بابكر فيصل
تطرقت في الجزء الأول من هذا المقال لموقف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من قضايا “التكفير” و”الردة” بحسب ما جاء في الوثيقة التأسيسية للاتحاد المعروفة باسم “الميثاق الإسلامي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”.
وأتناول في هذا الجزء موقف الإتحاد من موضوعات وحدة الأمة الإسلامية والمرأة .
في فصل من الميثاق تحت عنوان “وحدة الأمة الإسلامية” تمت الإشارة لأهمية نبذ الخلافات والعمل من أجل جمع صف الأمة ذلك أن “المسلمين إخوة، جمعتهم العقيدة الواحدة، والقبلة الواحدة، والإيمان بكتاب واحد، ورسول واحد، وشريعة واحدة، وأن عليهم أن يزيلوا كل العوامل المفرقة لجماعتهم”.
ويتمثل أحد الأهداف الرئيسية لوحدة الأمة في العمل على تحرير الأرض الإسلامية، إذ يقول الميثاق في هذا الخصوص: “وعلى المسلمين متضامنين، أن يعملوا على تحرير “الأرض الإسلامية” من غاصبيها، وفق توجه يأخذ في الحسابات المصالح الإسلامية العليا، والحاجات والمقتضيات العسكرية والاقتصادية والبشرية. وعملهم في هذا من أفضل الجهاد في سبيل الله. فمن عجز وحده عن مقاومة الغزاة، وعن تحرير أرضه، فعلى جميع المسلمين أن يعاونوه بما يستطيعون”.
ويضيف “ولفلسطين، خاصة، مكان في جهاد المسلمين اليوم، فهي أرض النبوات، ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وبلد المسجد الأقصى، وهي قضية كل مسلم، فعلى الأمة الإسلامية كلها: أن تعاون أهلها بكل ما يحتاجون إليه، حتى تتحرر أرضها السليبة، ويستعيد شعبها حقه، ويقيم دولته المستقلة في أرضه”.
لا شك أن الحديث عن ضرورة وحدة الأمة الإسلامية يستند إلى الأساس الذي انبنت عليه دعوة الإخوان المسلمين وفق الرؤية التي وضعها المرشد المؤسس، حسن البنا، للانتقال من واقع “الاستضعاف” إلى قوة “التمكين” عبر ست مراحل، وهي المراحل التي تبدأ بالفرد ثم الأسرة ثم المُجتمع ثم الدولة ثم الخلافة الإسلاميَّة وأخيراً “أستاذية” العالم.
ومن الملاحظ أن الميثاق قد تحدث عن تحرير الأرض الإسلامية دون تعريف ماهية تلك الأرض، إذ أنه أشار في فقرة منفصلة إلى قضية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وهي قضية معروفة، وهناك إجماع حولها بين المسلمين، ولكنه صمت عن توضيح بقية الأراضي الإسلامية التي يجب تحريرها.
غير أن الباحث المدقق في أدبيات الأخوان يدرك أن معنى تحرير الأرض الإسلامية الذي يرمي إليه الميثاق هو ليس شيئا سوى “استعادة المستعمرات الإسلامية السابقة في أوروبا”، وأن وحدة الأمة تعني إقامة الكيان الإسلامي الكبير الذي سيحمل على عاتقه مسؤولية “الجهاد” من أجل استعادة تلك المستعمرات.
وهو الأمر الذي أوضحه حسن البنا دون مواربة في رسالة “إلى الشباب” التي يقول فيها: “ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خافقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حينا من الدهر ودوى فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه فتعود إلى الكفر بعد الإسلام. فالأندلس وصقلية والبلقان وجنوب إيطاليا وجزائر بحر الروم، كلها مستعمرات إسلامية يجب أن تعود إلى أحضان الإسلام، ويجب أن يعود البحر الأبيض والبحر الأحمر بحيرتين إسلاميتين كما كانتا من قبل”.
إذاً، وحدة الأمة وتحرير الأرض الإسلامية بحسب هذا المفهوم تعني ضمن ما تعني استعادة البلاد التي مضت “للكفر” إلى حضن الإسلام مرة أخرى، عبر الجهاد الهجومي وذلك بعد إعداد العدة وترتيب الصفوف ووفقاً “للحاجات والمقتضيات العسكرية والاقتصادية والبشرية”، كما يقول ميثاق الاتحاد.
أما فيما يلي قضية المرأة، فإن الميثاق يقول: “إنَّ رعاية الأسرة هي أولى مهمات المرأة بلا جدال، أما فائض الوقت والجهد حين يوجد فإن المرأة تستخدمه للقيام بسائر واجباتها الاجتماعية، والواجبات يتحدد نطاقها باختلاف ظروف المرأة نفسها، واختلاف ظروف المجتمع وحاجاته وتطوره. وهو يشمل كل نشاطات المجتمع الاقتصادية والسياسية ناخبة ومرشحة، فيما عدا الإمامة العظمى”.
موقف الاتحاد أعلاه يعكس تطوراً في موقف الإخوان المسلمين التأسيسي من قضية المرأة فيما يخص حق العمل والانتخاب, وهو الموقف الذي عبر عنه حسن البنا بالقول: “ما يريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة مردودٌ عليهم بأنَّ الرجال، وهم أكمل عقلاً من النساء، لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهنَّ ناقصات عقل ودين”.
وهكذا فإن المرشد المؤسس يرى أن النساء “ناقصات عقل ودين” ولذا لا يجب أن يُمنحن حق الانتخاب ولا حق العمل بالمحاماة، والاتحاد يقول إن النساء يمكن أن يمنحن حق الانتخاب و يعملن في مختلف المجالات عدا الولاية الكبرى “الرئاسة”.
ونحن من جانبنا، نقول إن القرآن أوضح أن “الولاية” في الإسلام تقوم على شرطٍ واحدٍ هو “الإيمان” وليس هناك شرط سواه. وهو ما جاء في سورة التوبة: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم”.
يستند دعاة رفض مشاركة المرأة في الولاية العامة على حديث “ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”، وهو حديث ورد بروايات متعددة منها: “لن يفلح قوم تملكهم امرأة”، “لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة”، و”لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة”.
وتقول مناسبة ورود الحديث إن جماعة قدموا من بلاد فارس إلى المدينة المنورة فسألهم الرسول (ص): “من يلي أمر فارس؟ قال أحدهم: امرأة، فقال (ص) “ما أفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة”، وهو قول لا يمكن أن نستنبط منه حُكماً نهائياً بعدم جدارة مشاركة النساء في الولاية العامة، بل يُعبِّر عن “رأي خاص” للرسول الكريم في سياق الحرب مع العدو، وهو كذلك بمثابة النبوءة السياسية بحتمية سقوط حكم فارس.
وشبيهٌ بهذا “الرأي الخاص” ما قال به الرسول الكريم في حادثة تأبير النخل التي روتها السيدة عائشة بقولها إنَّ “النبي “ص” مرَّ على قوم في رؤوس النخل، فقال : ما يصنع هؤلاء؟ قالوا : يؤبرون النخل، قال: لو تركوه لصلح، فتركوه، فشيص، فقال: ما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم بأمر دنياكم، وما كان من أمر دينكم فإلي”. (الشي : التمر الذي لا يشتد نواهُ، وإنما يتشيَّص إذا لم تلقح النخل. و تأبير النخل إصلاحه).
وما يؤيد قولنا هذا هو أن القرآن الكريم أثنى على “بلقيس” ملكة سبأ وهي امرأة تسلمت “ولاية كبرى” بينما ذم فرعون مصر وهو رجل، مما يدل على أن معيار التمايز في المشاركة في الولاية العامة ليس “الجنس” ولكن “الكيفية” التي تتم بها أخذ الولاية العامة.
وفي عصرنا هذا تولت العديد من النساء الحكم في دول إسلامية كبرى مثل “بنازير بوتو” في باكستان، والشيخة “حسينة واجد” في بنغلاديش، كما أن هناك نساء تولين حكم الأقاليم (وهي ولاية عامة) في السودان وحققنَّ جميعا نجاحات كبيرة لا تقل، إن لم تكن تفوق، تلك التي حققها الرجال.
نقلاً عن “الحرة”