محمد صلاح
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يحشد فيها تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي منصاته الإعلامية ولجانه الإلكترونية للهجوم على الجيش المصري، فنحن الآن في موسم تقديم طلبات الالتحاق بالكليات العسكرية، وكلما زاد الإقبال زادت معاناة التنظيم الذي يعتبر الجيش المصري، ومنذ عقود، حائط صد صلباً ضد طموحاته في الوصول الى السلطة.
صحيح أن تقديم الطلبات يتم إلكترونياً عبر الموقع الإلكتروني، لكن مشاهد الطلاب أمام مقار اختبارات القبول والفحوص الطبية تضرب محاولات “الإخوان” منذ ثورة الشعب المصري ضد حكم التنظيم العام 2013، للإيقاع بين الجيش والشعب في مصر وتغيير الصورة النمطية الإيجابية عن الجيش لدى المصريين. لا يدرك “الإخوان” أن الشعب المصري، الذي يعاني آثار الضغوط الاقتصادية، يحترم جيشه ويحتمل الصعوبات أو حتى يعترض على قرارات أو إجراءات لكن لا يقبل أبداً بعودة “الإخوان” الى الحكم أو مجرد ظهور الجماعة مجدداً ضمن المشهد السياسي.
وبعد أكثر من عقد على أعاصير “الربيع العربي” ثبت أن الأولويات تختلف في الثورات ما بين الشعوب من جهة والجماعات والتنظيمات والأحزاب الأيديولوجية من جهة أخرى، وإذا كانت هذه الأيديولوجية أصولية فقل على نتائج الثورة السلام! بالنسبة الى الشعوب فإن الهدف الأساسي هو التغيير نحو الأفضل، وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم وتداول حقيقي للسلطة وتحسين مستوى المعيشة ووقف الفساد والقضاء على الظلم وتحقيق العدل. أما بالنسبة الى الجماعات ذات الأيديولوجية الأصولية فإن أموراً كتلك يمكن المتاجرة بها أو استخدامها أو الترويج لها لكونها مفردات لها بريق لدى الناس حتى إسقاط الأنظمة، وفي مرحلة تالية يكون الهدف الوحيد الاستحواذ على السلطة وفرض الأيديولوجية على الجميع.
في الحالة المصرية كان الأصوليون الراديكاليون يسعون إلى اقتطاع سيناء و”إخوة” لهم تحولوا من أعضاء في جماعة تدعي أنها دعوية إلى عناصر في تنظيم ثأري انتقامي، والفصيلان ظل هدفهما واحداً هو إسقاط الدولة المصرية! وهو أمر طرح أسئلة: لماذا تحولت الرغبة في التغيير إلى مخاطر من التدمير؟ ولماذا كانت النتائج معاكسة تماماً في الدول الأوروبية عند مرور رياح التغيير في العقدين الأخيرين من القرن الماضي على المعسكر الشرقي ثم سقوط الاتحاد السوفياتي رغم أن وطأة الحدث في أوروبا كانت أكبر وأشد تأثيراً في العالم؟ لماذا لم تقع اضطرابات من الوزن الثقيل في دول أوروبا الشرقية قبل أن تسقط أنظمتها أو بعدها واحتفظت الدول كافة التي غيرت أنظمتها بكياناتها؟ بعد سقوط جدار برلين وتوحيد ألمانيا لماذا لم تحدث صدامات بين الألمان الشرقيين والغربيين وغاب الصراع على الأرض أو المال أو السلطة؟
باختصار، المواطن في الدول التي كانت تخضع لحكم اشتراكي سلطوي دكتاتوري لم يكن ينقصه التعليم، وفي الغالب لم يكن يعاني أمراض التعصب لأيديولوجية السلطة التي تحكمه، أما القريبون من السلطة فلم تكن هناك قط مستويات من التعصب تصل إلى المستوى الأصولي في بلاد الربيع العربي، ولكل هذا احتفظت الدول المكونة للاتحاد السوفياتي بعد تفككه بمقومات الوطن وحافظت شعوبها على كيانات الدولة، ولم تعد تجد فروقاً جوهرية كبيرة بين المواطن الأوروبي الشرقي ونظيره الغربي. قد يطرح أحدهم نموذج يوغوسلافيا كحالة شهدت حرباً بين أجزائها بعد تفككها، لكن القياس والمقارنة بما حدث في الدول العربية في غير محله، فالحالة اليوغوسلافية ظلت نموذجاً، حتى قبل تفككها، لصراعات ضمنية كامنة تفجرت بعدها بفعل الاستقطاب الأوروبي والمصالح الأميركية والدوافع الداخلية بين المكونات اليوغوسلافية من الأساس، في حين وجدنا القتال نشأ والصراعات تفجرت والتقسيم حدث في دول عربية لم تكن تعاني أصلاً مشاكل عرقية أو صراعات إثنية أو نزاعات قبلية.
بعضهم يستند إلى نظرية المؤامرة بأن للولايات المتحدة خصوصاً والغرب عموماً دوراً مهماً في أحداث الربيع العربي، وأن دولاً أخرى تحالفت مع جماعات وتنظيمات واستقطبت شخصيات ودفعت أموالاً لأفراد وفئات لتحريك الأحداث وتوجيهها في اتجاه مصالحها وتفكك النظام العربي ومحو دول ووضع جماعات على رأس السلطة، لكن الغرب ذاته حين كان يسعى الى إسقاط الأنظمة الاشتراكية، وعندما ساهم بقوة في هدم هذه الديكتاتوريات الأوروبية بشكل علني وسافر، ودفع أموالاً لتحريك التظاهرات والإنفاق على اللوجستيات، لم تتحول التظاهرات إلى شغب وعنف ورغبة في إسقاط الدولة.
الثابت هنا أن تنظيم “الإخوان” والتنظيمات المتحالفة معه عانت جهلاً وتخلفاً يجعلانك تفسر مشهد ذلك الثوري الممسك بالمولوتوف أو يقذفه ليحرق باصاً أو قطاراً أو مقراً حكومياً أو سيارة لمواطن بسيط، متصوراً أنه يخلق فوضى تسقط نظاماً وتأتي بآخر.
أخيراً، يثق الشعب المصري بجيشه ويدرك أن الحفاظ على صلابته ووحدته، بل وتطويره لا يضمن فقط استقرار الدولة ورفع معدلات التنمية والاستثمار وتطوير الاقتصاد، وإنما الأهم يكفل بقاء تنظيم “الإخوان” بعيداً من المشهد، حتى لو ظلت بعض ذيوله تعبث من بعيد من دون أن تتجرأ على الاقتراب خشية أن تقطع.
نقلاً عن “النهار” العربي