كريتر نت – متابعات
تنظر أوساط سياسية تونسية إلى الهدنة الاجتماعية الناتجة عن الاتفاق بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل والتي ستستمر لثلاث سنوات كفرصة أمام الرئيس قيس سعيد لتنفيذ خطته لإنقاذ الاقتصاد خاصة بعد أن نجح خلال الفترة الماضية في إرساء استقرار سياسي.
وعطلت التجاذبات السياسية وتزايد المطلبية النقابية خلال العشرية الماضية عجلة الاقتصاد، فبينما انشغل السياسيون والحكومات بخلافاتهم استغلت النقابات الوضع لتعزيز نفوذها وهو ما قاد في الكثير من الأحيان إلى تعطل الإنتاج بسبب الإضرابات المتواترة.
كما تسببت اعتصامات في منطقة الحوض المنجمي، وغالبا ما ساندها اتحاد الشغل، في تراجع قويّ لإنتاج الفوسفات، أحد الموارد الرئيسية للاقتصاد الوطني.
ودعّم التونسيون الإجراءات التي اتخذها الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021 وأفضت إلى حل البرلمان وإخراج حركة النهضة من الحكم، وخرج الآلاف في مظاهرات مؤيدة له، لكن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي بسبب التركيز على أمور إجرائية وقانونية بات يهدد بانفجار اجتماعي لاسيما في ظل فقدان الكثير من المواد الاستهلاكية وارتفاع الأسعار.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية ونقابيون الأربعاء إن الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل توصلا إلى اتفاق على زيادة رواتب القطاع العام 3.5 في المئة في السنوات الثلاث المقبلة في إطار محادثات بشأن إصلاحات اقتصادية أوسع تهدف إلى تأمين خطة إنقاذ مالي خارجية.
وأضافوا أن الاتفاق سيرفع رواتب موظفي الدولة بنسبة 3.5 في المئة سنويا بين 2023 و2025، وهي خطوة قد تخفف من حدة التوترات الاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة.
وقال رئيس الائتلاف الوطني التونسي ناجي جلول إن “الرئيس قيس سعيد يمرّ بفترة استثنائية في تاريخ تونس، فليس هناك برلمان يعارضه ولا أحزاب أيضا، ولا نقابات تعطل عمل الحكومة، بل إن كل ممهّدات النجاح متوفرة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “الاتفاق بين الحكومة والاتحاد على امتداد ثلاث سنوات، هو فرصة تاريخية لا تُعاد بالنسبة إلى سعيّد لتطبيق برنامجه، وللخروج من الأزمة في ظل الهدنة الاجتماعية المتوفرة الآن”.
وشدّد ناجي جلول “الرئيس سعيّد ليس له الحق في الفشل اليوم”.
وقال نقابيون لوكالة رويترز إن الاتفاق سيوقع اليوم الخميس، دون الخوض في المزيد من التفاصيل.
وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان الاتفاق سيشمل أيضا خفض الإنفاق على الدعم الحكومي والشركات المملوكة للدولة والمثقلة بالديون مثلما يطالب صندوق النقد.
ورفض الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يقول إنه يضم أكثر من مليون عضو وأثبت قدرته على إغلاق قطاعات رئيسية من الاقتصاد بالإضرابات، في السابق خططا لخفض الدعم أو إعادة هيكلة الشركات الحكومية الخاسرة عبر الخصخصة.
وتسعى الحكومة التونسية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لمساعدتها في تمويل ميزانيتها، وتريد تقديم إصلاحات تظهر للمانحين أنها تضع ماليتها العامة على مسار مستدام.
ويقول صندوق النقد الدولي إن الحكومة في حاجة إلى اتفاق رسمي بشأن الإصلاحات مع الاتحاد العام التونسي للشغل قبل أن يوافق على برنامج القرض. وقال مانحون رئيسيون آخرون لتونس إنهم لن يقدّموا دعما للميزانية ما لم تدخل الحكومة في برنامج لصندوق النقد الدولي.
وتواجه تونس بالفعل نقصا في بعض السلع المدعومة في المتاجر في جميع أنحاء البلاد، وهو ما ألقى الرئيس باللوم فيه على المضاربين، لكنّ نقابيين قالوا إن السبب يعود إلى صعوبات في دفع ثمن الواردات.
وأفاد المحلل السياسي باسل الترجمان بأن “اتحاد الشغل وقياداته واعون بحقيقة التحديات، وأنه لا يمكن الاستمرار في نفس التصعيد السابق، في ظل الكمّ المخيف من المديونية التي تعاني منها البلاد، ولا بدّ من محاسبة من تورّطوا في فعل ذلك”.
وأكّد في تصريح لـ”العرب” أن “هذا الاتفاق سيخلق أجواء إيجابية جدّا، وسيفضي إلى رؤية مشتركة تسعى لما يمكن أن نسمّيه إعادة انطلاق الاقتصاد، كما ستساهم هذه التفاهمات في تعزيز موقف تونس ومفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، وسيكون هناك العديد من المسائل التي ستنجز سويّا (بين رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، واتحاد الشغل)”.
وتابع الترجمان “نحن أمام متغيّر مهم، سيساهم بشكل إيجابي في حلحلة الأزمات، ونتوقع أن تونس بدأت بشكل جدّي في محاربة الفساد ومراقبة صرف الأموال القادمة من الجهات المانحة”.