هند سليمان
صحفية مصرية
ربما تود جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في بعض الدول، لو تسوّى بها الأرض، ولا سيّما بعد تصريح لأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يتبرأ فيه من أيّ علاقة مع الجماعة، ويؤسس فيه لقواعد التعامل معها في المرحلة المقبلة.
وقد نفى تميم بن حمد، في حوار مع صحيفة “لوبوان” الفرنسية أمس، أن تكون لبلاده أيّ علاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين، مؤكداً أنّ الدوحة تتعامل مع الدول والحكومات، وليس مع الأحزاب السياسية.
تصريحات أمير قطر تأتي عقب محادثات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي بدأ أول من أمس زيارة هي الأولى للدوحة منذ توليه الحكم في 2014، بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، وبعد أعوام من التوتر مع قطر على خلفية اتهامها بدعم جماعة الإخوان المسلمين والتدخل في الشأن الداخلي المصري بطرق عدة منها قناة الجزيرة القطرية على نحو يزعزع استقرار مصر ويثير الفتن فيها.
“لسنا حزباً”
تصريحات أمير قطر حول العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين تأتي في الوقت الذي تعاني فيه الجماعة من انقسامات هيكلية متجذرة أفرزت (4) جبهات؛ منها جبهة المكتب العام، التي يشير العديد من التقارير إلى تواجدها في قطر، ودخولها مرحلة الموت الإكلينيكي.
وبحسب تصريحات سابقة للباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي أحمد سلطان، فإنّ جبهة المكتب العام كانت تتلقى “دعماً من جهات معينة بإحدى دول الخليج (قطر) في الفترة من 2015 حتى 2017”.
حديث تميم بن حمد عن العلاقة مع الإخوان قد يرجح أيضاً أنّ الجماعة، التي لطالما لعبت دوراً “وظيفياً” في المنطقة العربية، عفا عليها الزمن وباتت “بطاقة محروقة”، أو أنّها باتت في وضع لا يسمح لها بالتوظيف ولعب الأدوار نفسها، ولا سيّما بعد فشلها في تحقيق الأهداف التي حصلت بموجبها على دعم تلك الدولة الخليجية.
وفي حزيران (يونيو) 2017، قطعت دول ما يُعرف بـ”الرباعي العربي”: مصر والإمارات والسعودية والبحرين علاقاتها مع قطر، بعدما وجّهت القاهرة اتهامات للدوحة بدعم جماعة الإخوان المسلمين التي أطيح بها بعد ثورة شعبية في (30) حزيران (يونيو) 2013، والتدخل في شؤون مصر الداخلية على نحو مزعزع للاستقرار.
وبعد (3) أعوام من قطيعة خليجية ومصرية لقطر في حزيران (يونيو) 2017، وقّعت مصر والسعودية والإمارات والبحرين، بوساطة كويتية، “بيان العلا” للمصالحة مع الدوحة، بناءً على قائمة بـ (13) شرطاً؛ أبرزها وقف جميع وسائل التمويل للأفراد أو الجماعات أو المنظمات المصنفة إرهابية من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين والولايات المتحدة الأمريكية، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب تسليم إرهابيين للدول العربية الـ (4)، وعدم تدخل قناة “الجزيرة” بالشؤون الداخلية لدول الرباعي التي تتهمها بإثارة الفتن وزعزعة الاستقرار.
تغيير جذري
بعد أكثر من عام ونصف العام من بيان العلا في كانون الثاني (يناير) 2021، اتخذ أمير قطر خطوة جدية نحو المصالحة مع مصر، فقد زار القاهرة في حزيران (يونيو) الماضي في زيارة حملت في طياتها العديد من الإشارات المهمة، وعلى رأسها تهنئة الشعب المصري والقيادة المصرية بذكرى ثورة الـ (30) من حزيران (يونيو) التي أطاحت بالرئيس الإخواني محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في 2013، على نحو يمثل اعترافاً صريحاً وواضحاً بالثورة ضد الإخوان، في تحوّل جذري في الموقف القطري.
ولترسيخ المصالحة، دعا أمير قطر الرئيس السيسي إلى زيارة الدوحة، وهو ما لبّاه الرئيس المصري أول من أمس، في زيارة هاجمها الإخوان دون المساس من قريب أو بعيد بقطر.
مرحلة جديدة
حوار أمير قطر مع الصحيفة الفرنسية حمل كذلك إشارات إلى رغبته في تجاوز ملف الإخوان وخلافات الماضي مع “الرباعي العربي”، مع المضي قُدماً في فتح صفحة جديدة من العلاقات، فقد قال حول العلاقات مع السعودية ودول أزمة حزيران (يونيو) 2017: “لا أريد التحدث عن الماضي، دخلنا مرحلة جديدة”.
وأكد أنّ “الأمور تتحرك في اتجاه إيجابي، رغم اختلافنا في بعض الأحيان. نتطلع للمستقبل رفقة دول مجلس التعاون الخليجي”، لافتاً إلى أنّ “مجلس التعاون الخليجي دخل مرحلة من التعافي بعد صدمة كبيرة، نحن الآن في الاتجاه الصحيح”.
وفي حين يعضّ عناصر جماعة الإخوان المسلمين الأنامل من الغيظ لاستقبال الرئيس السيسي في الدوحة، أكد السفير هريدي أنّ “هناك ميلاً مصرياً لتجاوز ملف الإخوان المسلمين، وتحييد الجماعة”، حتى لا تكون “عائقاً” لتطوير العلاقات مع قطر في ظل تصاعد الأزمات التي تجابهها المنطقة، وأنّ فترة القطيعة السابقة وفّرت معطيات يحاول الطرفان استيعاب دروسها.
وقد لجأت الجماعة، في المقابل، إلى خلط الأوراق، ففي التفاف واضح على تورط الإخوان، ومن بينهم الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي، في تسريب “وثائق سرّية للغاية” تتعلق بالأمن القومي المصري لجهاز المخابرات القطري وقناة الجزيرة، اعتبر بعض عناصر الجماعة، بشكل يدعو للسخرية، أنّ الزيارة تبرئة لمرسي.
وفي أيلول (سبتمبر) 2017، حُكم على مرسي بالسجن المؤبد في القضية المعروفة إعلامياً بـ”التخابر مع قطر” التي تضم أيضاً (11) متهماً آخر، أغلبهم إعلاميون عملوا مع قناة “الجزيرة” القطرية، أدينوا باختلاس تقارير صادرة عن جهازي المخابرات العامة والحربية، والقوات المسلحة، وقطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية، وهيئة الرقابة الإدارية، من بينها مستندات غاية في السرّية تضمنت بيانات حول القوات المسلحة وأماكن تمركزها والسياسات العامة للدولة.
المصدر حفريات