كريتر نت – متابعات
تواجه أوروبا امتحانا اجتماعيا هائلا قبل حلول فصل الشتاء، مع استياء متصاعد يغذيه ارتفاع أسعار الطاقة والضغط لتحقيق أهداف المناخ مع استمرار الحرب في أوكرانيا.
وتبدو الدول الأوروبية جميعها أمام مأزق صعب، حيث تواجه جفافا ونقصا في إمدادات الغذاء، بالإضافة إلى تراجع إمدادات الغاز التي لن تكون كافية لمواجهة الشتاء القادم المصنف ضمن أبرد الفصول التي مرت على القارة.
وتدعو المجموعة الشعبية البريطانية “دونت باي يو كاي” المواطنين إلى مقاطعة فواتير الطاقة اعتبارا من 1 أكتوبر، في حين بدأت حملة “إيناف إيز إيناف” (طفح الكيل) المدعومة من النقابات العمالية سلسلة من المسيرات والإجراءات في أغسطس للمطالبة بالزيادات في الرواتب وتحديد سقوف الإيجارات وخفض أسعار الطاقة والغذاء وفرض الضرائب على الأغنياء.
وشهدت أزمة ارتفاع الأسعار المحتدمة في جميع أنحاء أوروبا بالفعل إضراب العمال في فرنسا وإسبانيا وبلجيكا في قطاعات النقل العام والصحة والطيران، فهم يطالبون برفع الرواتب لمساعدتهم على مواجهة التضخم المتصاعد.
ناعومي حسين: الشتاء القادم سيشهد اضطرابات اجتماعية
وقد التزم الاتحاد الأوروبي في الآن نفسه بخفض وارداته من الوقود الأحفوري الروسي بمقدار الثلثين وخفض الطلب على الغاز بنسبة 15 في المئة قبل 2023. وكانت دول التكتل قد حددت بالفعل هدفا لتصبح أول قارة خالية من الكربون بحلول 2050. لكن هذا الهدف حُدّد قبل حرب أوكرانيا.
ودفع الضغط على واردات النفط والغاز من روسيا بعد غزوها لأوكرانيا في فبراير البلدان إلى سدّ فجوة الطاقة من خلال مزيج من تدابير كفاءة الطاقة وإطلاق محطات الفحم القديمة وتعزيز مشاريع الطاقة المتجددة.
ويرى بعض الاقتصاديين حاجة ملحّة إلى الإبقاء على تشغيل الكهرباء والتدفئة في أوروبا وجعلها أولوية على الأهداف المتوسطة إلى طويلة المدى لاعتماد المزيد من الطاقة النظيفة والحد من تغير المناخ، خاصة مع اقتراب أشهر الشتاء الباردة.
وقال سيمون تاغليابيترا، الزميل البارز في بروجيل، وهي مؤسسة فكرية اقتصادية مقرها بروكسل “لا يريد أحد أن يرى انقطاع التيار الكهربائي”، وشدد على وجوب النظر في كل الخيارات المتوفرة لتجنب هذا السيناريو. وذكر أن الخيارات تشمل تلك الملوثة للبيئة.
لكن دعاة المناخ من جهتهم يريدون أن يروا الحكومات تبتعد عن الوقود الأحفوري نهائيا، ويأملون في أن تستثمر أكثر في تدابير الكفاءة وتضيف المزيد من مصادر الطاقة المتجددة إلى مزيج الطاقة الذي تعتمده.
وحذرت ناعومي حسين، أستاذة سياسات التنمية في الجامعة الأميركية بواشنطن العاصمة، من أن الشتاء القادم سيشهد اضطرابات اجتماعية بغض النظر عن المسار الذي سيُتّبع خلاله.
وقالت لمؤسسة تومسون رويترز، في تقدير متحفظ، إن 10 آلاف احتجاج من هذا القبيل نُظمت في جميع أنحاء العالم منذ نوفمبر الماضي مع توقع المزيد في مستقبل غير مؤكد. وأضافت “لو كنتُ سياسية، لكنتُ قلقة حقا”.
وأدخلت دول الاتحاد الأوروبي مجموعة من تدابير كفاءة الطاقة للمساعدة في خفض فواتير الكهرباء في مواجهة خطر انقطاع التيار الكهربائي، حيث وصل التضخم السنوي إلى مستوى قياسي بلغ 8.9 في المئة، ونتجت 4 نقاط مئوية من ذلك عن ارتفاع تكلفة الطاقة.
وكان المواطنون الإسبان يشعرون بالحرارة خلال فصل الصيف القاسي بعد أن أمرت الحكومة بتكييف الهواء بدرجة لا تقل عن 27 درجة مئوية في المباني العامة والفنادق والمطاعم ومراكز التسوق.
وتركز فرنسا من جهتها على “رصانة الطاقة” بإجراءات ستنطلق بحلول نهاية الصيف بما في ذلك تعتيم اللوحات الإعلانية العامة المضيئة خلال الليل، وتغريم المحلات التي تترك الأبواب مفتوحة أثناء استخدام التدفئة أو التبريد.
وأعلنت ألمانيا، وهي الدولة الأوروبية الأكثر اعتمادا على الوقود الروسي، عن حدود تدفئة تبلغ 19 درجة مئوية في الشتاء للمباني العامة والمسابح العامة الباردة، بينما تفكر مدن مثل أوغسبورغ في تحديد إشارات المرور التي يجب إيقاف تشغيلها.
◙ هناك حاجة ملحّة إلى جعل التدفئة في أوروبا أولوية على الأهداف المتوسطة إلى طويلة المدى لاعتماد الطاقة النظيفة
وتشكل هذه الجهود جزءا من مسعى أوسع للاتحاد الأوروبي لدعم إمدادات الغاز قبل الشتاء، وسط مخاوف من أن روسيا ستزيد من تقييد شحنات الغاز ردّا على عقوبات الاتحاد الأوروبي المالية.
ولا يزال يتعين، لتوفير الطاقة، تخفيف الضغط الناجم عن ارتفاع فواتير الخدمات. وانطلق التخطيط للاحتجاجات من مدريد إلى لندن في الخريف استجابة لأزمة تكاليف المعيشة.
وقالت ناعومي حسين إنه عندما يبدأ الناس في الشكوى بشكل جماعي من عدم قدرتهم على دفع تكاليف احتياجاتهم الأساسية، حيث يجب عليهم الاختيار بين التدفئة أو تناول الطعام، فإن ذلك يمكن أن يطيح بالحكومات.
وأشارت إلى أنه “في الكثير من الأحيان، تتحول احتجاجات الطاقة إلى احتجاج سياسي، كما هو الحال في سريلانكا” حيث أدت انتفاضة ضد أزمة اقتصادية إلى عزل الرئيس في يوليو.
وأضافت أن مثل هذه الاضطرابات يمكن أن تشهد استحواذ الأحزاب اليمينية أو اليسارية المتطرفة “على طاقة سياسية من السخط”، حيث يتردد الوسطيون في تحديد الأسعار أو توسيع الخدمات العامة.
وقالت كاسي ساذرلاند من “مدن سي40″، وهي شبكة من المدن الكبرى تدفع باتجاه اتخاذ إجراءات سريعة بشأن تغير المناخ، إن الإجراءات مطلوبة للتخفيف من تأثير تضخم الطاقة مع خفض الانبعاثات بسرعة كافية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأدنى الذي حددته الحكومات في اتفاقية باريس لسنة 2015.
ودعت إلى تركيز السياسة على الإغاثة والتعديل التحديثي ومصادر الطاقة المتجددة بما في ذلك الدعم المالي للفقراء، وتحديث المباني لتوفير الطاقة بدءا من الإسكان الاجتماعي، وزيادة الاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى.
وتدفع هذه المدن المفوضية الأوروبية إلى الالتزام بتعديل 6 ملايين منزل في 2023، مما سيعزز معدل تجديد المساكن الحالي من 1 إلى 3 في المئة. وتوافق منظمة المستهلك الأوروبية على أنه يجب على الدول طرح خطط تعديل تحديثية طموحة لحماية الأسر من تقلب أسعار الطاقة.
وقالت المديرة العامة في المفوضية مونيك جويينز إن “أرخص طاقة هي الطاقة التي لا نستهلكها. لم يعد بإمكاننا الانتظار نظرا إلى التطورات الأخيرة”.
ومع تزايد المخاوف بشأن انعدام أمن الطاقة، أشارت ألمانيا وإيطاليا والنمسا وهولندا إلى أنها ستسمح للمصانع المغلقة التي تعمل بالفحم بإعادة الفتح أو إطالة عملياتها إلى ما بعد تواريخ الإغلاق المخطط لها.
وقال سيمون تاغليابيترا إن البراغماتية هي الدافع وراء اتخاذ قرارات لإحياء محطات الطاقة الملوثة، مضيفا أن العواقب الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن تكون “مدمرة” دون إجراءات مؤقتة.
لكن المدافعين عن البيئة الخضراء يجادلون بأن الاعتماد على الوقود الأحفوري للحفاظ على الطاقة، حتى على المدى القصير، سيؤدي إلى تفاقم أزمة أسعار الطاقة ويعرض خفض الانبعاثات للخطر.
ديفيد كينغ: التخلي عن الوقود الأحفوري يخلق مستقبلا أكثر أمانا
وقالت كاسي ساذرلاند “يؤدي ذلك إلى استمرار المشاكل مع التقلبات في الأسعار”، مشيرة إلى أن تكاليف الطاقة المرتفعة تضر بالأسر الضعيفة أكثر من غيرها.
وأضافت أن الالتزام بالوقود الأحفوري من المرجح أن يزيد من انبعاثات الكربون أيضا، مما يعرض الأهداف المناخية للخطر.
ودعا تقرير جديد صادر عن المجموعة الاستشارية لأزمة المناخ، وهي لجنة مؤلفة من 16 خبيرا دوليا في المناخ، الحكومات إلى اعتماد أزمة الطاقة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري “بعمق وبسرعة” وتسريع التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وقال رئيس المجموعة ديفيد كينغ “إذا دفعنا في هذا الاتجاه، فإننا نخلق مستقبلا أكثر أمانا”. واعترف بأن انطلاق مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الجديدة سيستغرق عدة سنوات وأنها لن تكون في الموعد للمساعدة في معالجة النقص في الطاقة هذا الشتاء.
وذكرت ناعومي حسين إن الألم المالي الذي يشعر به الناخبون يسبب مشاكل للمؤسسة السياسية في أوروبا، وحثت الحكومات على الاستماع إلى ما يحدث في الشوارع والاستجابة بإجراءات لتخفيف الألم. وأضافت “لا أرى أي سبب يدعو الناس إلى التوقف عن الاحتجاج حتى يشعروا بأن المطالب الناتجة عن احتياجاتهم بسبب الطاقة تلقى آذانا صاغية”.