رشا عمار
صحفية مصرية
كمن أراد أن ينفض الغبار عن ثوبه الأبيض، تحدث أمير قطر تميم بن حمد عن علاقة بلاده بجماعة الإخوان المسلمين، نافياً تقديم أيّ دعم للتنظيم؛ بل زاد مستغرباً، أثناء حواره مع جريدة “لوبوان” الفرنسية، عقب ساعات من لقائه مع الرئيس المصري الذي زار الدوحة، الثلاثاء الماضي، زاد قائلاً: “نحن نتعامل مع الحكومات والمؤسسات الشرعية، وليس الأحزاب أو الجماعات”، ثم تساءل: “هل نحن حزب؟”.
الأمير القطري برر أيضاً تواجد قيادات تنظيم الإخوان الهاربين من مصر المتهمين بقضايا إرهاب داخل الأراضي القطرية بأنّ “بلاده تتبنّى سياسة منفتحة، ويمر بها عدد كبير من الأشخاص من أصحاب الآراء والأفكار المختلفة”، وأضاف: “ولكنّنا دولة ولسنا حزباً، ونتعامل مع الدول وحكوماتها الشرعية، وليس مع المنظمات السياسية”.
التصريحات القطرية لم تكن لتمرّ مرور الكرام دون تحليلها وقراءة الأهداف والرسائل، ليس لكونها تتناقض مع الواقع الذي يشير إلى أنّ الدوحة تقدّم كافة أشكال الدعم لقيادات جماعة الإخوان والتنظيم بوجه عام منذ استضافتهم مطلع السبعينيات، رغم إعلان قطر وقتها حل فرع الإخوان المسلمين داخل البلاد، ثم رعايتهم وتقديم الدعم المالي والسياسي والإعلامي للتنظيم منذ سقوطهم في مصر في عام (2013)، لكن الأهم بخصوص تلك التصريحات هو مآلات العلاقة المستقبلية بين قطر والإخوان، وهل يقصد الأمير أنّ بلاده ستتوقف مستقبلاً عن دعم الإخوان، أم أنّها جزء من حديث للصحافة في ضوء رغبة قطرية لإتمام التقارب العربي والتوقف عن سياسة الاختلاف الإقليمي بهذا المجال، أم أنّ التنظيم أصبح بالفعل ورقة محروقة؟
انسحاب تكتيكي
في إطار تعليقه لـ”حفريات” على تصريحات أمير قطر عن الإخوان، يقول الكاتب والباحث المصري المختص بالإسلام السياسي منير أديب: إنّ العلاقة الوظيفية بين الدوحة وتيارات الإسلام السياسي بشكل عام، وجماعة الإخوان خصوصاً، قائمة ومتجذرة، ربما ستتأثر بفعل التحولات المتعلقة بالتقارب العربي الحاصل مؤخراً وسعي قطر نحو إنهاء الخلافات مع محيطها الإقليمي، لكنّ هذه العلاقة التي تربط الدوحة بتيارات الإسلام السياسي لن تتحول أبداً إلى النقيض، رغم التحولات التي من المتوقع أن تطرأ عليها.
ويتفق مع منير في الرأي، الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي، طارق البشبيشي؛ إذ يرى، بحسب تصريحه لـ”حفريات”، أنّ الدور الذي تقوم به جماعة الإخوان، إلى جانب قطر، لصالح بعض الدول وأجهزة الاستخبارات لم ينتهِ بعد، ربما ستتحول أدواته ويتغير شكله خلال الفترة المقبلة نتيجة الضغوط على الدوحة جرّاء سلوكها في دعم وتمويل التطرف.
ويرى الخبيران أنّ تصريحات أمير قطر لا تخرج عن إطار الانسحاب التكتيكي من مشهد دعم الإخوان، ولكنّه ليس قراراً نهائياً بالتخلي عن التنظيم وقياداته، وإنّما تحول في السياسات، بمعنى أن تطالب قطر قيادات التنظيم المقيمين على أراضيها بالمغادرة، وتخفف الخطاب الإعلامي المعادي للقاهرة، من خلال إعلامها الرسمي (الجزيرة)، وإغلاق بعض المنصات التابعة للتنظيم التي تبث من داخل البلاد.
هل ثمّة إجراءات قطرية ضد الإخوان؟
لا يعتقد منير أديب أن تمتد الإجراءات القطرية إلى أكثر من ذلك، وباعتقاده لن تُسلّم الدوحة أيّاً من قيادات الجماعة المتواجدين على أراضيها للسلطات المصرية، لكنّها طالبتهم، وفق معلوماته، بمغادرة البلاد، مشيراً إلى أنّ تحركات الدوحة خلال الأيام الماضية تعكس أنّها ليس لديها مشكلة في مسألة تقليل الدعم المقدم لجماعة الإخوان، مقابل تحقيق تفاهمات قريبة مع القاهرة بخصوص عدة ملفات أخرى.
وبحسب أديب، حدث تطور في العلاقات بين مصر وقطر خلال فترة وجيزة، ممّا يعني أنّه سيؤثر على سياسة الدعم القطري للإخوان، لكن لا نتوقع أن تتحول إلى النقيض، مشيراً إلى أنّ ملف الإسلام السياسي سيظل أحد الأدوات الوظيفية لتحقيق أجندات محددة داخل المنطقة العربية، حتى وإن اختلفت الآليات، لكنّ الأهداف ستظل قائمة، وتحتاج إلى المزيد من الحذر في التعامل معها، وعدم تصديق كافة الرسائل أو اعتبارها تحولات جوهرية.
لماذا قطر مضطرة لتحويل سياستها؟
يتفق الخبيران على أنّ التحرك القطري ضد جماعة الإخوان جاء مدفوعاً بعدة أسباب اضطرارية، فبحسب البشبيشي، لم تُجدِ السياسة القطرية في تقديم الدعم منقطع النظير لتيارات الإسلام السياسي، وفي القلب منها جماعة الإخوان، خاصة في الفترة التي أعقبت 30 حزيران (يونيو) عام 2013، ولم تجلب أيّ نفع للبلاد، بالعكس أرهقتها في أزمات متتالية وعزلة مع محيطها الإقليمي، وتسببت في خسائر هائلة جرّاء المقاطعة العربية، لذلك وجدت الدوحة نفسها مضطرة للتراجع قليلاً عن هذا النمط، وتحويل بوصلة السياسة نحو التهدئة، والالتزام بتعهدات سابقة قطعتها على نفسها بالتوقف عن دعم التيارات المؤدلجة.
كذلك يرى منير أديب أنّ ثمّة مجموعة من الدوافع تقف خلف تحولات السياسة القطرية؛ منها تراجع الرهان على مشروع الإسلام السياسي أو جماعة الإخوان، على وجه الخصوص، باعتباره حصان طروادة لتحقيق مصالح الدول المساندة له في منطقة الشرق الأوسط، فيما أجبرت متوالية السقوط التي مُني بها التنظيم وخساراته المتعددة، وحالة النبذ والنفور الشعبي التي بات يعاني منها، أجبرت داعميه ومؤيديه على التراجع عن سياسات دعمه بشكل مباشر والاعتماد على آليات أخرى بديلة على أمل أن تجد تلك البدائل طريقها لتحقيق مآربها.
كيف يؤثر ذلك على مستقبل الإخوان؟
يرى الخبيران أنّ التداعيات الإقليمية بشكل عام تزيد من أزمة الإخوان وتعمقها، ففي الوقت الذي يعاني فيه التنظيم من حالة انشطار تاريخية، وتنقسم الجماعة فعلاً إلى مجموعات صغيرة، تنسحب القوى التي كانت أكثر دعماً لها خلال الأعوام الـ (10) الماضية، سواء قطر أو تركيا، من مشهد الداعم للإخوان، وتحاول مراجعة سياستها، وهو ما يجعل الإخوان مضطرين للبحث عن ملاذات بديلة آمنة.
ويرجح منير أديب، أن يغادر العشرات من عناصر التنظيم خلال الأيام المقبلة قطر إلى دول أفريقية مثل؛ كينيا، بينما ستتجه القيادات إلى دول أوروبية ينشط فيها التنظيم مثل؛ لندن وكندا.
المصدر حفريات