكتوبر) بفعل “ضغط الإمدادات الروسية” إلى أوروبا، “حيث تسمح الزيادة في دخل النفط لبوتين بالتضحية بعائدات الغاز وضغط الإمدادات” إلى أوروبا.
ومن المرجح أن تقفز الأسعار في بريطانيا بنسبة 75%، بينما حذّرت بعض المرافق البلدية في ألمانيا بالفعل من أنّ الأسعار سترتفع بما يزيد عن 100%، على حدّ قول “بلومبرغ” التي أكدت نجاح روسيا في تحويل إمدادات الطاقة إلى “سلاح”.
ومن بين الخيارات الصعبة، وفقاً لـ”بلومبرغ”، أنّ الحكومات الغربية سوف تتعرض لضغوط متزايدة لإنفاق المليارات، إمّا لدعم فواتير الأسرة، وإمّا للاستحواذ على شركات الطاقة، كما هو الحال بالفعل في فرنسا، أمّا في ألمانيا، أكبر اقتصاد أوروبي، فقد ارتفع سعر الكهرباء إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، بحوالي (10) مرات أعلى من مستويات ما قبل الأزمة.
المدّ النفطي
إنتاج الخام الروسي هو المؤشر الأول الذي يُظهر كيف حوّل بوتين المدّ النفطي، على حدّ تعبير “بلومبرغ”، التي أشارت إلى أنّ إنتاج روسيا ارتفع، مرة أخرى الشهر الماضي، إلى مستويات ما قبل الحرب، بمتوسط ما يقرب من (10.8) ملايين برميل يومياً، بانخفاض هامشي فقط من (11) مليوناً تم ضخها في كانون الثاني (يناير)، قبل غزو أوكرانيا مباشرة.
انتعاش الإنتاج النفطي، في نظر “بلومبرغ،” لم يكن “صورة عابرة”، ولا سيّما أنّ روسيا سارعت للبحث عن مشترين جدد لنفطها، بعدما تجنب المشترون الأوروبيون الخام الروسي.
وأشارت الوكالة إلى أنّ روسيا وجدت، بعد هذا الصراع الأولي، العديد من العملاء الجدد لمليون برميل يومياً، وذلك بعدما توقفت مصافي النفط الأوروبية عن الشراء بسبب العقوبات الذاتية.
مسار الخام الروسي ينتهي في آسيا، وخاصة الهند وتركيا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، وما يزال هناك بعض العملاء في أوروبا يسارعون إلى شراء الخام الروسي قبل التطبيق المخطط لعقوبات رسمية مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
رهان خاسر
أقرّ خافيير بلاس، كاتب تقرير “بلومبرغ”، بأنّ كلّ من راهن على أنّ إنتاج النفط الروسي سيستمر في الانخفاض قد “أخطأ”، مشيراً إلى أنّ المؤشر الثاني على فوز بوتين لحرب الطاقة هو “سعر الخام الروسي”.
وأوضح أنّ موسكو اضطرت، في البداية، إلى بيع أنواع الخام الروسي بتخفيضات ضخمة لأصناف أخرى لإغراء المشترين، لكن في الأسابيع الأخيرة استعاد الكرملين قوة التسعير، مستفيداً من محدودية الإنتاج.
ويُعتبر خام “إسبو”، وهو فئة من النفط الروسي من الشرق الأقصى، مثالاً جيداً على الاتجاه الجديد، على حدّ قول بلاس، الذي أوضح أنّ الخام الروسي “إسبو”، في أسوأ الظروف، بيع بأكثر من (20) دولاراً للبرميل، أعلى من خام “دبي”، وهو معيار النفط الإقليمي لآسيا، عند أدنى مستوى له هذا العام، قبل أن يتم تداوله بالمساواة مع خام “دبي” مؤخراً.
إلى ذلك، لا يستفيد خام الأورال، وهو مصدر النفط الروسي الرئيسي إلى أوروبا، بقدر استفادة إسبو، حيث كان مشتروه الرئيسيون تقليدياً دولاً مثل ألمانيا بدلاً من الهند، لكنّه يتعافى أيضاً في السعر، حيث تم بيعه مؤخراً بـ (20 إلى 25) دولاراً أرخص من خام برنت/ للبرميل الواحد، بعد تداوله بخصم (35) دولاراً تقريباً في أوائل نيسان (أبريل).
مع تداول خام برنت بالقرب من (100) دولار للبرميل، ومع قدرة روسيا على تقديم تخفيضات أقل، هناك الكثير من الأموال القادمة إلى الكرملين، وفقاً لـ”بلومبرغ”.
المؤشر الأخير والسعودية
المؤشر الأخير للنجاح الروسي كان “سياسياً”، وليس متعلقاً بالسوق، وفقاً لـ”بلومبرغ”، التي أوضحت أنّه بالعودة إلى شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل)، كان صانعو السياسة الغربيون متفائلين بأنّ منظمة أوبك، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ستتخلى عن تحالفها مع روسيا، غير أنّ “العكس هو الصحيح”.
وأشارت الوكالة إلى أنّه على الرغم من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الرياض، احتفظ بوتين بنفوذه داخل تحالف “أوبك بلس”، فبعد وقت قصير من مغادرة بايدن المملكة العربية السعودية، وصل نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، الذي يدير العلاقة مع “أوبك بلس”، إلى المملكة العربية السعودية، قبل أيام من إعلان “أوبك بلس” عن زيادة طفيفة في إنتاج النفط، ممّا يبقي الضغط على أسواق الطاقة العالمية.
المصدر حفريات