رفيق خوري
لا مجال للقراءة في الأحداث والتطورات في المنطقة منذ عام 1979 من دون التركيز على”العامل الإيراني”، لا سيما بعد الغزو الأميركي للعراق.
وليس أخطر من الدور الإيراني في العراق سوى هذا الدور في لبنان. فالسياسة في العراق صارت خارج السياسة في أي نظام غير سلطوي، وهي في لبنان تدور حول “حزب الله”، بحيث ينتظر الجميع خطب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله لتقدير الاتجاه، من تأليف الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية، إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.
لكن اللعبة تدار في اتجاهين: واحد لمواجهة ما يعمل له “حزب الله”، وثان للرهان على ما يعمل له ومطالبته بأمور أخرى.
وفي الحالين، شيء من السذاجة وكثير من الأوهام. سذاجة في دعوة “حزب الله” إلى القيام بما لا يريد القيام به في إطار الأزمات المادية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأوهام في مطالبته بالتراجع عما يريد القيام به في الإطار الاستراتيجي، تماماً كما هي الحال في العراق حيث يتحكم العامل الإيراني بالبلد عبر وكلائه في ميليشيات “الحشد الشعبي” ويهدد إخراجه من اللعبة بحرب أهلية.
ذلك أن “حزب الله” المهيمن في لبنان، مدعو من جهتين مختلفتين إلى عملين غير عاديين، واحد ضد حساباته وآخر ضد طبيعته ودوره. أوساط اليسار تطالبه بوضع ثقله وراء التغيير الجذري للنظام الليبرالي الاقتصادي وضرب الرؤوس التي تعيش على بؤس الناس وتسطو على المال العام والخاص. وأوساط اليمين ومعها الأمم المتحدة وأميركا ودول أوروبية وعربية تطلب منه التخلي عن السلاح ليكون حزباً سياسياً لبنانياً وبعضهم يتحدث عن “لبننة الحزب” والتراجع عن دوره الإقليمي في سوريا والعراق واليمن وبلدان أخرى.
وليس ذلك على جدول أعماله ولا من أجل ذلك أسسه النظام الإيراني، فهو يتحدث عن مكافحة الفساد ويدعم في الخطاب إجراء الإصلاحات المطلوبة شعبياً ومن المجتمع الدولي، لكنه عملياً يقف في صف اليمين المحافظ وحتى الليبرالي ويرفض إزعاج حلفائه الغائصين في الفساد، لأن الحفاظ عليهم لا يزال في مصلحته، فضلاً عن أنه يلعب دور حارس النظام الطائفي، بحيث تصدى بالعنف لـ”منتفضي أكتوبر” (تشرين الأول) 2019. وهو يوافق في الخطاب على حوار للوصول إلى “استراتيجية دفاع وطني”، لكنه عملياً يرفض التخلي عن السلاح وقرار الحرب والسلم. فهو فريق في مشروع، لا مجرد مقاومة لإسرائيل، وأقل ما يقوله الأمين العام للحزب هو إن “المقاومة مسألة وجود، شرط وجود، ونحن وحلفاؤنا الأقوى في المنطقة والمستقبل لنا”، ويقول نائبه الشيخ نعيم قاسم “المقاومة ليست بسبب الظرف بل بسبب المبدأ. الظرف يتغير لكن المبدأ ثابت”.
وبكلام آخر فإن نزع سلاح “حزب الله” يضرب المشروع الإقليمي الإيراني بصرف النظر عن مقاومة إسرائيل. و”حزب الله” فريق في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني الذي هو نواة “جيش المهدي”، فضلاً عن المفاخرة بأنه حافظ على “مكانة لبنان” وسمى جماعته “أشرف الناس” ويعمل لقيام لبنان آخر يحكمه “اللبنانيون الجدد” الذين قاتلوا الاحتلال وحرروا الأرض.
ولم يكتم النائب محمد رعد، رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” القول “نحن أسياد هذا البلد، ونحن الذين نرسم سياسته وفق مصالح أبنائنا وأجيالنا المقبلة”. حتى على الطريق إلى سيطرة المشروع الإيراني، فإن “المقاومة ليست تهديداً لإسرائيل فقط بل أيضاً لكل المشروع الأميركي في المنطقة”، بحسب حسن نصرالله.
وليس اللبنانيون وحدهم هم الذين تركوا العامل الإيراني يكبر ويتعاظم دوره، فهذا ما فعله الشرق والغرب والعرب، ولولا الغزو الأميركي لما انكسرت “البوابة الشرقية للأمة العربية” وتدفق مد العامل الإيراني إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”