كتب – أ/عادل الزريقي .
يقع وادي زريقة اليمن أو غيل اليمن كما يطلق عليه البعض ، في عزلة زريقة اليمن مديرية المقاطرة محافظة لحج ، ويمتد من قرية السمين مرورا بقرية البرح وقرى قعرور والشرق وحجير اليمن والنمرية والنجلة وانتهاء بقرية الحجاج ، بطول خمسة وعشرين كيلو متر تقريبا ، والى أواخر عقد السبعينيات من القرن العشرين كانت تجري فيه الغيول معظم أيام السنة ، بالذات في أيام فصل الصيف ، وتنبع عيون المياه النقية العذبة في أماكن متعددة من أجزائه ، وكان المواطنون الساكنين على جانبيه يعتمدون عليها بإستخدامها كمياه للشرب ، ضف إلى ذلك اعتمادهم على مياه الغيول ، في زراعة النخيل والكراث، والطماطم والبسباس، والبصل والحبوب ، والليمون والفجل ، والموز والجوافة ، وفاكهة المانجو التي دخلت حديثا ، حيث كانت هذه المنتجات الزراعية تغطي احتياجات السكان القريبة من الوادي ، بل ويتم تلبية الإحتياجات من هذه المنتجات الزراعية لسكان القرى الواقعة ضمن الإطار الجغرافي لعزلة زريقة اليمن ، وبعض قرى عزلة زريقة الشام ، كقرية إقيان و الحيار والنبة والسحة ، وأجزاء من قرى المقاطرة الغربية ، مثل قرى النجيشة ، وقرية العقرة والمصعد والمنزل وغيرها من القرى الواقعة في وادي أديم ، وبعض قرى مديرية الشمايتين محافظة تعز ، المتاخمة لمديرية المقاطرة ، كقرى وادي الصحى وقرية النقيل ، سواء عن طريق عرضها للبيع بصورة أسبوعية في سوق الثلاثاء ، الذي يرتاده المواطنون بشكل أسبوعي ، لشراء احتياجاتهم ، أو عن طريق توزيعها بالحمير لهذه القرى ، بخلاف فاكهة التمور التي توزع على نطاق أوسع وإلى اليوم ، ولكن بكميات قليلة ، بعرضها للبيع في أسواق مدينة التربة محافظة تعز ، التي يتسابق على شرائها المواطنون ، لجودتها العالية ومذاقها الحلو ، ولخلوها من أي محسنات كيميائية .
ضف إلى ذلك أن السكان القاطنون على ضفتي الوادي ، كانوا يهتمون إلى درجة كبيرة بتربية الحيوانات ، وكان حينها سوق الثلاثاء الاسبوعي يزدحم بالكثير من العجول والتيوس والكباش وغيرها من الحيوانات ، وكان ملتقى للكثير من القماطين الذين يتوافدون إلى المكان المحدد للسوق من مختلف المناطق القريبة والبعيدة ، لشراء الحيوانات ، لرخصها وجودتها ، ويرجع سبب ذلك لتوفر المساحات الزراعية على جانبي الوادي التي تزرع فيها الأعلاف التي تتغذى منها الحيوانات .
جزء كبير مماسبق ذكره يعتبر من سجل التاريخ الذهبي الغابر لهذا الوادي العريق ، ومن وحي الذكريات الجميلة له ، التي لازالت عالقة في عقول الكثير من الناس إلى اليوم .
الذي أبدع الخالق في صنعه ، وبذل الآباء والأجداد قصارى جهودهم ، في بناء الجدران وإقامة المساند من أجل الحفاظ على التربة من الإنجراف جراء السيولو، وزراعة مختلف الأشجار ورعايتها وتربيتها .
أما حاليا رغم إستمرار جريان المياه في بعض أجزاء الوادي ، لكن أكثر المواطنين فضلوا الغربة عن الاستقرار والعمل في الزراعة ، خصوصا وأن السيول قد جرفت جزء كبير من الأراضي الزراعية ، واجتثت أعداد كثيرة من أشجار النخيل وكادت أن تقضي على ماتبقى ، ولم يعد الحال كما كان عليه في الماضي .
فالإنسان المعاصر لجزء من الماضي الذهبي لهذا الوادي ولحال وواقع الوادي الأليم اليوم ، حينما يمر اليوم فيه سواء للسفر أو للسياحة والتنزه ، بالتأكيد تحصل لديه المقارنة بين عصرين متناقضين ، الشق الأول من المقارنة يتمثل بعظمة وقدرة الآباء والأجداد ، الذين استطاعوا رغم قلة عددهم وإنعدام الإمكانيات والتقنيات الحديثة ، أن يحافظوا على التربة الزراعية من إنجرافات السيول وزراعة النخيل ، ورعايتها وحمايتها وهي صغيرة من السيول ، كما أنه تثار عدة تساؤلات في عقل المرء حول ذلك من ضمن تلك الأسئلة ، كيف تمكن تلكم الناس من رعاية وحماية أشجار النخيل وهي صغيرة وضعيفة من السيول رغم إنعدام الإمكانيات حينذاك ، ولماذا نحن عجزنا من حمايتها وهي كبيرة وقوية مع وجود الامكانيات ؟! وماهي القدرات الخارقة التي كانوا يتسمون بها ؟! هل أن السيول التي تمر اليوم في الوادي وتجتث النخيل رغم ضخامتها وقوتها وبعدها عن وسط الوادي كانت لا تمر في هذا الوادي كما هو عليه الحال الآن؟! أم أن الأمر غير ذلك ؟!.
كذلك يحس المرء بالحزن والأسى حين يرى بين لحظة وأخرى ، نخلة على يمينه وأخرى على يساره طريحة على الارض من أثر السيول ، شاهدة بذلك الحال المزري على أصالة الآباء وكفاءتهم وإهمال الأبناء ولامبالاتهم.
وفي الأيام الأخيرة لم تكن هي العوامل الطبيعية كجرف السيول للتربة الزراعية واقتلاع أشجار النخيل هي الوحيدة من ساهمت في القضاء على التربة والاشجار ، بل هناك كما نسمع ونقرأ ونرى بأعيننا أيادي إنسانية عابثة أعلنت إنظمامها إلى تلك العوامل ، بالقيام بتدمير المدمر وتخريب المخرب بإحداث حفريات في وسط وجوانب الوادي للحصول على مادتي النيس والكري وبيعها لاصحاب الناقلات الذين يقومون ببيعها بعد ذلك في مدينة التربة ، وقرى القريشة والحضارم والاصابح والعزاعز وغيرها من المناطق ، محدثة بذلك أضرار كبيرة على أراضي المواطنين وعلى الاشجار عند مرور السيول ، ناهيكم إلى إعاقة طريق المواصلات ، خصوصا وأن الوادي ليس كالأودية الأخرى من حيث الإتساع فالمسافة بين الجبال المحيطة به قصيرة وبالتالي تكون الأضرار الناتجة عن تلك الحفريات كبيرة ، وإلى حد اللحظة لم يجد أولئك العابثون من يردعهم أو يضع حدا للمهزلة التي يقومون بها ، ومن يعترضهم أو يحاول أن يمنعهم من المواطنين يهددونه بالسلاح أو يوقفونه باللقافة وبذاءة الكلام .
وعلى إثر ذلك نطالب من الجهات المختصة بمديرية المقاطرة ومحافظة لحج ، بتوقيف ذلكم الناس الذين يقومون بإجراء الحفريات بالوادي لوقف المزيد من الآثار السلبية التي تحدثها السيول سواء على التربة أو على الأشجار من نخيل وغيرها .
وأن تقوم هذه الجهات بلفت إنتباه المنظمات والجهات المانحة لهذا الوادي لدفعها للتدخل كإقامة المساند أو الجدران التي تحافظ على ماتبقى من تربة زراعية على جنبات الوادي .
ودعم المزارع بالبذور وتقديم العون والمساعدة له في مختلف الجوانب من أجل إعادة بناء بعض المدرجات التي تهدمت ،وتفعيل دور مكتب الإرشاد الزراعي ودعمه بالمواد والموظفين المختصين حتى يعود جزء من المجد لهذا الوادي .