هند سليمان
صحفية مصرية
في انفجار استهدف والدها، وفقاً لتحقيقات أولية، وهزّ موسكو والأوساط السياسية والعسكرية الروسية على حد سواء، لقيت المحللة السياسية والإعلامية الروسية داريا دوغين، ابنة الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، مصرعها في انفجار سيارة والدها في أحد ضواحي العاصمة الروسية موسكو.
وبحسب وكالة “سبوتنيك” الروسية، فإنّ التفجير كان يستهدف المفكر والكاتب القومي المتشدد ألكسندر دوغين الذي أعار سيارته لابنته داريا للتنقل بها هذه المرة، قبل أن تنفجر بها على طريق “موجايسك” السريع الواقع في منطقة أودينتسوفو في ضواحي موسكو.
ونقلت “سبوتنيك” عن رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية، دينيس بوشيلين قوله، على صفحته الخاصة على منصة “تليغرام”: “حاول إرهابيو النظام الأوكراني القضاء على الفيلسوف والمفكر ألكسندر دوغين فقتلوا ابنته، وهم متورطون في الحادث”.
وقبيل الانفجار، حضر دوغين، وهو فيلسوف سوفياتي وروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع ومترجم وشخصية عامة، وابنته كضيوف شرف في مهرجان أقيم بالقرب من موسكو، حيث ألقى الفيلسوف محاضرة، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، التي نقلت عن وسائل إعلام روسية قولها: إنّ دوغين كان من المقرر أن يعود برفقة ابنته في السيارة نفسها، قبل أن يتخذ قراراً في اللحظة الأخيرة أن يتنقل بشكل منفصل عنها.
لماذا دوغين؟
برز دوغين مؤخراً كواحد من أكثر المؤثرين في صناعة القرار الروسي، ولا سيّما قرار الحرب الأوكرانية الجارية، وتصفه بعض الدوائر بأنّه “عقل بوتين” لتأثيره المزعوم على آراء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي 20 آذار (مارس) الماضي؛ أي خلال الشهر الأول للحرب الروسية الأوكرانية، لم ينكر دوغين، في حوار مع قناة “الجزيرة” القطرية، تأثيره ونفوذه القوي على الرئيس الروسي، لافتاً إلى أنّ تصوراته تلتقي مع تصورات بوتين، خاصة حول القضايا الجيوسياسية، فهو “ينظّر، وبوتين يطبّق” على أرض الواقع.
ودوغين هو زعيم الحركة الأوراسية الدولية، ومؤلف النظرية السياسية الرابعة التي ترى نفسها الخطوة التالية لانتهاء المدارس السياسية الـ3: الليبرالية والاشتراكية والفاشية.
ويهدف نشاطه السياسي إلى إنشاء قوة عظمى أوراسية من خلال اندماج روسيا مع الجمهوريات السوفييتية السابقة في الاتحاد الأوراسي الجديد .
بدأ دوغين دراسة الطيران في معهد موسكو، قبل أن يغير مسار حياته لاحقاً، فبحسب رواية سيرته للكاتب الروسي يفغيني دياكونوف، عدّل طريقه لينتقل إلى دراسة الفلسفة، وليحوز فيها درجة الدكتوراه، ومن ثم يعرّج على العلوم السياسية ليضاعف درجاته العلمية بدكتوراه أخرى.
ومبكراً، في أعوام تفكيك الاتحاد السوفياتي، نشط دوغين ضد ما رأى أنّه توتاليتارية وسلطوية، ومن ثم شارك في الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى إسقاط يلتسين.
لم يترك دوغين لحظة سقوط الاتحاد السوفياتي تمر من غير تحليل رصين، خلُص منه إلى أنّ الخسارة الكبرى التي حلت ببلاده لم تكُن بسبب الحرب الباردة، بل لانتمائها إلى ما يسمّيه بـ”حضارة اليابسة”، في مقابل حضارة البحر والأطلسي، تلك التي أبدع فيها الأمريكيون والأوروبيون على حدٍّ سواء.
وقدّم دوغين إلى العالم كتابه المعنون: “الخلاص من الغرب/ الأوراسية/ الحضارات الأرضية في مقابل الحضارات البحرية والأطلسية”، وفيه رؤية ناقدة أقرب ما تكون إلى الناقمة على الليبرالية المنفلتة، إن جاز التعبير.
وتبدو جذور دوغين الروسية الأرثوذكسية واضحة للعيان، ولا سيّما من خلال كتبه وتحليلاته المعمقة، بشكل قد يوحي بأنّه من أنصار “مدينة الله”، في مواجهة “مدينة العالم”، بحسب التقسيم الذي أرسى جذوره سان أوغستين في “مدينة الله”.
ضخّ دوغين دماء جديدة في عروق روسيا مع وصول بوتين إلى سدة الكرملين عام 2000، منتقلاً من صفوف المعارضة إلى معسكر المنافحين والمدافعين عن “روسيا الجديدة”، وقد رفع صوته تجاه استحقاقات الطرح الأوراسي، بنوع خاص… ماذا عن هذه الجزئية تحديداً؟
ومنذ 2014 يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على دوغين الذي يؤثر على جزء من اليمين المتطرف الفرنسي، في أعقاب ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا.
وقد حظرت أوكرانيا في الأعوام الأخيرة العديد من كتبه؛ ومنها “أوكرانيا، حربي، يوميات جيوسياسية”، “انتقام روسيا الأوراسي”.
صدمة وانهيار
تظهر لقطات لم يتم التحقق من صحتها، نُشرت على تيليغرام، دوغين وهو يشاهد ما يحصل وهو في حالة من الصدمة، بينما تصل خدمات الطوارئ إلى مكان حطام السيارة المحترق، وفق “بي بي سي”.
ونقلت “روسيا اليوم” عن الخبير السياسي سيرغي ماركوف إعلانه، على قناته على تطبيق “تليغرام”، نقل دوغين إلى المستشفى بعد وفاة ابنته داريا دوغينا.
ما مدى تورط كييف؟
الخبير السياسي الروسي ماركوف أشار في إعلانه إلى تورط كييف في محاولة اغتيال دوغين، ولا سيّما في ضوء تأثيره الكبير على الرئيس الروسي، قائلاً: “الأشخاص الوحيدون الذين يفرحهم هذا الحادث هم من أنصار نظام كييف.”
ونقل “مرصد مينا” عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها: إنّه “حال ثبوت ضلوع أوكرانيا في اغتيال ابنة دوغين، فسيكون ذلك من أشكال إرهاب الدولة الذي تتبناه كييف”.
عمل مدبّر
اللجنة المكلفة بالتحقيق في مقتل ابنة دوغين عبّرت عن اعتقادها بأنّ انفجار سيارتها، الذي قتلت على إثره مساء أمس السبت، “عمل مدبّر ومخطط له مسبقاً”.
ونقلت وكالة “سبوتنيك” عن اللجنة قولها: “ندرس البيانات التي حصلنا عليها للتو، يعتقد المحققون أنّ الجريمة مخطط لها مسبقاً ومقصودة”، موضحة: “في الوقت الحالي تأكد أنّه كانت هناك عبوة ناسفة مزروعة في الجزء السفلي من السيارة تحت مقعد السائق، وقد قُتلت داريا دوغينا التي كانت تقود سيارتها فور وقوع الانفجار”.
المصدر حفريات