جوزيف دانا
تدرك الصين جيدا التغيرات في السياسة العالمية ومناطق النفوذ، لذلك وجهت استثماراتها ضمن مبادرة الحزام والطريق نحو الشرق الأوسط، فهو وإن لا يبدو في حاجة لقروضها ومساعداتها إلا أنه قد يكون في حاجة لمشاركتها في تطوير الاستثمارات والمشاريع الكبرى، ويتيح لها ذلك توسيع نفوذها في المنطقة خاصة بعدما أشاحت الولايات المتحدة نظرها عن الشرق الأوسط لانشغالها بمواجهة النفوذ الروسي.
وهناك تغيرات كبيرة في “مشروع القرن” الصيني مبادرة الحزام والطريق (بي.أر.أي) ، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل أقل من عقد من الزمان، وتهدف تلك المبادرة لربط الصين بأوراسيا من خلال طرق التجارة البحرية والبرية واسعة النطاق.
وعلى الرغم من الدعاية الإعلامية الكبيرة لمبادرة الحزام والطريق التي تربط الاقتصاد العالمي ببكين، فإن أهداف المبادرة واضحة ومباشرة، فتلك المبادرة هي منصة استثمار صينية توظف رأس المال الصيني عبر مشاريع البنية التحتية في الأسواق الناشئة لتحقيق مكاسب جيوسياسية، واللافت للنظر أن استراتيجية الاستثمار هذه تتحول الآن بعيدا عن الدول التقليدية مثل روسيا والدول الأفريقية للتركيز على المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط.
ويشير النقاد إلى أن مبادرة الحزام والطريق هي شكل من أشكال دبلوماسية فخ الديون لكن باسم آخر، ويعطي الوضع الاقتصادي في سريلانكا مؤشرات على مدى صحة تلك الحجج. ومع ذلك، فإن هذا التركيز الضيق يغفل الأبعاد الجيوسياسية الأكبر للأهداف الحقيقية لمبادرة الحزام والطريق، فمثل العديد من البلدان الغنية في جميع أنحاء العالم، ستقوم الصين دائما بممارسة الإقراض الجائر، وتلك هي الطريقة التي يعمل بها الاقتصاد العالمي، والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو كيف تطورت مبادرة الحزام والطريق إلى وسيلة للتأثير الجيوسياسي الصيني وكيف تحول هذا التأثير ليركز على الشرق الأوسط.
كانت دول مجلس التعاون الخليجي على القائمة الرسمية لدول مبادرة الحزام والطريق منذ بداية المشروع، لكنها لم تكن محور التركيز الأساسي للمبادرة في مراحلها الأولى، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تحتاج إلى القروض الصينية الرخيصة مثل بعض دول أفريقيا وشرق آسيا، وبصرف النظر عن كون دول الخليج نقاط ارتباط حيوية للتجارة في الأسواق الناشئة، فقد كان دورها في مبادرة الحزام والطريق منصبا على الشركاء الإقليميين ومشاريع البناء والطاقة.
حجم الاستثمار في المملكة العربية السعودية نما مؤخرا حيث سحبت الصين الاستثمار في دول أخرى مثل روسيا
ومن وجهة نظر دول الخليج، تعد مبادرة الحزام والطريق رابط دعم حيويا مع الدول الحليفة مثل باكستان ومصر، وقد لعبت الصين دورا محوريا من خلال مبادرة الحزام والطريق في ميناء جوادر ومشروع خط الأنابيب في باكستان وكذلك مشروع تطوير منطقة قناة السويس في مصر. وأصبح الصينيون أكثر علانية حول مصالحهم في الشرق الأوسط، وخاصة في الخليج في السنوات الأخيرة، وعندما كانت أرامكو السعودية تستكشف طرقا مختلفة لتصبح شركة مساهمة عامة، كان المستثمرون الصينيون وبعضهم مدعوما من الحكومة على استعداد لشراء حصص كبيرة في الاقتصاد، وسنعود في ما بعد للحديث حول لماذا غطى ذلك الاهتمام أهدافا أخرى أعمق.
ونما حجم الاستثمار في مبادرة الحزام والطريق في المملكة العربية السعودية مؤخرا حيث سحبت الصين الاستثمار في دول أخرى مثل روسيا.
وذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز الأميركية الشهر الماضي أن إنفاق مبادرة الحزام والطريق في روسيا انخفض إلى الصفر، مع عدم عقد صفقات جديدة في النصف الأول من عام 2022. وفي نفس الفترة أبرمت بكين صفقات بقيمة 5.5 مليار دولار في المملكة العربية السعودية، ونطاق تلك الصفقات غير واضح حيث لم يتم الإعلان عن جميع تفاصيلها، لكن المحللين يعتقدون أن الكثير منها تركز على موارد الطاقة.
ويكشف هذا التحول كيف ستستخدم الصين مبادرة الحزام والطريق في المستقبل ومدى طموحات بكين طويلة الأجل في الشرق الأوسط، وتوضح إعادة التوزيع السريع بعيدا عن روسيا وإلى أجزاء أخرى من العالم مرونة مبادرة الحزام والطريق، وهذه ليست أداة استثمار متراصة ومقاومة للتغيير، بل يمكن تحويل رأس مال المبادرة بسهولة بناء على الاعتبارات الجيوسياسية.
وترزح روسيا تحت رحمة العقوبات الغربية الناجمة عن الصراع الأوكراني، وفي الوقت نفسه، فإن علاقة المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة ليست دافئة على الإطلاق، واستشعارا من الصين لفرصة لترسيخ مكانتها في المنطقة، فقد حولت تركيز تمويل مبادرة الحزام والطريق للتحكم بالعناصر الجيوسياسية، فبدلا من التفكير في مبادرة الحزام والطريق كوسيلة لربط الاقتصاد العالمي بالصين، ربما نحتاج إلى التفكير في مبادرة الحزام والطريق كطريقة لتصدير الصين لإرادتها الجيوسياسية إلى بقية العالم.
ومع انتهاء مهمتها القتالية في العراق والانسحاب الكامل للقوات الأميركية من أفغانستان، ضعف اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، وكشفت رحلة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية وإسرائيل عن اهتمام أميركي فاتر بالمنطقة، ولطالما سعت الصين لموطئ قدم كبير في الشرق الأوسط في معركتها مع الولايات المتحدة من أجل الهيمنة العالمية.
وسيكون الهدف الأخير هو إنهاء هيمنة الدولار الأميركي على تجارة النفط العالمية، وتلك هي أحد أسباب اهتمام الصين بشراء حصة كبيرة في شركة أرامكو السعودية، وفي حين أن عرض الشراء ذلك لم ينجح، فإن زيادة الاستثمار الصيني الأخير في مبادرة الحزام والطريق في الوقت الذي تنحرف فيه الولايات المتحدة بعيدا عن المنطقة ستقرب بالتأكيد هدف بكين خطوة واحدة للأمام. وخطط الصين طويلة المدى لتحل محل الولايات المتحدة كقوة عظمى في العالم ليست سرا، وما عليك سوى تتبع تمويل مبادرة الحزام والطريق بحثا عن أدلة لخطوات بكين القادمة.
المصدر العرب اللندنية