يمينة حمدي
كل اتصال هاتفي أجريه مع صديقتي في تونس لا يبث فيّ إلا الإحساس بالحزن والكآبة، والأسوأ أنها قد أصبحت تعيش وسط حلقة مغلقة من التذمّر والشّكوى، وهي دائما في حالة مزاجية سيئة.
لا تذكر صديقتي سوى الأشياء والمواقف السلبية، التي حدثت لها في حياتها اليومية، ومهما حاولت إبراز الجوانب المشرقة في الحياة، فإنها ترى أن مستقبلها ميؤوس منه.
المشاعر السلبية التي تنتاب صديقتي ليست سوى جزء من موجة تعاسة ويأس تنتشر من المحيط إلى الخليج العربي، بين أجيال صغيرة السن، ومع ذلك تشعر أنها بالكاد ترتبط بالحياة، وبأوطان لم توفر لها غير شظف العيش وامتهان الكرامة.
تبدو أزمة الصحة العقلية لدى صغار السن أمرا معقدا، ولكن ثمة مقولة سائدة تشرح بدقة هذا الواقع: “عندما ترى شعبا سعيدا مزدهرا، فاعلم أن خلفه نظاما سياسيا عادلا، وعندما ترى شعبا مكسورا مذلولا، فاعلم أن نظاما قمعيا يقبع على صدره”.
الموجة التشاؤمية في المجتمعات العربية أكبر من كونها “مشكلة نفسية”، بل هي مرتبطة بنوعية الحياة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية وانعدام الرفاهية الشخصية.
لا عجب إذن أن يتصدر الأردن مؤشر الشعوب الغاضبة للعام 2022 الصادر عن شركة الأبحاث العالمية غالوب، ويحل العراق في المركز الرابع بالقائمة التي استطلعت آراء شعوب أكثر من 100 دولة، فيما تبوّأ لبنان المركز الأول في مسح المشاعر السلبية الذي يصنف الدول الأكثر غضباً في العالم.
في المقابل برز بشكل ملفت للنظر في المجتمعات العربية تيار من رواد التنمية البشرية وخبراء علم النفس الإيجابي، وهو اتجاه معاصر يقدم طرقا بديلة لمساعدة الأشخاص المحبطين في التغلب على مشكلاتهم، بالاعتماد على إستراتيجيات التفكير الإيجابي.
وحسب هؤلاء الخبراء، فإن الأفكار السلبية والتشاؤمية تقف في طريق الإحساس بالسعادة والنجاح في الحياة.
من الجيد أن نرى هذا المبدأ الإرشادي يقدم المساعدة للناس، وينقذهم من الغرق في بؤرة الإحباط وخيبة الأمل، لكن في الحقيقة التفكير الإيجابي ينبغي أن يمتزج كذلك بالواقعية؛ فليس من المنطقي أن ندعو الناس إلى التفاؤل في حين أن الأوضاع سيئة من كل النواحي مهما حاولوا النظر إليها بشكل إيجابي.
لا أحد ينكر مزايا التعامل بإيجابية مع الأزمات والصعوبات، لكن لا شك أن الحفاظ على التفاؤل من الصعب أن يؤدي إلى تغيير الواقع القاتم الذي أصبح يعيشه المواطن العربي أو النظر إليه بمنظار وردي، فأحلام اليقظة لا تقود إلا إلى الإحباط.
ربما يستسهل البعض فكرة الصبر على المكاره وتقبل الصعوبات برحابة صدر، لكن التحلي بالتفاؤل في أفق سياسي مظلم وفي زمن يعاني فيه المواطن العربي الأمرّين في سبيل توفير رغيف خبز أو قارورة غاز أمر أبعد من أن يُحل بالتنظير.
هذا يعني أن الفجوة في علاج المحبطين بالاعتماد على مبادئ التفكير الإيجابي تبدو شاسعة، في ظل واقع تسيطر عليه الصراعات السياسية والدينية والخطابات الأيديولوجية والطائفية والعشائرية والقومية والجهادية والتكفيرية.
لكنني على يقين أن الأمراض النفسية قابلة للشفاء، أما الأمراض السياسية فإذا لم يتم تشخيصها ومعالجتها فستكون سبب الداء العضال الذي قد لا ينفع معه أي دواء.
نقلاً عن العرب اللندنية