كريتر نت – صحف
الحوثيون ينجحون في غالب الأحيان في تجاوز الضغوط والتهرب من أي التزامات تجاه السلام، وخاصة تحسين الأوضاع في تعز، في مقابل ذلك، فإن المجتمع الدولي ينجح باستمرار في تحصيل تنازلات مجانية من الحكومة الشرعية التي قبلت بكل شروط الحوثيين.
عدن – كشفت مصادر سياسية مطلعة لـ”العرب” عن اقتراب التوصل إلى اتفاق بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والحوثيين المدعومين من إيران، حول تمديد الهدنة التي تنتهي مطلع أكتوبر القادم لستة شهور أخرى.
وقالت المصادر إن المبعوثين الأممي والأميركي إلى اليمن، إلى جانب سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي في اليمن، لعبوا دورا خلال الأيام الماضية في إقناع رئيس مجلس القيادة الرئاسي بالموافقة على تقديم تنازلات إضافية لمنع انهيار الهدنة الأممية.
ووفقا للمصادر، من المتوقع أن توافق الحكومة اليمنية على الاشتراطات الحوثية لتمديد الهدنة والتي تتضمن فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ودفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين، في مقابل تقديم الحوثيين تنازلات في ما يتعلق بفتح الطرقات في مدينة تعز، دون أن يعرف حتى الآن حجم هذه التنازلات الحوثية التي يعتقد أنها جاءت نتيجة زيارة المبعوث الأممي إلى إيران وتدخل المسؤولين في طهران، إضافة إلى الجهود الذي بذلها المبعوثان الأممي والأميركي وسفراء الاتحاد الأوروبي خلال زياراتهم إلى العاصمة العمانية مسقط.
وطالب رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك الجمعة بدور أوروبي وهولندي لتثبيت وقف إطلاق النار في بلاده، وإلزام الحوثيين بتنفيذ بنود الهدنة خصوصا فك الحصار عن مدينة تعز (جنوب غرب).
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها عبدالملك خلال مباحثات عقدها بالعاصمة المؤقتة عدن (جنوب) مع وزيرة التجارة الخارجية والتعاون الدولي الهولندية ليسجي شرينماخر والوفد المرافق لها.
وأشار عبدالملك إلى “مسار الهدنة الإنسانية وخروقات الحوثيين، والدور الأوروبي والهولندي المطلوب لتثبيت وقف إطلاق النار، وإلزام الميليشيات الحوثية الوفاء بتعهداتها بموجب إعلان الهدنة، وخصوصا فتح طرقات تعز والمحافظات الأخرى ودفع رواتب الموظفين من عائدات موانئ الحديدة”.
وكانت الخارجية الأميركية قد ألمحت في بيان لها إلى نجاح مبعوثها الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ في تحقيق اختراق في ملف إنقاذ الهدنة، حيث قالت إن زيارته إلى دول المنطقة تكللت بالنجاح وإنه “وجد دعمًا من جميع نظرائه في المنطقة لاتفاقية هدنة موسعة تشمل رواتب موظفي الخدمة المدنية، وتحسين حرية الحركة من خلال فتح الطرقات، ونقل الوقود بسرعة عبر الموانئ، وتوسيع الرحلات التجارية من مطار صنعاء”.
وأثارت تصريحات حديثة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس التساؤلات حول حقيقة رؤية المنظمة الدولية للأزمة في اليمن، بعد أن قال إن الحكومة اليمنية ليست الطرف الوحيد الذي قدم تنازلات، مشيرا إلى أن الحوثيين قدموا كذلك تنازلا وصفه بالمؤلف بعد أن أوقفوا الهجوم على مأرب، حسب تعبيره.
وأكدت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة التي تشرف على تنفيذ اتفاق السويد حول الحديدة، وكذلك الهدنة بين الحكومة اليمنية والحوثيين، على تركيز المجتمع الدولي ضغوطه على “الشرعية” اليمنية باعتبارها الطرف “العاقل” و”الملتزم”، في حين يعتبر التزام الحوثيين الجزئي باتفاق وقف إطلاق النار تنازلا يستوجب على الحكومة اليمنية تنفيذ اشتراطاته الأخيرة التي تلزم الشرعية اليمنية بالتنازل عن جزء من مهامها السيادية لصالح الميليشيات المدعومة من إيران.
وكانت “العرب” قد انفردت في وقت سابق بالكشف عن سيناريو تمديد الهدنة والذهاب نحو تنفيذ الاشتراطات الحوثية، بضغوط دولية وأممية على الحكومة الشرعية، في وقت تؤكد المصادر تحضير الحوثيين لحزمة جديدة من المطالب لتمديد الهدنة تتضمن تقاسم إيرادات النفط والغاز مع الحكومة الشرعية وتشغيل الكهرباء في مناطق سيطرته عبر محطة مأرب الغازية.
وفي تصريح لـ”العرب” حول فرص تمديد الهدنة وإمكانية استجابة الشرعية لاشتراطات الحوثي في ظل التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي والأمين العام للأمم المتحدة، قال ماجد المذحجي المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية إن المسار الحديث لمجريات الملف اليمني يذهب باتجاه تمديد الهدنة وفقا للمتطلبات السياسية الخاصة بهذا التمديد الحالي التي يبدو أن مسارات التفاوض الخلفية قد لبّتها.
ولفت المذحجي إلى أنه ما زالت هناك أسئلة حول ما إذا كانت الشرعية تحديدا ستقوم بتجاوز ملف الطرقات في تعز وكيف سيستجيب الحوثي لهذا الملف الذي يعد واحدا من أكبر التحديات السياسية التي تشكل ضغطا كبيرا على مجلس الرئاسة وتحديدا رئيسه رشاد العليمي.
الهدنة بين الطرفين مستمرة حتى تكتمل الشروط
وتابع “الخيارات قليلة أمام المجلس الرئاسي، لكن المزاج العام الإقليمي والدولي مزاج داعم لتمديد الهدنة، بالنظر إلى وجود استحقاقين أساسيين في العالم وفي المنطقة هما الانتخابات النصفية الأميركية وكأس العالم في قطر وهما حدثان يدفعان باتجاه فرض التهدئة بأي كلفة كانت لذلك أظن سيمر مسار الهدنة رغم كل شيء”.
ومن جهته يقلل الباحث السياسي اليمني مصطفى الجبزي من قدرة الشرعية اليمنية المناورة لانتزاع أي مكاسب محتملة من تفاعلات الملف اليمني التي تذهب باتجاه تمديد الهدنة، استجابة لمتطلبات إقليمية ودولية، وقال الجبزي في تصريح خاص لـ”العرب” إنه “لا يوجد سبيل للحكومة الشرعية إلا القبول بما يقترح عليها لتمديد الهدنة حيث أن وضعها الحالي منذ الترتيبات الأخيرة لمجلس القيادة وإستراتيجيتها المتبعة منذ بداية الحرب لا تتيح لها أن تملي شروطا أو تكون المتحكم بمجريات الأمور”.
وتابع “يتعنت الحوثي ويعلم أنه سينال ما يريد لأن المجتمع الدولي متلهف لإرضائه دون العناية بشروط السلام الحقيقية في اليمن”.
وبدوره يؤكد الباحث السياسي اليمني ورئيس مركز فنار لبحوث السياسات عزت مصطفى أن الحديث عن هدنة موسعة دون اتفاق موقع من الشرعية والحوثيين يعني هدنة قابلة للانهيار في أي وقت بعد مضي 6 أشهر من تطبيق الهدنة الحالية التي أرسيت لشهرين ومددت مرتين.
وعبر مصطفى في تصريح لـ”العرب” عن توقعه أن تمدد الهدنة لشهرين إضافيين أو إلى نهاية ديسمبر القادم في ظل فشل إلزام الحوثيين بتنفيذ أي من التزاماتهم الإنسانية التي قامت الهدنة على أساسها خاصة وأن الميليشيا تتعمد إبداء عدم رغبتها في تمديد الهدنة مع قرب انتهائها كما كل مرة لتصل إلى قبول المجتمع الدولي بتمرير تجديد للهدنة دون نقاش الحوثيين حول التزاماتهم المؤجلة.
ولفت مصطفى إلى أن تصريح الأمين العام للأمم المتحدة الذي اعتبر أن الحوثيين قدموا تنازلا بوقف هجومهم على مأرب، بينما المعطيات العسكرية على الأرض تؤكد أنهم لم يوقفوا هذا الهجوم، نتيجة رغبتهم أو استجابة لمطالب المجتمع الدولي إنما اضطرارا عسكريا بعد الانتصارات التي حققتها ضدهم مطلع العام ألوية العمالقة الجنوبية في مديريات بيحان وشبوة وحريب ومأرب والتي أثرت على الموقف الحوثي الهجومي ضد مأرب وتحول إلى حالة دفاعية للحيلولة دون مزيد من الخسائر في صفوفهم والتي جاءت الهدنة لاحقا لتعطيهم فرصة لترميم الانهيار العسكري الذي لحق بهم.
وتابع “من المرجح أن ما لم يتحقق في الأشهر الستة السابقة من الهدنة لن يتحقق في حال توسيعها دون اتفاق مكتوب ودون إلزام مصحوب بالتلويح بعقوبات واضحة خاصة في ملفات صرف مرتبات موظفي الخدمة المدنية في مناطق سيطرة الميليشيا أو فتح المعابر في تعز وعدة محافظات وملف الأسرى والمعتقلين وغيرها من الملفات، فالميليشيا الحوثية تقايض المجتمع الدولي بفرض هدنة مقابل تراجعها عن إيذاء العالم عبر خط الملاحة الدولي في البحر الأحمر نظير تنازل المجتمع الدولي عن تحقيق مصالح اليمنيين من الهدنة وهي الرسالة التي سبق للميليشيا الشهر الفائت أن بعثتها للعالم باستعراضها بألغام بحرية ومسيرات وزوارق مفخخة في مدينة الحديدة الساحلية”.