كريتر نت – سوث24 – رعد الريمي
قال مسؤولوها إنَّها تدفع ضريبة النضال والموقع الجغرافي بين جنوب اليمن وشمال اليمن، لكنَّ الكثير لم يتغير في الضالع، أول محافظة انتصرت على الحوثيين وقوات صالح في 2015، التي تعاني على كافة المستويات خدمياً ومعيشياً.
مسافات قصيرة تتطلب أوقاتا طويلة نظراً لوعورة الطرق التي تربط مدينة الضالع بأريافها، وخط دولي متشقق ومتهالك يتوسط المدينة التي تتأرجح بين الريف والحضر بلا أعمدة إنارة أو أرصفة؛ والحصول على مياه شرب نظيفة هنا تحدي من نوع آخر.
يذهب كثير من المرضى إلى العاصمة عدن لغياب المستشفيات المتخصصة في الضالع، وحتَّى المشفى الحكومي الوحيد في المحافظة، الذي يعمل بدعم من منظمة الصحة العالمية، ويفتقر بشدة للتوسعة والدعم الحكومي، مهدد بالتوقف.
كهرباء لربع يوم في المدينة، وأقل من ذلك بكثير في الأرياف، وخدمات اتصالات وإنترنت هي الأسوأ لم يتم تحديثها أو توسعتها منذ عقود. وأما أسعار المواد الغذائية في الضالع فلديها أرقامها الخاصة في بلد يعيش أزمة اقتصادية شاملة ككل، أرهقت السكان.
في هذا التقرير، الذي يصدره مركز “سوث24” ضمن سلسلة تقارير من المحافظة بعد زيارة ميدانية استمرت لأيام، نرصد واقع الخدمات والناس في محافظة الضالع، أحد أبرز معاقل المجلس الانتقالي الجنوبي والحراك الجنوبي في السابق.
في مدينة الضالع، يمكن مشاهدة الكثير من صهاريج المياه التي تعتلي أسطح المنازل في المدينة. يتكبد كثير من المواطنين كلفة عالية لملء هذه البراميل من صهاريج متنقلة على متن المركبات.
وفي جولة موفد مركز “سوث24” الميدانية، قال الأهالي: “تمَّ حفر عدد من الآبار من قبل بعض المنظمات ثم تم تسليم هذه الآبار لجهات محلية امتنعت عن تسليمها للمؤسسة العامة للمياه لينتفع منها الجميع”.
وشكا الأهالي من استيلاء أحد الألوية العسكرية في الضالع على بئر كان يزود المدينة بالمياه “رغم أنَّ البئر حفر على أرض تبرع بها المالك من أجل المواطنين”.
وعن أزمة المياه الحادة هناك، قال المواطن نبيل الشعيبي لـ “سوث24”: “ريف الضالع يعتمد على الآبار الجوفية كمصدر أساسي للمياه لكن كثير من المناطق تعاني من ندرة المياه الجوفية”.
وأضاف: “في مدينة الضالع لا يوجد آبار أو شبكات مياه ممتدة إلى المنازل. كثير من السكان يلجأون لشراء المياه من الصهاريج المتنقلة التي تتجاوز تكلفتها 45 ألف ريال يمني”.
ويرجع محافظ محافظة الضالع، اللواء علي مقبل، ما يعانيه مواطنو المحافظة من أزمة المياه وغيرها من الخدمات إلى جملة من الأسباب من بينها “الحرمان” التي عانت منه المحافظة.
وقال مقبل لـ “سوث24”: “الضالع عانت من ظروف قهرية سابقا ابتداءا من إضافة مديريات للمحافظة لم تكن منها، وحرمانها من الخدمات والمشاريع من قبل النظام السابق طيلة الفترة الماضية”.
وأضاف: “علاوة على ذلك، فإنَّ موقع الضالع الجغرافي على الحدود مع الشمال جعلها منطقة حرب مستمرة في مختلف المراحل وحتَّى اليوم”.
وعن أزمة المياه، قال المحافظ: “هذه المشكلة لا يمكن حلها بين لحظة وضحاها. الإشكال بدأ منذ انعدام وجود رؤية استراتيجية حقيقة من قبل السلطات المتعاقبة لمشكلة المياه وبقية المشكلات الخدمية”.
وأردف: الحوض المائي في مديرية حجر الذي يغذي الضالع يواجه أشكال الجفاف. محدودية مياه الحوض لا تلبي كافة احتياجات الناس”. وأقر المحافظ باستيلاء اللواء 35 مدرع على أحد الآبار لافتاً إلى أنًّه “تجري حاليا تفاهمات حثيثة لحل المشكلة”.
وبشَّر مقبل مواطني الضالع بتلقي السلطة المحلية وعوداً رسمية من دولة الكويت بحفر خمس آبار إضافية للمياه في القريب العاجل.
وعن دور سلطة الضالع تجاه أزمة المياه، قال الوكيل الأول نبيل العفيف لـ “سوث24”: “أنجزنا مشروع المياه الإسعافي في المحافظة بدعم من بعض المنظمات قبل ثلاثة أعوام الذي أسهم في تخفيف الأزمة إلى حد كبير”.
وأضاف: “مدينة الضالع بحاجة إلى ما لا يقل عن عشر آبار للوصول لحالة الاكتفاء المائي. بالإضافة لذلك هناك كثير من الآبار التي تحتاج لتعميق وصيانة”.
ووعد المسؤول المحلي مواطني مدينة الضالع بتخصيص 50% من مشاريع المياه المرتقبة لصالح المدينة، وما تبقى لريفها.
واتهم العفيف المنظمات الدولية العاملة في المحافظة بالتقصير والإهمال؛ لافتاً إلى أنَّ “كثير من المشكلات التي تم عرضها على هذه المنظمات التي وعدت بحلها لكنَّها لم تفي بالوعود”.
الصحة
تعتبر الخدمات الصحية في محافظة الضالع من بين الأسوأ في محافظات الجنوب كلها، طبقاً لمواطنين تحدثوا لـ “سوث24″، وأطباء وممرضين. وتنعدم كثير من الأمصال والعقاقير الهامة في مستشفيات المحافظة الحكومية والخاصة التي يتلقى فيها المرضى رعاية متواضعة.
وفي النزول الذي نفذه موفد “سوث24” إلى مستشفى النصر العام، المستشفى الحكومي الأكبر بالضالع، يمكن ملاحظة نقص الإمكانات الشديد الذي يعاني منه المستشفى في الجانب التقني والبنية التحتية بالإضافة للكوادر الطبية.
مدير المستشفى، الدكتور محمد محسن الحيدري، قال لـ “سوث24″: ” الدعم الذي يتلقاه المستشفى محصور فقط على ما يأتي من المنظمات الدولية وما يأتي من دعم حكومي ضعيف”. وأضاف: “موازنة المستشفى المقررة من الحكومة 10 مليون ريال فقط شهرياً وهي لم تتغير منذ سنوات ولا تلبي إلا القليل”.
وحمَّل الحيدري وزارة الصحة والسلطة المحلية بالمحافظة مسؤولية تردي وضع المستشفى؛ لافتاً إلى أنَّه “بات اليوم بحاجة إلى ما يقارب خمسين مليون ريال شهرياً لكي يستطيع تقديم خدماته بالشكل المطلوب”.
وأضاف: “المستشفى يفتقر للأدوية، السوائل الوريدية، مُصل داء الكلاب، ومستلزمات سوء التغذية. أسبوعيا يموت عدد من الأطفال بالضالع نتيجة سوء التغذية وانعدام مُصل داء الكلاب”.
وحذَّر المسؤول الطبي من أن “مستشفى النصر يمكن أن يغلق لو توقف دعم منظمة الصحة العالمية المتمثل اليوم بالوقود، الأكسجين، والمياه، في ظل رفض الوزارة رفع الموازنة أو تزويد المشفى بالمتطلبات التشغيلية”.
ولفت الحيدري إلى أنًّ “أغلب الحالات التي تُحوَّل من مستشفى النصر إلى العاصمة عدن هي حالات جراحة المخ والأعصاب”. وأضاف: “يجري حاليا التنسيق مع أطباء مختصين بهذا المجال لمعالجة هذه الحالات لكنَّنا لم نتلق أي دعم من مكتب الصحة بالمحافظة ووزارة الصحة لفتح قسم جراحة الأعصاب”.
بشكل أساسي، تتصدر أمراض الاسهالات، الحميات، القلب، الأطفال [سوء التغذية وأمراض الحروق، والكسور] الحالات التي تتوافد يوميا إلى مستشفى النصر من مختلف مناطق الضالع، وبالذات مدينة الضالع ومديريتي قعطبة والأزارق.
وشكَّلت مغادرة منظمة “أطباء بلا حدود” من محافظة الضالع، في نوفمبر 2018، مشكلة إضافية أضعفت القطاع الصحي المتهالك بالأصل نظراً للخدمات الصحية الهامة التي قدمتها المنظمة على مدار سنوات. وقالت المنظمة في بيان لها إنها قامت بإغلاق مشروعها الإنساني بالضالع بعد تعرضها لهجمات عنيفة وحوادث أمنية.
وانتقد وكيل أول الضالع مغادرة المنظمة “التي من المفترض أن يكون عملها في المناطق المضطربة في الأساس”، حدَّ تعبيره. وأضاف نبيل العفيف: “المنظمة فضلَّت الرحيل من مستشفى النصر والعمل بمنطقة نائية في ظل حاجة المستشفى لها”.
“مستشفى النصر بني قبل عقود على نفقة دولة الكويت، وإلى اليوم لم يشهد أي تحديث أو تطوير أو توسعة”، قال رئيس الهيئة الإدارية للمجلس المحلي بالضالع، العميد علي العود لـ “سوث24”. وأضاف: “أيضاُ مستشفى حكولة الذي بُني في 1995 إلى يومنا هذا لم يدخل الخدمة”.
واتهم محافظ الضالع “الحكومات المتعاقبة” بـ “عدم منح المحافظة أحقية التوسع في الخدمات الصحية”. وقال مقبل: “مستشفى الضالع المركزي يجري بناؤه منذ أكثر من عشرين عاماً وهذا أمر لم يسبق له الحدوث بالعالم. الحكومة لا تريد إنجاز هذا المشروع كما يبدو”.
وأضاف: “تمَّ عرض هذه الإشكالات على جميع السلطات العليا من رئاسة الوزراء إلى وزارة الصحة والمنظمات الدولية. ثمة تخاذل تجاه المحافظة التي تكبدت علاج مئات الجرحى من مناطق الحرب بشكل يومي في السابق وحتَّى الآن”.
وأردف: “اجتهدنا برفع موازنة المستشفى والضغط على وزارة الصحة، كما نسعى لعودة منظمة أطباء بلا حدود إلى الضالع. ثمة جهود حاليا مع وزارة الصحة تتمثَّل في الدفع باستحقاقات كانت مُعلقة للمقاول الذي يعمل على استكمال بناء مستشفى حكولة. حاليا يتم استئناف العمل على أمل أن يُنتهى منه في القريب العاجل وافتتاحه”.
الطرقات
من التشققات والحفر إلى غياب أعمدة الإنارة وتراكم البسطات العشوائية والنفايات، يعكس حال الطريق الرئيسي العام في مدينة الضالع حال البنية التحتية في المحافظة التي لم تشهد كثيرا من مشاريع الطرقات، ولا تزال كثير من أريافها بلا طرق مُعبدَّة.
وفي الجولة الميدانية اشتكى مواطنون لـ “سوث24” ما يقاسونه جرَّاء الطرق الرئيسية والفرعية المتدهورة في الضالع وأثر ذلك على مركباتهم وكبار السن الذين يكابدون مشقة كبيرة عند المرور في هذه الطرقات.
الخمسيني محمد فضل قال لـ “سوث24”: “يوجد فقط شارع عام واحد في الضالع ومع هذا فإنَّه متدهور وسيئ للغاية. السكان هنا يعيشون في وضع مؤسف ويعانون من ضعف الخدمات العامة وفي كل الجوانب تقريبا بما فيها الطرق”.
وحمَّل وكيل أول الضالع السلطات المركزية مسؤولية تدهور البنى التحتية والطرقات بالمحافظة. وأضاف: “بالرغم من كون الضالع أول محافظة تحرَّرت من جماعة الحوثي غير أنَّها لم تنصف”.
وأردف: “لقد تم الرفع بملف متكامل لاحتياجات المحافظة إلى رئاسة الوزراء، المنظمات الدولية، التحالف العربي ولكن للأسف لم نجد أي تجاوب حتَّى اليوم”.
وأشار العفيف إلى أنَّ “أغلب الأعمال التي تقوم بها المنظمات الدولية على قلتها وندرتها لم تطابق المواصفات وخاصة في مجال الطرقات”. وأضاف: “مشاريع رصف الطرق المدعومة من البرنامج السعودي وصلت إلى أطراف الضالع وتوقفت”.
وأضاف: “أعمال صيانة الطرق لم تكن بالجودة والشكل المطلوب. كان هناك خلل في عملية التنفيذ مثل مشروع سفلتة طريق (نقيل الربض)”.
بدوره، أرجع المسؤول بالسلطة المحلية علي العود الاختلالات في مشاريع الطرقات إلى كونها “تتم من قبل الوزارة والمنظمات الدولية بالمحافظة دون إشراك السلطة المحلية بالتنفيذ والمراقبة”.
وأضاف: “منذ عام لم يحدث أي مشروع ترميم للطرقات. آخر أعمال الترميم التي تمت كانت لطريق (العمد) إلى مديرية قعطبة غربي الضالع”. وزعم العود أنَّ عملية سفلتة الطريق “تمَّت بمواصفات متلاعب بها حيث ظهرت العيوب بعد أقل من شهرين”.
الكهرباء والاتصالات
تصل انقطاعات الكهرباء في محافظة الضالع إلى أكثر من 18 ساعة يومياً في المدينة، وأكثر من ذلك في بعض الأرياف. هذا الحال مستمر منذ سنوات عديدة إثر حرب 2015 العنيفة التي تعتبر المحافظة من أكثر المناطق تضرراً منها.
وبالرغم من ساعات التشغيل القليلة، تواجه كثير من المناطق في المحافظة، لا سيَّما الأرياف، انقطاعات قد تستمر لأسابيع جرَّاء الأمطار والسيول. واشتكى المواطنون لـ “سوث24” بطء استجابة فرق الصيانة لأي خلل أو عطل.
وقال أحد المواطنين: “عندما ينقطع أحد الأسلاك أو الكابلات أو أي خلل ما نقوم بجلب مهندسين مقابل أجرة نتقاسمها نحن المواطنون بالإضافة لتكلفة أي مواد مستخدمة في إصلاح الخلل”.
ويجد زائر الضالع صعوبة في إيجاد فندق تتوفر فيه خدمة الكهرباء بشكل دائم. يتحجج ملاك الفنادق بارتفاع تكلفة الوقود المستخدم في المولدات الصغيرة. مع حلول المساء، تكتسي شوارع المدينة بالظلام الدامس حتَّى الطرقات التي لا أعمدة إنارة فيها.
وحول هذا، قال رئيس الهيئة الإدارية للمجلس المحلي علي العود: “الموازنة التشغيلية لمكتب الكهرباء بمحافظة الضالع منعدمة والدور الحكومي المركزي غائب”.
وإلى جانب ذلك، تعاني الضالع من خدمات اتصالات وإنترنت سيئة على كافة المستويات. وحتَّى اليوم، لا زالت كثير من أرياف وقرى المحافظة معزولة تماماً عن العالم ولا يوجد فيها خدمة إنترنت، فيما تتوفر خدمة الاتصال التي توفرها الشركات الخلوية بشكل محدود يشوبه الضعف.
أسعار الغذاء
لا تتوقف مشاكل السكان في الضالع عند المياه والكهرباء والطرقات والاتصالات والخدمات الصحية السيئة، فأسعار المواد الغذائية في أسواق المحافظة من بين الأعلى أيضاً في الجنوب.
وأقر وكيل أول الضالع، نبيل العفيف، بارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بالضالع بنسب كبيرة قد تصل إلى 20% في بعض السلع مقارنة بالمحافظات الأخرى مثل عدن، فضلا عن الفوارق السعرية بين المديريات وهو ما يدل على غياب الرقابة.
وقال العفيف: “الضالع تعاني من ارتفاع للأسعار بشكل جنوني والمواطن يعاني بشكل كبير. هناك مسببات عدة لعل من أبرزها قلة التجار في المحافظة، واحتكارهم للسلع والمواد الغذائية. الأسعار هي الأعلى إذا ما تمت مقارنتها ببقية المحافظات الأخرى”.
وبالرغم مما مرت به الضالع على مدى عقود وأعوام وتصدرها الحراك الشعبي ضد النظام اليمني السابق، إلا أنَّه لا يمكن بأي حال تحميل هذه الظروف وحدها مسؤولية الوضع السيء في المحافظة التي تقفل مكاتبها وإداراتها الحكومية أبوابها قبل ساعات من الظهيرة.
ويبدو أن حالة الحد الأدنى من الخدمات في الضالع مستمرة باستمرار الحرب التي تدفع المحافظة جزءا كبيرا من تداعياتها وسلبياتها، واستمرار الحرمان الحكومي وغياب اهتمام النخب السياسية التي خرجت من الضالع وحملت لواء العمل لأجل استقلال وعودة دولة اليمن الجنوبي.
رعد الريمي
صحفي لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات