سناء الجاك
سارع مؤيدو “الفكر الخميني” ممن يدورون في فلك “حزب الله” إلى تسييس محاولة قتل الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي على يد الشاب الأمريكي من أصل لبناني هادي مطر.
لقد عملوا منذ اللحظات الأولى للجريمة على الترويج بأنها من صنع المخابرات الأميركية لغاية تتعلق بالمفاوضات النووية مع إيران.
واكبوا ما فعله مستشار فريق التفاوض النووي الإيراني، محمد مرندي، والذي تبنى نظرية المؤامرة في تغريدة على “تويتر”، مستغربا تزامن الهجوم على رشدي، وقرب إحياء الاتفاق النووي وإحباط واشنطن محاولة اغتيال كانت تستهدف مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، وإن حرص على التأكيد أنه لن يبكي على رشدي الذي “ينشر كراهية لا نهاية لها”.
وبناء عليه، تجنَّدت أصوات المريدين لهذا الفكر، لنبش أحداث من الماضي واستحضارها وصولا إلى إبادة الهنود الحمر مرورا بحرب فيتنام للبحث عن “فتاوى” الولايات المتحدة التي أدت إلى ارتكاب جرائم بحق الشعوب، بغاية تبرير ما قام به مطر والتقليل من حجمه.
لكن تبقى حقيقة واحدة تعكسها جريمة القتل، حقيقة لا تقتصر على اللحظة الراهنة وتداعياتها، ولا على نظام شمولي بعينه، لتتجاوزها إلى أن العالم كان ولا يزال تحت رحمة إرساء فكر متطرف يُصار إلى تكريسه وتغذيته بكل الوسائل الترغيبيَّة والترهيبيَّة، بحيث تعتنقه الجماعة، سواء تحت راية الدين أو الأيديولوجيا أو الاضطهاد أو الخوف من الآخر لتبرير جرائم منظمة ومبرمجة.
وإلا كيف نقرأ خوف الكنيسة في القرون الوسطى من أي محاولات فكرية وعلمية وفلسفية واتهام أصحابها بالزندقة وإعدامهم في الساحات العامة وسط هياج الجماهير وهتافاتهم، وكيف نفهم التهليل في عصرنا الحاضر لقتل أبرياء في عمليات إرهابية؟
أين نضع تصنيفات “أعداء الأمة” ممن كانوا ولا يزالون يُعتقلون ويَختفون ويُقتلون جراء حرية التعبير أو الاحتجاج على أوضاع معيشية متردية؟
كيف يمكن تقبُّل ابتهاج فريق باغتيال من يصنفه عدوا في الفريق الآخر وتقديم الحلوى في الشارع احتفالا بهذا الاغتيال، كما حصل في لبنان مرارا وتكرارا؟
ولماذا أشادت صحيفة “كيهان” الإيرانية “بهذا “الرجل الشجاع الواعي بالواجب الذي هاجم المرتد والشرير سلمان رشدي”، ولماذا كتبت صحيفة “جافان”، أمس الأحد، أنها مؤامرة أميركية “ربما تريد نشر الإسلاموفوبيا في جميع أنحاء العالم”، ولماذا قال حزب “تحريك لبيك باكستان”، من إن رشدي “يستحق القتل”؟
هذا الفكر لدى الجماعة هو ما يخيف، وهو من يحرك اليد لتطعن بموجب “فتوى” تتباين الآراء بشأنها، وليس لأن صاحب اليد قرأ واستوعب وفهم ما استوجب صدور هذه الفتوى.
فالفكر المتطرف يرى أن الآخر يعتنق باطلا يجب الكف عنه، ويرفض العمل لإقناع هذا الآخر بأنه يملك الحلال والحق وحده دون سواه، ولا يرضى بغير الطاعة العمياء التي تقتضي إلغاء المنطق الطبيعي والإنساني والأخلاقي والديني الذي يحرِّم القتل في الأساس.
وأخطر ما في هذا الفكر أنه يفاضل بين نسب التطرف، فيدَّعي أنه أفضل ممن هم مجرمون أكثر منه، وكأن اعتماد الكَمَّ والنوع في وليمة الدم مقياس صالح.
وهو يقود جماعة بأكملها إلى حيث لا يمكنها العودة، ما يؤدي في النهاية إلى حروب إبادة.
من هنا ليست يد هادي مطر وحدها من حضَّر للجريمة. صحيح أننا لا نعرف إن كان يتابع بمفرده أخبار سلمان رشدي وتحركاته، وبمجهوده الشخصي استقصى عن موعد المحاضرة، وحمل سكينه وأخفاه بين ثيابه ودخل القاعة وطعنه 15 طعنة في أنحاء وجهه. وربما لن نعرف!!
والصحيح أيضا، أن مطر كان آلة يبرمجها ويحركها فكر الجماعة، سواء بالمباشر أو بغسل الدماغ ليؤمن أن قَتْلُ رشدي فريضةً بموجب “الفتوى الخمينية”.. أما عاقبة هذه الجريمة فتبقى تفصيلا تافها مقابل الأجر الذي سيناله في الآخرة، وفق فكر الجماعة التي تؤاجره خيرا على فعلته هذه، وان صرح المسؤولون عنها بعكس ذلك!!
نقلاً عن “سكاي نيوز عربية”