كريتر نت – متابعات
تكشف استقالة الداعية المغربي، أحمد الريسوني، من رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن طريقة عمل المؤسسة الإسلامية ذائعة الصيت، ومدى تأثيرها وتأثرها بالظروف السياسية.
والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومقره الحالي الدوحة، ظهر اسمه في العديد من السجالات الدينية والسياسية، منذ تأسيسيه عام 2004 على يد الداعية الإسلامي المصري، يوسف القرضاوي، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.
ومنذ تأسيسيه، ترأس الاتحاد العالمي، بالإضافة إلى القرضاوي، رجل دين واحد فقط هو الريسوني، الذي أثار جدلا عالميا في الآونة الأخيرة بعد أن أثار حساسيات سياسية بالنسبة للجزائر وموريتانيا.
ويقول الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، نبيل عبد الفتاح، في مقابلة عبر الهاتف مع موقع الحرة، إنه رغم أن الاتحاد يتأثر بالتوجهات السياسية لدول معينة إلا أن “تأثيره محدود” بالنسبة لعموم الجماهير العربية والمسلمة معددا الأسباب وراء ذلك.
ويوضح عبد الفتاح أنه “مؤسسة خاصة لكنها مدعومة من بعض الدول العربية، وهو محاولة لعمل فاتيكان إسلامي غير رسمي في الشكل، لكنه يتوافق مع السياسة الخارجية لهذه الدول”.
كان الريسوني، قد أعلن في بيان، الأحد، استقالته من منصبه، مبررا قراره بـ”الحرص على ممارسة حرية التعبير دون ضغوط”، على أثر تصريحات قال فيها إن “المغاربة مستعدون للزحف نحو تندوف لتحرير صحرائهم”. وأشار إلى أنه “حتى وجود موريتانيا غلط فضلا عن الصحراء، والمغرب يجب أن يعود كما كان قبل الغزو الأوروبي”.
وأثارت تصريحاته هذه انتقادات واسعة مما دفعه إلى توضيحها في بيان رسمي في موقعه.
وفي بيان منفصل، قال الاتحاد إن “مجلس الأمناء للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين توافق على الاستجابة لرغبة الريسوني بالاستقالة من رئاسة الاتحاد” وجاءت الموافقة “تغليبا للمصلحة وبناء على ما نص عليه النظام الأساسي للاتحاد”.
التأسيس والدعوة
والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مؤسسة تجمع علماء المسلمين من مختلف دول العالم، وقد تأسس رسميا في 11 يوليو 2004 بالتزامن مع زيارة قام بها القرضاوي إلى لندن لحضور اجتماع للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.
وانعقدت أول جمعية عمومية للاتحاد في 11 يوليو 2004، بعد تسجيل تأسيسه قانونيا بعاصمة إيرلندا، دبلن، وانتقل المكتب إلى الدوحة عاصمة قطر في 2011.
وظل القرضاوي في منصب الرئيس حتى عام 2018، ليخلفه الريسوني الذي بقي في المنصب حتى تقديم استقالته.
ويتولى آخرون أيضا مناصب رفيعة في المؤسسة، من أبرزهم الشيخ أحمد الخليلي من سلطنة عمان، والأمين العام للاتحاد، الشيخ علي محي الدين القره داغي.
ويقول الاتحاد عبر موقعه الرسمي عن نفسه إنه “مؤسسة معتدلة ووسطية وعالمية” و”وجهة علمية شرعية مستقلة لا يمكن اختزالها في حزب أو جماعة أو مذهب أو دولة من الدول”.
ويهدف إلى مواجهة الحركات الهدامة والدعوات المعادية للإسلام والأخطار الفكرية الداخلية أو الخارجية من خلال نشر الأفكار الإسلامية المعتدلة ومواجهة المغالاة في الدين والانحراف في تفسير نصوصه.
والاتحاد باعتباره جسما “يضم عددا كبيرا من علماء الأمة الإسلامية يهدف إلى بيان موقف العلماء من الأحداث المهمّة والاستحقاقات التي قد تطرأ في العالم، ومن أجل ذلك فقد وضع لنفسه محددات منهجية ومعالم يحافظ فيها على التوازن والموضوعية والمصداقية والاستقلالية فيما يصدر عنه”.
وعضويته “مفتوحة للعلماء من خريجي المؤسسات العلمية ذات العلاقة بمجال الشريعة الاسلامية من الجامعات والمعاهد المختلفة في العالم الإسلامي، وغيرهم من المعنيين بعلوم الشريعة والثقافة الإسلامية ممن لهم فيها إنتاج معتبر أو نشاط ملموس”.
التأثير
ويرى عبد الفتاح أن تأثير هذا الاتحاد على عموم الجمهور الإسلامي والعربي “محدود للغاية” لأنه مؤسسة خاصة بينما بعض الأنظمة بالفعل لديها مؤسسات دينية تحاول أن توظفها الطبقات السياسية الحاكمة في هذه البلدان لصالح دعم الشرعية السياسية ،وأيضا لإضفاء الشرعية على القرارات السياسية التي تتخذها.
ويشير إلى أن فكرة المؤسسات الدينية جاءت نتيجة لمحاولة بعض الدول العربية النفطية أن “توطن نظامي الفتوى والدعوة الدينية لصالح هذه النظم”.
وهذا “التوطين يعني دعم بعض رجال الدين الرسميين من أجل إضفاء الشرعية على هذه النظم ودعم سياستها الداخلية والخارجية، وهذا يعني أن “كل بد عربي وإسلامي لديه مؤسسة دينية ترمي إلى أن تكون أداة من أدوات الطبقات السياسية الحاكمة”.
مواقف سياسية
والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وفق عبد الفتاح، ضمن هذه المؤسسات التي تسيطر عليها بعض الدول، ويشير إلى أنه تسيطر عليه بعض الاتجاهات المحافظة في التفسير والتأويل، وحاول أن يلعب دورا مهما في أعقاب الانتفاضات السياسية والجماهيرية في ما كان يطلق عليها “الربيع العربي”.
وفي ظل “الربيع العربي”، حاول دعم الإخوان المسلمين في المنطقة العربية وخارجها من خلال القرضاوي والريسوني وغيره من رجال الدين المحافظين داخل هذا الاتحاد.
ويقول عبد الفتاح إن “لجماعة الاخوان تأثيرا كبيرا على هذا الاتحاد، بالإضافة لاتجاهات أخرى لكنها أقل تأثيرا”.
ويشير إلى أن الحديث عن وسطية واعتدال” الاتحاد فيه الكثير من الغموض، مع الميل إلى المحافظة السياسية، لكنه يوضح أيضا أن لدى الاتحاد العديد من المعتدلين و”الصورة ليست كلها واحدة”.
الكاتب المصري إسلام سعد كان قد اتهم في مقال الاتحاد بـ”دعم جميع الحكومات التي تميل إلى الإخوان، كما يظهر بموافقته للسياسات القطرية والتركية ودعم الإخوان عقب الإخفاق السياسي الأكبر لهم بعد 30 يونيو 2013 في مصر”.
وكتبت صحيفة واشنطن بوست عن القرضاوي إنه “لطالما اعتبر قائدا فكريا للإخوان المسلمين، الذين سيطروا على الحكومة المصرية في انتخابات ديمقراطية عام 2012”.
وقال ماثيو ليفيت، مسؤول مكافحة الإرهاب السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) ووزارة الخزانة ، الذي تابع عن كثب الشبكات المالية الإرهابية في الشرق الأوسط: “القرضاوي من أكثر الشخصيات العامة للجناح الراديكالي للإخوان المسلمين”.
والعديد من قيادات الاتحاد لديهم ميول محافظة إلى جانب القرضاوي، مثل الريسوني، الذي كان أول رئيس لحركة التوحيد والإصلاح المغربية، والأمين العام للاتحاد علي محي الدين القرة داغي، إضافة إلى راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة بتونس التي تنتمي إلى الإخوان المسلمين، والإندونيسي، محمد هداية نور، رئيس حزب العدالة والرفاهية
وكان القرضاوي قد أصدر في عام 2013 فتوى بوجوب تأييد الرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي، وقال: “أنادي كل الأحزاب والقوى السياسية في مصر،أن يقفوا وقفة رجل واحد، لنصرة الحق، وإعادة الرئيس مرسي إلى مكانه الشرعي، ومداومة نصحه”. واعتبر القرضاوي أن “من استعان بهم الفريق السيسي لا يمثلون الشعب المصري، بل جزءا قليلا منه”.
وفي عام 2017، أعلن القرضاوي دعم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، عقب منع هولندا دخول وزيرين تركيين لتزكية التعديلات الدستورية التركية التي من شأنها توسيع صلاحيات إردوغان.
وبعد إعلان دول عربية مقاطعة قطر في الخامس من يونيو عام 2017، أصدر القرضاوي بيانا يُحرم فيه هذه المقاطعة، بينما أعرب الأزهر عن تأييده للقرارات.
وقال الأمين العام للاتحاد، علي القره داغي، إن الاتحاد “يؤكد على أهمية الوحدة والتآخي والتصالح وقطع دابر الفتنة بين الأشقاء، ويعتبر الوحدة بين الأشقاء فريضة شرعية وضرورة واقعية”. وفي السياق ذاته، ذهب الريسوني إلى أن “الحصار الواقع على قطر لا تقره شريعة الله”.
ووضعت الدول المقاطعة الاتحاد على قائمة “الإرهاب” لأنه يروج “للإرهاب باستخدامه الخطاب الإسلامي كغطاء لتسهيل نشاطات إرهابية”، ووضعت اسم القرضاوي على قائمة الشخصيات التي تصنفها “إرهابية” وطالبت قطر بوقف تمويلهم وتسليمهم إلى بلدانهم الاصلية”.
وحذرت هيئة كبار العلماء في السعودية، من خطر الاتحادات التي تصنف نفسها على أنها “علمية، وهي بالأساس قامت على أفكار حزبية، وأغراض سياسية، ولا تمت للعلم والعلماء بصلة”. وأشارت إلى أن “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ينطلق من أفكار حزبية ضيقة، مقدما مصلحة حركته على مصلحة الإسلام والمسلمين”.
وفي 2020، اعتبرت الهيئة السعودية جماعة الإخوان المسلمين “جماعة منحرفة إرهابية”، وهو ما رد عليه الاتحاد باتهام الهيئة بأنها تتبع أجندة سياسية، وقال إن الجماعة “موجودة ومعروفة في كل أنحاء العالم، ولها في بلدكم خاصة، عشرات الآلاف من الأعضاء والمؤيدين، وكان من سياسة حكام بلدكم استقطابهم والاستفادة منهم ومن خبراتهم في شتى المجالات”.
خلافات داخلية
ويشير سعد في تحليله إلى أزمات داخلية عانى منها الاتحاد، من أهمها استقالة آية الله تسخيري من منصب نائب رئيس الاتحاد بعد خلافات مع القرضاوي، واستقالة الشيخ أحمد بن بيه (نائب رئيس الاتحاد) عام 2013 وذلك لأن رؤيته “تختلف” مع الاتحاد.
واستقال رجل الدين المصري، محمد سليم العوا، من رئاسة الأمانة العامة في 2010، وقال مصدر لصحيفة المصري اليوم حينها إن الاستقالة جاءت بسبب خلافات “داخلية”، ولاعتراضه على “طريقة إدارة العديد من الأمور”.
واعترض عدد من الأعضاء “الشباب”، أثناء الجلسة الختامية للجمعية العامة الثالثة للاتحاد، في 2010ـ على طريقة إدارة الاتحاد وترتيبات الانتخابات ونسبة التعيين المرتفعة الممنوحة للرئيس.
التأثر بالسياقات الإقليمية
ويقول عبد الفتاح إن الاتحاد يتأثر بالدول “راسخة القدم” في الشرق الأوسط، ويحاول رجال الدين في الاتحاد ألا يتناقضوا تناقضا جذريا معها، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الوطنية والسياسة الخارجية على نحو ما فعل الريسوني.
ويضيف أن رجال الدين الذين “ينتمون صراحة أو ضمنا إلى جماعات سياسية تتناقض مصالحها وسياستها مع هذه النظم، ويقيمون في الخارج غالبا، لا يأبهون كثيرا بسياسات هذه الدول على نحو ما يفعل آخرون من المنتمين في الاتحاد”.
ويقول إن استقالة الريسوني جاءت لأن الجزائر من الدول القوية والاتحاد لا يريد أن تتناقض آراء قادته جذريا مع دول مثل الجزائر التي لديها خلافات عميقة مع المغرب، وهما “في حالة توترات وتناقضات في المصالح القومية”.
ويقول الخبير: “الاتحاد لا يريد تقويض السمعة الرمزية على المستوى العربي والبلدان الإسلامية”.
الخليفة المحتمل
ولم تصدر حتى اللحظة أي تأكيدات رسمية بشأن اسم الرئيس القادم للاتحاد، وإن أشارت بعض التقرير إلى احتمال تولي الأمين العام الحالي، علي القره داغي، وهو من كردستان العراق.
وكان الريسوني قال في نص الاستقالة إنه حاليا “في تواصل وتشاور مع فضيلة الأمين العام” للاتحاد الدولي لعلماء المسلمين، علي القره داغي “لتفعيل قرار الاستقالة وفق مقتضيات النظام الأساسي للاتحاد”.
والقرة داغي، وهو من محافظة السليمانية في كردستان العراق وحاصل على الجنسية القطرية، قد تم انتخابه لأول مرة أمينا عاما للاتحاد، في يونيو 2010، خلفا لسليم العوا، ويعتبر من المقربين للقرضاوي.
ويشير عبد الفتاح إلى أن الاتحاد يميل إلى “إعطاء الصبغة التعددية لرؤسائه وهو أمر سياسي”، وإذا تم اختيار داغي فإن الاتحاد ربما يريد القول “للطبقات الكردية الحاكمة في شمال العراق إن الاتحاد لا يقتصر في رئاسته على الأغلبية العربية ومعياره الأساس هو الانتماء الإسلامي”.
المصدر “الحرة”