سامح إسماعيل
كاتب مصري
تقع جمهورية تتارستان عند السفوح الغربية لجبال الأورال، الحد الفاصل بين آسيا وأوروبا، وتبلغ نسبة المسلمين فيها نحو 70 في المئة، من عدد السكان البالغ نحو 4 ملايين نسمة، وهي كيان فيدرالي ضمن الاتحاد الروسي.
ولم يستثن الإخوان المسلمون الجمهورية ذات الأغلبية المسلمة من أجندتهم، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، وفي أعقاب سقوط الاتحاد السوفياتي، أرسل الإخوان دعاتهم إلى تتارستان، وانطلقت أنشطة الجماعة هناك من خلال الخدمة الاجتماعية؛ عبر تنظيم وجبات مجانية للمسنّين، وتكثيف أنشطة رعاية الأطفال، وكذلك تنظيم أمسيات ثقافية تتخللها مواعظ دينية، وبحسب رايس سليمانوف، رئيس مركز الفولغا للدراسات الإقليمية والعرقية والدينية، فقد حقّق الإخوان انتشاراً كبيراً في تتارستان، من خلال خطب الدعاة العرب، الذين اعترف المجلس الروحي لمسلمي تتارستان، بأنّ كتبهم لا تتوافق مع المذهب الحنفي التقليدي للتتار.
الإخوان وحركة الشريط الأبيض
نجح الإخوان المسلمون في الترويج لفكرة الحاجة إلى تسييس الإسلام؛ بداعي دفع المسلمين إلى المشاركة بنشاط في العمل السياسي، ليس كمواطنين أفراد، ولكن كمجتمع ديني جماعي، وبناء على ذلك، أعلن الإخوان المسلمون رغبتهم في المشاركة في حركة الشريط الأبيض، التي نشأت بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية في روسيا، في الفترة من كانون الأول (ديسمبر) 2011 إلى آذار (مارس) 2012. وأعدت الجماعة ما يسمى بـ “الميثاق المدني الإسلامي”، والذي كان الغرض منه إشراك المسلمين الروس في الإجراءات السياسية الجماعية المناهضة للحكومة.
وعلى الرغم من قرار المحكمة العليا للاتحاد الروسي، الصادر في 14 شباط (فبراير) العام 2003، والقاضي بحظر أنشطة الجماعة في كلّ أنحاء روسيا الاتحادية، واصل الإخوان عملهم بين المسلمين، بسريّة تامة، عن طريق الخلايا الاجتماعية النشطة، عبر تقديم الخدمات بمختلف أشكالها.
التنسيق مع السلفيين
بحسب الموقع الرسمي للإدراة الروحية للمسلمين في تتارستان، الناطق بالروسية، فإنّه، ومع تنامي دور الجماعة، انعقد في 5 نيسان (أبريل) 2012، اجتماع لنادي خبراء كازان الدائم، التابع للمعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية (RISI) في عاصمة تتارستان، حول موضوع الإخوان المسلمون في روسيا: الاختراق، وطبيعة نتائج النشاط على المجتمع المسلم في البلاد، ونظمه مركز الفولغا للدراسات الإقليمية والعرقية والدينية؛ حيث أشار الخبراء إلى أنّ جماعة الإخوان المسلمين في روسيا أكثر دقة وسرّيّة، على عكس السلفيين، ويمارس الإخوان دعايتهم بزعم أنّهم مسلمون عصريون، ينشطون في المجال الاجتماعي؛ من أجل كسب شعبية بين السكان المحيطين وكسب السلطة أيضاً.
وبحسب فريد سلمان، رئيس مجلس علماء الرابطة الروسية للاتفاق الإسلامي، ومدير مركز دراسة القرآن الكريم والسنّة النبوية، فإنّه من الصعب للغاية رسم خط فاصل واضح بين السلفية والإخوان؛ وعليه فإنّ التيار السلفي في تتارستان، يبدو قريباً من الإخوان؛ حيث نشأ بين الطرفين ما يشبه التحالف الإستراتيجي، ومن خلاله يعمل الإخوان على إعادة تأهيل الوهابية في عيون المسلمين الآخرين.
يعتقد الباحث في مركز الدراسات الإسلامية، التابع لأكاديمية العلوم بجمهورية تتارستان، رستم نورغاليف، أنّه في روسيا الاتحادية، وخاصّة في تتارستان، نشأ جيل من الشباب المسلم، على أيديولوجيا مستوردة من الخارج تشمل منهج الإخوان، بالتزامن مع توجه الشباب التتاري المسلم نحو المراكز الدينية العربية، مطالباً بالتعامل مع هذه القضية بمسؤولية؛ حيث أدى ذلك إلى توجه بعض الشباب إلى سوريا والعراق وليبيا؛ الأمر الذي دفع الحكومة إلى التشديد على إجراءات سفر الشباب إلى الخااج، وبالتحديد إلى الدول التي ينشط فيها الإخوان؛ حيث جرى استهداف هؤلاء من قبل الجماعة، خاصّة الذين ذهبوا لدراسة العلوم الدينية في الأزهر.
من المعارك الرمزية التي خاضها الإخوان في تتارستان، كانت معركة الحجاب، حيث شدّدت المحكمة العليا في روسيا، عام 2013، على قرار سلطات إقليم ستافروبول الروسي بحظر ارتداء الحجاب في مدارس الإقليم
ينتشر الإخوان كذلك من خلال الأدب الديني؛ حيث تقوم دور نشر بعينها بنشر كتب الإخوان وأدبياتهم، وكذلك المحتوى الثقافي الذي يروج لأجندتهم، ورصد أرسين خيزرييف، الدارس في معهد الدراسات الشرقية، التابع لأكاديمية العلوم الروسية، دور نشر تقوم بذلك وهي: Santlada، Uma، Badr، بالإضافة إلى المحتوى المطبوع عبر فضاء الإنترنت.
وكونهم جماعة ضغط إسلامية، يحاول الإخوان المسلمون عبر وسائل الإعلام، إقناع السلطات بضرورة دعم رموزهم، والحد من الدور الروسي في سوريا، ونشر دعاية معادية لمصر، وعندما دعا يوسف القرضاوي إلى مقاطعة البضائع الروسية، زعم الإخوان أنّ تصريحات القرضاوي أسيء فهمها، وأنّه لم يدعُ إلى المقاطعة بالمعنى الدارج.
معركة الحجاب
من المعارك الرمزية التي خاضها الإخوان في تتارستان، كانت معركة الحجاب؛ حيث شدّدت المحكمة العليا في روسيا، في العام 2013، على قرار سلطات إقليم ستافروبول الروسي، بحظر ارتداء الحجاب في مدارس الإقليم.
وعلى الرغم من أنّ القضية كانت حقوقية في المقام الأول، وتضامنت فيها تيارات علمانية متعددة مع اتحاد المنظمات الإسلامية هناك؛ للضغط على إدارة التعليم في جمهورية تتارستان، الأمر الذي نتج عنه السماح لإحدى مدارس العاصمة كازان، للطالبات بارتداء الحجاب، باعتبار المنع أمراً مخالفاً لسياسات النظام التعليمي في الجمهورية، وأنّه لا يحق منع الحجاب، احتفى الإخوان بالقرار، باعتباره حصيلة جهودهم فقط، بزعم أنّ الجماعة هي الراعي الرسمي للمسلمين هناك.
جدير بالذكر أنّ الكلية الطبية في مدينة أومسك الروسية، تراجعت هي الأخرى عن منع طالباتها من ارتداء الحجاب، دون أيّ جهود إخوانية في هذا الصدد.
معركة صحيح البخاري
مع تزايد التمدد الإخواني في تتارستان، حاولت السلطات تضييق الخناق على التنظيم، وتجفيف منابعه الدينية؛ ليصدر قرار من المحكمة الجزئية، في أوائل العام 2015، بمنع تداول صحيح البخاري، والمطالبة بحجبه على المواقع الإلكترونية.
نشطت المنابر الإخوانية في محاولة لإثناء السلطات عن تنفيذ الحكم، ووظّفت الحدث لتجنيد المزيد من الشباب المسلم ضمن التنظيم، خاصّة في الجامعة الإسلامية الروسية، بالعاصمة كازان، والتي باتت نقطة جذب للطلاب المسلمين من مختلف أنحاء روسيا، وطلاب الجمهوريات الإسلامية.
المصدر حفريات