د. توفيق حميد
أثارت قضية الطفل شنودة، الذي وجدته أسرة مسيحية وربته أربع سنوات قبل أن يقرر بعض الموظفين الحكوميين إيداعه دار رعاية، جدلا واسعا ونقاشا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول قوانين التبني والكفالة في البلاد.
النقاش تركز في البداية على مناشدات للمسؤولين بإعادة الطفل إلى الأسرة، ثم اتسع ليشمل تساؤلات حول بعض قوانين الأحوال الشخصية التي تمس المسيحيين في البلاد.
ووفقا لما تم تداوله خلال الفترة الماضية أنه بعدما عثر الزوجان المسيحيان، اللذان لم ينجبا طيلة 29 عاما، على الطفل داخل إحدى الكنائس، وكان عمره أياما حينذاك، وذلك بعدما تركته أمه داخل إحدى الكنائس، وقامت تلك الأسرة بتبنيه، وتم إصدار شهادة ميلاد له باسم “شنودة فاروق فوزي”.
ووفقا لرواية آمال والدة الطفل، في تصريحات أنهم وجدوا شنودة منذ 4 سنوات ونصف داخل كنيسة، ولا يعرفون أهله حتي الآن، وأنهمو يجهلون القوانين المتبعة في مصر في مثل هذة الحالات، إضافة إلى أنهم قاموا باستشارة القائمين في الكنيسة قبل تبنيه.
وأضافت السيدة آمال في تصريحاتها أن الدافع وراء الشكوى ضدهم والتي تقدمت بها قريبة الزوج للنيابة وقامت باتهامهم بخطفه، كان لأنها تطمع في الميراث بعد وفاتهم.
وهنا يأتي أول سؤال في قصة الطفل، وهو سؤال العقل، فهل هناك أي عقل أو منطق يأخذ طفل عمره سنوات ممن يربونه ليوضع في دار أيتام ليعاني ألما بل أقول آلاما نفسية، الله وحده أعلم بها؟
والإجابة على هذا السؤال هي بوضوح وبصوت عالٍ، وكما يقول المصريون في لهجتهم العامية، “بالفم المليان”: لا وألف لا. فلا يتفق ما حدث مع أي عقل ذي فطرة سليمة، ولا يوجد أي منطق عاقل يبرره. فأخذ بيشوي من حضن عائلة تهتم به ومن مدرسته ومن أصدقائه إلى ملجأ لا يعرف فيه أحد لن يفيد أي أحد.
أما السؤال الثاني فهو سؤال الدين.
فهل من قالوا أن الإنسان يولد بالفطرة “مسلم” يدركون معنى مايقولون؟ ولنوضح هنا الأمر، فمن يقول مثلا عن الأنبياء انهم كانوا مسلمين بالفطرة بناء على العديد من الآيات القرآنية يدركون أن هؤلاء الأنبياء لا يعرفون آية واحدة في القرآن ولا يتكلمون اللغة العربية ولا يصلون الصلوات الخمس ولا يصلون باللغة العربية أصلا! أي أن وصفهم في القرآن بأنهم “مسلمون” لا يمت لما نعرفه اليوم عن “الديانة الإسلامية” بأركانها المعروفة بأي صلة لأن الديانة الإسلامية جاءت زمنيا بعد موت هؤلاء الأنبياء بمئات السنين. وفي الأغلب فإن وصف القرآن للأنبياء بأنهم “مسلمون” في العديد من آياته جاء من فهم كلمة إسلام كفعل بمعني “تفعيل السلام” (وليس بمعنى أركان معينة للدين).
فألأنبياء والرسل كما ذكرهم القرآن لم يقومو بإعلان الحرب على أحد لنشر دينهم ولم تكن دعوتهم تستخدم العنف لقهر الآخرين على فكرهم. وجدير بالذكر في هذا السياق أن نذكر أن القرآن أوضح لنا أن العيش في سلام كان هو دعوة الأنبياء والمرسلين وأن الدعوة للعنف كانت هي صفة أعداء الأنبياء، فكما ذكر القرآن الكريم “وَقَالَ ٱالَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰٓ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ” (سورة إبراهيم آية 13).
وباختصار هنا، فإن وصف القرآن للرسل بأنهم “مسلمون” في العديد من آياته هو وصف لدعوتهم لنشر السلام وليس وصفا لما نسميه نحن بأركان الديانة الإسلامية الخمس.
أما من يحتج ببعض أحاديث الآحاد بأن الطفل يولد “مسلم” بالفطرة فالسؤال له ماذا تقصد بالإسلام في هذا الأمر؟ فهل فطرة الطفل في نظره أن يؤمن بفقه المذاهب الأربعة وهل من الفطرة سبي النساء في الحروب، وهل من الفطرة وجود سوق للنخاسة باسم الدين، وهل من الفطرة إعلان الحرب لنشر الدين وإجبار الناس على دفع جزية؟ هل هذا هو “دين الفطرة” في نظره؟! وهل الفطرة تبيح تعدد الزوجات للرجل بالرغم من أن فطرة بداية الخلق كما ذكرها القرآن هي زوجة واحدة للرجل “وَقُلْنَا يَٰٓا آدَمُ ٱاسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ (ولم يقل أزواجك!) ٱالْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا” (سورة البقرة 35). أم هو يقصد بالإسلام العيش في سلام مع الآخرين وهو المقصد الحقيقي للأنبياء والرسل كما ذكرنا.
مجرد سؤال!
وللحديث بقية..
نقلاً عن الحرة