رشا عمار
صحفية مصرية
يأبى الصراع المحتدم داخل جماعة الإخوان
المسلمين أن ينتهي أو يهدأ، دون أن يجرف
معه ما تبقى من الهيكل التنظيمي المترنّح
والقيادة الشائخة”، هكذا يصف مراقبون تحدثوا لـ”حفريات”، عن آخر تطورات الصراع بين
جبهتي؛ “لندن” و”إسطنبول”، والوضع الراهن داخل جماعة الإخوان المسلمين التي تعاني أزمة صراعات طاحنة أوشكت تكتب نهايتها.
وشهدت الأيام القليلة الماضية تطورات متسارعة في مسار الأزمة الإخوانية، بعد انعقاد أول
اجتماع لمجلس الشورى العام، المُشكّل حديثاً من جانب إبراهيم منير ومجموعة لندن، والاتفاق حول عدد من القرارات التي من شأنها إقصاء محمود حسين ومجموعة الإخوان في
إسطنبول نهائياً، وحسم الصراع لصالح منير
وجبهته، بحسب المختصين.
ما تفاصيل اجتماع إسطنبول؟
بالحديث عن تفاصيل الاجتماع، والتشكيل
الجديد لهيئة مجلس الشورى العام، يقول
الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب أحمد سلطان: إنّ “إبراهيم منير قد
وسّع تشكيل مجلس الشورى العام بعد اختيار (35) قيادياً جديداً، معظمهم يقيم في تركيا وفي قطر والبعض الآخر من إخوان لندن”.
وبحسب سلطان، عقد منير اجتماعاً مع
المجلس الجديد، على مدار يومين في
إسطنبول، وناقش الاجتماع مستقبل الجماعة،
والسيناريوهات المقترحة لحلحلة أزمة
الصراع الراهنة، وآليات الرد على حسين ومجموعته، الأمر الذي أثار غضب الأخير، وقرر إصدار قرار بفصل جميع المشاركين في
الاجتماع من مجلس الشورى القديم.
ما دلالة عقد الاجتماع في إسطنبول؟
منذ بداية الأزمة بين قيادات التنظيم الإخواني، عُرف محمود حسين والقيادات التابعة له باسم “مجموعة إسطنبول”، نسبة إلى محل إقامتهم، منذ هروبهم من القاهرة بعد إزاحة الجماعة عن الحكم في عام 2013، لذلك كان من اللافت أن تعقد مجموعة إبراهيم منير التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقراً لها اجتماعها الأول مع الأعضاء الجدد بمجلس الشورى العام داخل إسطنبول.
وبحسب سلطان، هناك عاملان لاختيار مدينة إسطنبول لعقد الاجتماع الأول بين منير وقيادات مجلس الشورى العام؛ يتعلق الأوّل بكون المدينة التركية الأكثر أمناً ويسراً بالنسبة إلى القيادات التنظيمية لعقد هذا النوع من الاجتماعات التي يحضرها قيادات يمثلون غالبية الأفرع، فضلاً عن كون معظم أعضاء المجلس الجديد من المقيمين داخل تركيا أصلاً.
العامل الثاني، وفق سلطان، لائحي يتعلق بتطبيق اللائحة الداخلية للجماعة بعقد اجتماع بحضور كافة أعضاء المجلس، وهي رسالة قوية للمجموعة المناهضة، تعكس مدى قوة جبهة منير وتمسّكها باللوائح الداخلية، وقدرتها على عقد اجتماعات حيّة لمناقشة القرارات المختلفة، بما فيها أزمة الصراع الراهن داخل التنظيم، على عكس مجموعة محمود حسين التي تلجأ عادة لتمرير القرارت عبر البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل عبر الإنترنت.
هل يعني ذلك حسم الصراع لصالح منير؟
يرى سلطان أنّ الصراع داخل الجماعة في حالة تطور مستمرة، تعززها الإجراءات المتخذة من كلتا الجبهتين، وأيضاً التراشق الإعلامي
المستمر، ولا يتوقع الباحث المصري أن ينجح
أحد طرفي الأزمة في حسم زمام الأمور
لصالحه في وقت قريب، مرجحاً أن تمتد
الأزمة لعدة أشهر إضافية، مخلّفة مزيداً من
الانهيار والتشظي التنظيمي.
وفي السياق ذاته، يتحدث الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي والإرهاب منير أديب، في مقاله المنشور بصحيفة “العين” تحت عنوان: “الإخوان المنقسمون”، مشيراً إلى أنّ تعدد الهياكل التنظيمية داخل الجماعة يعكس مدى الهشاشة والتفكك التي آل إليها التنظيم، ولا تُعدّ مؤشراً على حسم الصراع.
ويشير أديب إلى أنّ “الخلاف بين جبهتي منير وحسين قد تطور في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2021، حين صدر قرار بإيقاف (6) أعضاء ممّا يُسمّى “مجلس الشورى العام”، وهم: محمود حسين ومدحت الحداد وهمام علي يوسف ورجب البنا وممدوح مبروك ومحمد عبد الوهاب.
وهو ما ردّت عليه جبهة “حسين” ببيان عزل إبراهيم منير وأعوانه من مناصبهم، وحلّ اللجنة الإدارية التي تدير شؤون الجماعة الإرهابية منذ أن تم إلقاء القبض على محمود عزت، وفق أديب.
ويؤكد الباحث المصري أنّه “منذ ذلك التاريخ حتى الآن، قامت كلّ جبهة من جبهات الإخوان بإنشاء مؤسسات ومؤسسات بديلة داخل التنظيم، مع عدم اعتراف كلّ جبهة بشرعية الأخرى، وما يصدر عنها من قرارات، وهذا ربما يؤكد هشاشة التنظيم من ناحية، وزيف شعارات توحده على كلمة، والتي كان يرفعها أمام الناس، من ناحية أخرى”.
فصل أخير في عمر جماعة مأزومة
تجدر الإشارة إلى أنّ إبراهيم منير لم يُصدر حتى الآن أيّ بيانات رسمية بشأن أسماء وتشكيل المجلس الجديد، وهو إجراء يعتبره مراقبون روتينيّاً للحفاظ على سرّية الأعضاء، كما جرت العادة داخل التنظيم الإرهابي، لكنّ القيادي الإخواني المحسوب على جبهة إبراهيم منير، حلمي الجزار، قدّم نفسه خلال فاعلية نظّمها، مؤخراً، السياسي المصري الهارب في تركيا والمتحالف مع التنظيم، أيمن نور، قدّم نفسه بأنّه عضو مجلس شورى التنظيم والمسؤول عن القسم السياسي للجماعة، في إشارة إلى تشكيل مجلس شورى جديد يضمّ الموالين لمنير.
وقد فشلت كافة المبادرات التي تمّ طرحها خلال الفترة الماضية في احتواء الأزمة الداخلية للتنظيم؛ بسبب تمسك كلّ طرف بمطالبه، ورغبته في قيادة الجماعة منفرداً، والاستحواذ على كافة مصادر التمويل، وتشير كافة التقديرات إلى انهيار الهيكل التنظيمي وتفكك الإخوان من الداخل، وفقدان القيادة المركزية التاريخية أيّ قدرة على التأثير، مع استمرار الانشقاقات والتصدع الداخلي على إثر الخلاف الراهن، وتعدد الأزمات التي مرّت بها الجماعة منذ سقوطها في مصر، ومن ثم وضعها على قوائم الإرهاب في عدة دول عربية، وانهيار أفرعها في كافة الدول التي وصلت فيها إلى الحكم، ويجمع الخبراء على أنّ الصراع الراهن سيكون فصل النهاية في تاريخ التنظيم الذي تجاوز (9) عقود.
المصدر حفريات