كريتر نت – متابعات
تواصل القبضة الأمنية الحازمة في المملكة ملاحقتها وتعقبها للمطلوبين أمنياً، في إشارة لا تخطئها عين بشأن اليقظة والحزم اللذين تتسم بهما الأجهزة الأمنية في المملكة، فالوضع الأمني المستقر جزء لا يتجزأ من الأمن القومي للدولة، وهو انعكاس مباشر لما تتمتع به الدولة من استقرار وسلام، وقبل أيام تمكنت الأجهزة الأمنية من تعقب أحد المطلوبين وتحديد هويته ومكانه قبل أن يسارع هذا الإرهابي بتفجير نفسه، ليلقى حتفه ويختار نهايته التي صنعها بنفسه واختطها بيده بعد أن ساهم في قتل العشرات من الأبرياء.
من الملاحظ أن أغلب المطلوبين أمنياً يسارعون في الانتحار بدلاً من تسليم أنفسهم، كون مثل هذه المجموعات تتبع العديد من التنظيمات الإرهابية، لذلك فهم لا يتصرفون أو يتحركون من تلقاء أنفسهم، ولا يدفعهم للانتحار دافع شخصي أو ذاتي، وإنما يتحركون وفق خطط رسمتها جماعات إرهابية دولية تمولها وتدعمها وتتابعها وتشرف على أنشطتها عن كثب، وهذه المجموعات المتفرقة جزء من خلايا يضمها الكيان الإرهابي الرئيسي، وهم يطبقون قواعد صارمة حتى يستحيل على الجهات الأمنية تعقبهم أو ملاحقتهم والقبض عليهم.
وهذه العقول الإرهابية المخططة تحرص دائماً لبقاء أفرادها على قيد الحياة، لذلك تهتم بالكثير من الأمور لتتمكن من النجاة والاستمرار وعدم الوقوع في قبضة الأجهزة الأمنية، لذلك نجدهم يطلقون على كل عضو في الجماعة الإرهابية اسماً مستعاراً، فالأعضاء لا يعرفون أسماء زملائهم في الخلية، حتى إن وقع أحدهم في قبضة الجهات الأمنية لا يتمكن من الوشاية بزملائه، وكل عضو من الأعضاء لا يعرف شيئاً عن كامل المهمة الإرهابية التي يتعين عليه إتمامها، فهو يعرف دوره هو فقط وما يتعين عليه فعله في الوقت المحدد، بحيث يظل جميع أفراد الخلية الإرهابية في حالة جهل تمام بما يؤديه زملاؤهم، ومن خلال هذا التكتم والسرية تتمكن تلك الجماعات الإرهابية من الاستمرار لبعض الوقت داخل بعض الدول حول العالم.
ولكن بمقدار الجهد الذي تبذله هذه العقول الإرهابية في التستر على أعضائها تبذل الجهات الأمنية بالمملكة في المقابل جهوداً مضاعفة ناجحة لتعقب أفراد الخلايا الإرهابية ومن يعاونهم، وذلك من خلال توظيف الأدوات والتقنيات الحديثة المتطورة التي تمكن أجهزة الأمن من الوصول لأعضاء هذه التنظيمات ونشر قوائم بأسمائهم وبجرائمهم، ويلاحظ أن التنظيمات الإرهابية على اختلاف دوافعها ترسخ في عقول أعضائها ضرورة تفجير أنفسهم حال تعرضهم للاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية، وذلك من خلال عمليات السيطرة الذهنية التي توحي لأعضاء التنظيم بأن قتل أنفسهم ليس خطأً ولا جرماً بل هو أمر يستحقون الإثابة عليه، ولا يبالي المخططون كثيراً بمصير هؤلاء المغرر بهم، فكل ما يهمهم هو ألا تتمكن الأجهزة الأمنية من ملاحقتهم واستجوابهم، وكشف الخطط المستقبلية التي ينوون تنفيذها، ومن ثم إحباط خططهم وتفكيك التنظيم بأكمله.
ومن المؤسف أن أغلب من يتم توظيفهم وانضمامهم لمثل هذه التنظيمات هم من الشباب وصغار السن، ويعزو السبب في ذلك إلى أن مثل هذه الفئات لا تتوفر لديها الخبرة الكافية ولا النضج الذهني لاكتشاف حقيقة هذه التنظيمات، لذلك هم الفئة الأقرب للاقتناع بمثل هذه الأفكار المتطرفة، وكثيراً ما أتساءل عما يمكن أن يدفع شاب لأن يقوم بنفسه وبمحض إرادته بإنهاء حياته ومستقبله والإساءة لأسرته من أجل تنظيمات متطرفة ربما لم يرَ حتى قادتها بنفسه، ويتساءل البعض هل يمكن أن يكون الهدف مالياً؟ وبالطبع يصعب تصور ذلك، فمن يقوم بالانتحار سيفقد حياته وأسرته وكل ما يربطه بهذه الحياة عقب انتحاره.
لا شك لدي في أن السبب الحقيقي الذي يدفع هؤلاء المتطرفين للانتحار هو التخطيط الدقيق الذي تقوم به عقول التنظيمات المتطرفة ممن يستقطبون مثل هذه الفئات العمرية، فهؤلاء المغرر بهم يتم استدراجهم وتوريطهم في قضايا جنائية إرهابية بالتدريج، مثل صناعة المتفجرات والتجسس وغيرها، ثم يتم ابتزازهم بسبب ارتكابهم لها إما بتهديدهم بالإبلاغ عنهم أو بقتلهم من خلال زملائهم في التنظيم “وهو ما حدث مراراً حيث يقتل أفراد التنظيم من يفكر في التخلي عنهم”، ولأن عقوبة هذه الجرائم عادة ما تكون الإعدام، يقع أفراد الخلية وقتها ما بين المطرقة والسندان، وبالتالي تتساوى وقتها لديهم الحياة بالموت، والخيارات أمامهم محدودة، وهو ما يدفعهم لتفجير أنفسهم أو الانتحار بتعبير أدق.
الهدف من جميع العمليات الإرهابية هو زعزعة استقرار الدولة وإظهارها بمظهر العاجز غير القادر على حماية مواطنيها، ومن المؤكد أن قتل الأبرياء هو أمر يحرمه الدين تماماً والضمير الإنساني، لذلك فإن تمسح هذه الفئات المتطرفة بالدين يتناقض جملة وتفصيلاً مع أعمالها الإرهابية، فقتل النفس محرم وكذلك ترويع الأبرياء، وتمسحهم بالدين مفضوح ومكشوف، وهو بالنسبة لهم مجرد عباءة يتخفون خلفها للتغرير بضعاف النفس وتنفيذ مخططاتهم الدنيئة.
لا يخفى على أي محلل للأحداث إدراك أن هؤلاء الإرهابيين لا يستهدفون سوى خلخلة البناء المجتمعي للإضرار بأمن الدولة وتشويه صورتها، فهدم المنظومة الأمنية التي تعد واحدة من أهم أعمدة أي نظام سياسي في أي بلد هو هدفهم البعيد، ولا شك أن خلخلة النظام الأمني يخلف فراغاً أمنياً من شأنه القضاء على الأخضر واليابس، حيث تصبح أراضي الدولة مرتعاً للحروب الأهلية، وهو ما يسمح بتدخل قوى أجنبية للنيل من موارد الدولة الاقتصادية والسيطرة عليها، وهو ما حدث فعلاً -للأسف- في العديد من الدول العربية التي مزقتها وقضت عليها تماماً الحروب الأهلية.
المصدر موقع “24”