كريتر نت – متابعات
عكس ما يبديه حزب الله من تصعيد تجاه إسرائيل تزامنا مع المفاوضات غير المباشرة بين الحكومة اللبنانية وتل أبيب، يسود تفاؤل باقتراب استخراج الغاز الحدودي بين البلدين والتوصل إلى تسوية للخلاف البحري. ويرى مراقبون أن تصعيد حزب الله موجه للاستهلاك الداخلي وأنه لا يعارض في حقيقة الأمر التوصل إلى تسوية في أقرب الآجال.
وينتظر لبنان الردّ الإسرائيلي على مقترح تسوية الخلاف البحري بين الجانبين، مع بدء الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة آموس هوكشتاين عرضه على المسؤولين في تل أبيب، وسط تأكيدات بقرب التوصل إلى تسوية لا يعارضها حزب الله، عكس ما يبديه من تصعيد كلاميّ.
ومع اقتراب موعد بدء ضخ الغاز في سبتمبر المقبل، يزداد التصعيد في التصريحات من جانب جماعة حزب الله من جهة، والمسؤولين الإسرائيليين من جهة ثانية.
واعتبر محللون لبنانيون أن التصعيد بين الجانبين ليس إلا للاستهلاك الداخلي، سواء من جانب حزب الله أو من جانب إسرائيل.
وعادة ما يلجأ السياسيون في إسرائيل إلى توظيف العداء مع حزب الله كلما كانت مقدمة على انتخابات برلمانية مبكرة، كما هو حالها الآن، فيما وضع محللون تصعيد حزب الله في خانة الضغط على الحكومة اللبنانية لتحسين شروط تفاوضها مع إسرائيل في ظلّ الأزمة الاقتصادية.
ويقول الباحث السياسي أمين قمورية إن “العمل العسكريّ غير وارد في الوقت الحاليّ، وإذا كان هناك عمل عسكري لا بد منه سيكون محدودا جدا وينتهي بردّ محدود جدا”.
ورأى أن “الغاية من تهديد حزب الله ورفع مستواه هي الضغط على الحكومة اللبنانية لمنع استغلال إسرائيل للظروف الاقتصا
ناجي ملاعب: تصعيد حزب الله هو مزايدة كلامية لا أكثر
دية والمعيشية الخانقة التي يمرّ بها لبنان، واستخدامها ذريعة لتقديم تنازلات”.
وتابع “الطرفان، إسرائيل وحزب الله، لا يريدان الحرب لأسباب داخلية، وخاصة إسرائيل المقبلة على انتخابات برلمانية مبكرة ومن ثم تشكيل الحكومة”.
ورجّح أن “تذهب الأمور في هذا الموضوع إلى تأجيل وليس تفجير، لأنه لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل ولا لبنان بحاجة إلى مشكلة جديدة، وإنما التسوية واردة وكذلك سحب فتائل الانفجار مثل توقف العمل بحقل كاريش بانتظار تسوية ما”.
وفي يونيو 2022 استعانت إسرائيل بسفينة يونانية مخصّصة لإنتاج الغاز وتصنيعه وتخزينه، حيث بدأت التحضيرات لاستخراج الغاز من حقل كاريش الذي يقع عند الحدود بين لبنان وإسرائيل.
ومطلع أغسطس الجاري قال مصدرٌ لبنانيّ رفيع المستوى إن لبنان أكد لهوكشتاين تمسّكه بالخط 23 الحدودي وحقل قانا النفطيّ كاملا، ورفضه مشاركة استخراج الغاز وعائداته مع إسرائيل.
وفي الحادي عشر من الشهر الحالي أوضح نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بو صعب أن “الاعتداء على قطاع غزة أخّر ملفّ الترسيم (الحدود)، وليس لدينا وقتٌ مفتوح إلى ما لا نهاية، وحفاظا على الاستقرار من المفترض أن تنتهي المهلة قبل سبتمبر المقبل”.
وفي السادس والعشرين من يوليو 2022 هدّد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بأنه “لا يوجد هدف إسرائيلي في البحر أو في البر لا تطاله صواريخ المقاومة الدقيقة”.
وقال نصرالله في كلمة متلفزة بثتها وسائل إعلام محلية، إن “المطلوب الالتزام بالحدود التي تطلبها الدولة اللبنانية ورفع الفيتو عن استخراج النفط والغاز في لبنان”، وشدّد على أن “المهلة غير مفتوحة، وإنما حتى سبتمبر المقبل”.
وبين هذا وذاك، يواصل المسؤولون الإسرائيليون وحزب الله اللبناني تبادل التهديدات على خلفية الخلاف حول الحدود البحرية، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أن “إسرائيل مستعدة لمواجهة أي تهديد من الحزب”، لكنها “لا تريد التصعيد”.
وأضاف لابيد، خلال جولة في المنطقة الحدودية مع لبنان أواخر يوليو الماضي، أن “من يحاول استهداف إسرائيل أو مواطنيها سيكتشف أنه ارتكب خطأ كبيرا”، معتبرا أن “نشاطات حزب الله تعرّض لبنان واللبنانيين للخطر”.
ويتنازع لبنان وإسرائيل على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا، وفق خرائط مودعة من الطرفين لدى الأمم المتحدة، وتتوسط الولايات المتحدة في المفاوضات غير المباشرة لتسوية النزاع وترسيم الحدود البحرية بينهما.
وكانت مفاوضات “غير مباشرة” انطلقت بين بيروت وتل أبيب في أكتوبر 2020، برعاية الأمم المتحدة، بهدف ترسيم الحدود بين الجانبين، حيث عُقدت 5 جولات من التفاوض كان آخرها في مايو 2021.
وخلال إحدى جولات التفاوض قدّم الوفد اللبناني خارطة جديدة تدفع بحق لبنان في 1430 كيلومترا إضافية، وبأن المساحة المتنازع عليها هي 2290 كيلومترا، وهو ما رفضته إسرائيل وأدّى إلى توقف المفاوضات.
أمين قمورية: تصعيد حزب الله يهدف إلى رفع سقف التفاوض
وبين أكتوبر 2020 ومايو 2021 عقد الطرفان 5 جولات من المحادثات في مقرّ الأمم المتحدة بمنطقة الناقورة جنوبيّ لبنان، إلا أن المحادثات جُمّدت لاحقا بسبب خلافات جوهرية.
ويرى المحلل السياسي طوني بولس أن كلّ هذا التصعيد بين حزب الله وإسرائيل حربٌ نفسية وكلامية يستفيد منها الطرفان، وخاصة إسرائيل القادمة على انتخابات برلمانية مبكرة، وهي لا تقدم على أيّ حرب تجاه لبنان أو حزب الله تحديدا.
وقال إن “إسرائيل قد تلجأ إلى توتير الأوضاع عبر أحداث أمنية محدودة لتستفيد منها في الانتخابات، والأمر نفسه بالنسبة إلى حزب الله المتأزّم داخليا وخاصة مع بيئته نتيجة الوضع الاقتصادي المتردّي الذي وصل إليه لبنان”.
وقال الخبير العسكري العميد المتقاعد ناجي ملاعب، إن “تصعيد حزب الله هو مزايدة لم تكن في محلّها قانونيا وشرعيا ودوليا، لأنه أعلن مرارا أنه خلف قرار الحكومة اللبنانية”.
واعتبر أنه “عندما تنازلت الحكومة اللبنانية عن الخط 29، أصبح حقل كاريش حقلا إسرائيليا بالكامل، ما يعني أن المسيّرات التي أطلقها الحزب فوق هذا الحقل بلا معنى وليس لها مبرّر أو مستند رسمي لبناني”. وبحسب ملاعب “لا يمكننا الحديث عن استخراج النفط والغاز من مياهنا بمعزل عمّا يجري في أوروبا”.
وأكد أن “الهدف الأميركي هو البحث عن بديل للغاز الروسي، وهذا الأمر لم يكن فقط نتيجة الأحداث الأوكرانية الأخيرة”، مشددا على أن “الاهتمام الأميركيّ بالغاز بشكل عام هو ما يحرّك ملفّ الترسيم بين لبنان وإسرائيل”.
وأشار ملاعب إلى أن “تنازل لبنان عن الخط 29 الذي يقع ضمنه جزء من حقل كاريش هو أقصى ما يمكن تقديمه مقابل اعتراف إسرائيل بسيادة لبنان الكاملة على حقل قانا الذي يقع ضمن الخط 23”.
وحول الردّ الأنسب للطرفين المنتظر من الوسيط الأميركي، تساءل ملاعب “هل سيأتي هوكشتاين بِردّ أن إسرائيل تستخرج الغاز من حقل كاريش مقابل السماح للبنان بالتنقيب في حقل قانا؟” وتوقّع أن “هذا سيؤجل المفاوضات بين الجانبين إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية واللبنانية أيضا”.
ويأمل سياسيون لبنانيون في أن تساعد الموارد الهيدروكربونية المحتملة قبالة الساحل اللبناني في انتشال البلاد المثقلة بالديون من أعمق أزمة اقتصادية تواجهها.
ومن شأن الاتفاق أن يجلب أرباحا للبلدين من مخزونات الغاز الموجودة في المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي سيساعد لبنان في التخلص من أزمته الاقتصادية.
ووفق الاتفاق البحري المحتمل، ستحصل شركات طاقة دولية على حقوق بالبحث واستخراج الغاز الطبيعي، ومن ثمّ يتفق الطرفان على وسيط دولي سيحدد مستوى الأرباح التي ستحصل عليها كل دولة.
ومنذ أكثر من عامين، يعاني لبنان أزمة اقتصادية حادة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قيمة العملة المحلية “الليرة” وشح في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، إضافة إلى هبوط حاد في قدرة المواطنين الشرائية.