علي القحيص
لوحظ في السنوات القليلة الماضية، أن بعض الدول العربية تعرض لتحديات جسيمة، وواجه ظروفاً صعبة، جعلت شعوبها تعاني وتتراجع في مجالات عدة. وتعرضت عواصمها العريقة لمشكلات غير مسبوقة، بحيث تراجعت ونخرها الإهمال، وعاثت بها الطائفية المقيتة والمذهبية، وباتت ضحية للأحزاب العنصرية الشوفينية. في بعض الحالات تورطت النخب السياسية من أحزاب وتيارات، في صراعات على تقاسم السلطة، أو بالأحرى توزيع الكعكة على طوائفهم! ماعدا شعوبهم المسكينة، التي بدأت تتناحر مع بعضها البعض.
الأوضاع السيئة في هذه البلدان دفعت شعوبها إلى اللجوء تارة والتشرد تارة أخرى في انتظار بارقة أمل في استقرار بعيد، أو تهدئة تدفع نحو مستقبل أفضل. وللأسف يصاب البعض بالصدمة، عندما يجد هذه الدول التي كانت تتمتع سابقاً بقوة في انتاجها وقدراتها وثرواتها غير آبهه وغير مدركة لحجم مأساة شعوبها التي عانت التشرد واللجوء وغياب أفق التنمية والأمل في مستقبل أفضل.
الأزمات المتلاحقة في هذه البلاد جعلتها تحت خط الفقر والجوع والحاجة والمساعدات الإنسانية، ما بين المفقود والمشرد واللاجئ، من دون أدنى مسؤولية وطنية وأخلاقية وإنسانية، وبعض الإحصائيات الإنسانية، تذكر إن المسؤولين السياسيين، يستغلون حتى مساعدات شعوبهم الجائعة والاستحواذعليها، التي تأتي من المنظمات العالمية والجمعيات الخيرية من بعض الدول الأخرى وخاصة الخليجية.
وقد تمادت هذه الطبقات السياسية الموغلة بالفساد بعدم الاعتراف بالظلم والمسؤولية الجسيمة التي تقع على عاتقها، وأصبحت هذه الطبقات تدير الأمور بوساطة الميليشيات الطائفية المسلحة، متجاهلة ما لدى هذه الدول من تاريخ وحضارة ودور وتأثير بالمنطقة، بل كانت تغذي وتساعد الدول الفقيرة والشعوب المحتاجة التي هي أقل منها مورداً.
لازالت هذه الطبقات الباحثة عن السلطة المغرية والنفوذ، تظهر عبر الفضائيات، ، لتقدم نفسها في صورة المصلح والمنقذ والحكم العادل، وكأنهم نزلوا من السماء لإنقاذ هذه الشعوب المنكوبة، كما يقولون ويزعمون. لكنهم يقدمون صوراً زائفة عن عندما يتركون شعوبهم عرضة للأمراض المعدية والأوبئة الخطيرة ونقص الخدمات وشح المياه وقلة الكهرباء وشح الموارد.
باتت الشعوب واعية الآن، ولم تعد هناك فرصة للخديعة، فلم تعد الشعارات تنطلي على الناس، عندما يجدوا أنه لا خدمات ولا رعاية ولا تنمية، وأن فرصاً كبرى تضيع في التنمية والتقدم، وأن المحصلة هي التأخر عن الركب، والتراجع في لوائح التنمية البشرية.
لا مكان في سباق التنمية والتطور والتحديث في ظل ميليشيات مسلحة، وصراع على السلطة، أو استلاب لأجندات خارجية، وباتت الشعوب واعية، ومن ثم لم تعد هناك فرصة لاستغلالها من جديد.
ومن المهم أن تتطلع الشعوب العربية التي تعاني من الفوضى السياسية وغياب الاستقرار، أن ماضيها القريب كان أكثر ازدهاراً، وأن حلم العودة إليه يمكن تحقيقه، ومن خلال نخب مخلصة لأوطانها، وشعوب مدركة للتحديات الراهنة.
بعض العواصم العربية العريقة التي كانت تعج صالوناتها ومقاهيها، بالأغاني العربية الوطنية، والتي رسخت معاني الحب والانتماء الحقيقي للأرض والوطن والإنسان، تستطيع إعادة انتاج نجاحاتها، كي تنعم من جديد بالتنمية والعيش الكريم والاتجاه نحو واقع أفضل.
نقلاً عن “الاتحاد” الإماراتية