كريتر نت – العين الإخبارية
من يسرق التاريخ ويتاجر بالوجع لن يشعر بالعار.. هكذا رد يمنيون على قناة الجزيرة القطرية مطالبين بمقاضاتها للسطو على أرشيف تلفزيون عدن.
ناشطون وإعلاميون يمنيون اتهموا القناة بالسطو على أرشيف تلفزيون عدن بعد أن بثت مشاهد ولقاءات صُورت قبل نحو 36 عاما ووصفتها بالحصرية.
المشاهد واللقاءات وردت في فيلم أذاعه برنامج ما يعرف بـ”المتحري” بعنوان “الإخوة الأعداء” بنسخته الثانية الذي يقدمه البوق الإخواني جمال المليكي المعروف بـ”صحفي الصفقات المشبوهة”، ضمن انتهاكاته المتكررة لمعايير العمل الإعلامي وحقوق الملكية.
وكعادة ذراع الإخوان الإعلامية، حاول المليكي تكريس أجندة قناة “الجزيرة” البائسة والساعية لزرع الفتنة جنوب اليمن، عبر استدعاء الصراعات وإذكاء جذوتها وإعادة إنتاجها ثانية، محاولا تحقيق اختراق فاشل بالقوة الجنوبية ذات الرصيد الزاخر بالانتصارات الميدانية ضد الحوثيين والإخوان.
وعرض الفيلم مجددا اعترافات حديثة للرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، إلى جانب اعترافات أخرى أرشيفية لشخصيات جميعها من تيار الرجل أو مقربة منه بعد خسارتها الحرب الأهلية التي فجرتها في 13 يناير/ كانون الثاني 1986 مع فصيل الرئيس السابق عبدالفتاح إسماعيل.
كما عرض مشاهد قديمة للمأساة الإنسانية التي خلفها صراع حسمه فصيل “عبدالفتاح” خلال 11 يوما، رغم أن “علي ناصر” كان قد أذاع النصر بعد أن أمر بتصفية قيادات الصف الأول للحزب الحاكم، بحسب اعترافاته التي تعد بمثابة إدانة واضحة لرجل دأب على تصوير نفسه كزعيم تاريخي في اليمن.
ملاحقة قضائية
وشن ناشطون يمنيون حملة واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي ضد القناة القطرية، تحت وسم “الجزيرة تسرق أرشيف الجنوب”، وطالبوا بملاحقة القناة قضائيا عبر تقديم شكوى “بالسرقة” ضدها على خلفية السطو على أرشيف تلفزيون عدن الذي تعرض للنهب في حرب 94 وبعد انقلاب الحوثي.
ويشير توقيت بث الفيلم إلى رائحة “صفقة مشبوهة” أبرمها البوق الإخواني للوصول للأرشيف المصور يرجح أنها تمت مع الحوثيين الذي اجتاحوا صنعاء وسيطروا على القنوات الرسمية، أو أن الرئيس الأسبق علي ناصر سرب بنفسه تلك المشاهد والشهادات التي أظهرت اعترافات رجاله دون سواهم رغم خسارتهم للحرب.
ويسعى الفيلم، وفق تزامن توقيت بثه مع عملية “سهام الشرق”، إلى تفجير صراع مناطقي بين القوات الجنوبية وجرها لارتكاب أعمال انتقامية في محافظة أبين بعيدا عن الإخوان والقاعدة والحوثي، وهو مخطط إقليمي يسعى لتمكين الحوثي والإخوان وإنهاك الجنوب، وفقا لخبراء.
الإخوان والحوثي
يرى السياسي والكاتب اليمني خالد سلمان أن الجزء الثاني من فيلم المتحري جاء “مثل سابقه، كله أرشيف تلفزيون عدن عقب يناير”، مطالبا القائمين في التلفزيون الرسمي التابع للحكومة اليمنية بـ”رفع قضية سرقة علنية وادعاء الجزيرة بالحصري”.
ويقول سلمان إن “من يسرق التاريخ ويتاجر بالوجع لن يشعر بالعار كونه لصاً، كما أن ما قدمته الجزيرة ليس تحرياً يعتمد على الدقة والموضوعية، بل هو انتقائي وموجه الأهداف سلفاً لصالح مستفيد آخر هو رأس حربة في مواجهة جيل يرفض مشروعه الظلامي، ويقاوم محاولة خلطه للحظة مجنونة من التاريخ، للوصول إلى اصطفاف يخدم توجهاته”، في إشارة لفتنة الإخوان جنوبا.
وأشار، في مقال له، إلى أن مخطط الإخوان يرنو إلى “إضعاف لُحمة الداخل الجنوبي والسياسي الوطني العام، وتهيئة أجواء التجنحات المتخيلة لاختراق الصف، بحثاً عن معادل موضوعي يمنحه نصراً سهلاً، عن طريق التشويش والبحث عن كل ما يفتح الجراح المتعافية وتكسير كل ما هو حائط صد في مواجهتهم”.
وأضاف: “قطعاً ليس هدف المتحري أن يضيء على محطة من محطات تاريخ كل اليمن الدامي، من موقع الخشية من ولادة عواملها ثانية، بل هدفه الفاضح اقتطاع ما يستجيب لأجندة راهن الصراع”.
وتابع، متوجها لأبواق الإخوان: “لن تقولوا في يناير أكثر مما قاله الطرف الذي كان يحكم الجنوب، مع أن ذلك لن يعيد من رحلوا من كلا الطرفين، ولن تقدموا قراءة أكثر عمقاً لأسبابه وتداعياته، وأكثر جلداً وقسوة واستقصاء لمبررات وتبعات الانفجار أكثر مما كُتب وبُحث وأُجيب عن الأسئلة”.
وأكد أن “الحقيقة أن يناير خلف ظهر الجميع، وأن مشروع الخلاص من ماضوية مشروعكم أي الإخوان الإقصائي”، في إشارة إلى نسيان الجنوبيين أحداث الماضي ودفنهم لمشاريع الإخوان ومؤامراتهم الهدامة.
من جهته، قال المحلل السياسي اليمني عمار القدسي، لـ”العين الإخبارية”، إن المهم في متحري الجزيرة ليس ما بثه من مشاهد وشهادات بل كشف المستوى المستور من تطور العلاقة بين الإخوان والحوثيين.
وأوضح أن كل ما عرضه الفيلم من مشاهد مزعوم أنها حصرية هي في الحقيقة أرشيف تلفزيون عدن الذي نهب في 1994 عند اجتياح عدن وتم نقله إلى صنعاء ووصل إلى يد مليشيات الحوثي بعد انقلابها أواخر 2014.
وبالنسبة له، فإن رحلة الأرشيف الذي انتقل من عدن إلى صنعاء ثم إلى مقر الجزيرة، تشير إلى أهداف مشتركة للحوثي والإخوان منها سماح المليشيات الانقلابية لطاقم القناة القطرية بتصوير شهادات جديدة أخرى من صنعاء.
وهذا ما أكده رئيس المركز الإعلامي لألوية العمالقة أصيل السقلدي، من أنه ما إن “أدركت مليشيات الحوثي الهزيمة التي ستتجرعها مع إطلاق مجلس القيادة الرئاسي أول عملية عسكرية، حتى سارعت -بدعم إقليمي- لمعركة سلاحها إشعال الفتنة” بين مناهضي الانقلاب.
وأشار السقلدي، عبر حسابه بموقع تويتر، إلى أن هذه الفتنة قام بتدشينها و”بشكل مفضوح المهرج الحوثي حسين العزي وصولا إلى برنامج المتحري عبر البوق الإخواني الذي يستضيف موالين للحوثيين أبرزهم الاشتراكي الحوثي أبوأصبع”.
وكانت القناة القطرية بثت الأسبوع الماضي النسخة الأولى من الفيلم كجزء من نهجها المعروف والموجه ضد خصوم التنظيم الإخواني الإرهابي، وفق مراقبين.
وتزامن البث مع حملات واسعة تستهدف المجلس الانتقالي الجنوبي وقياداته كونه من يقود عملية التصحيح على الأرض في المناطق المحررة مع تشكيلات عسكرية جنوبية.
وفي سياق محتوى فيلم الجزيرة الذي أعدته قيادات إعلاميه إخوانية تستوطن الدوحة، حاول الإخوان استدعاء الصراع المناطقي المدفون في الجنوب وإذكاء نيرانه مجددا، في محاولة خبيثة تستثمر صراعا قديما بين قيادات سياسية للتحريض على مناطق بعينها في الجنوب حاليا.