كريتر نت – متابعات
تقف دول الاتحاد الأوروبي عاجزة عن التحكم في أزمة الطاقة وإيجاد حلول لها مع اقتراب فصل الشتاء وتزايد مخاوف مواطنيها من عجزهم عن تسديد فواتيرهم ومواجهة حالة النقص الحاد في الكهرباء والغاز. ويأتي هذا العجز وفق محللين من صعوبة توافق دول الاتحاد لاختلاف مصالحها ورفض البعض منها تقديم تنازلات لمصلحة الجميع.
ولم تنته اجتماعات دول الاتحاد الأوروبي في الفترة الماضية بقرارات نهائية تحل مشكلة الطاقة التي تنبئ بدخول المنطقة في شتاء صعب يعاني منه المستهلكون والشركات، خاصة بعد إعلان وسيا إيقاف ضخ الغاز الطبيعي إلى ألمانيا عبر خط الأنابيب الرئيسي نورد ستريم 1 في البداية لمدة ثلاثة أيام بدعوى إجراء صيانة دورية، ثم إلى أجل غير مسمى بسبب “صعوبات فنية”.
واجتمع وزراء الطاقة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة في العاشر من سبتمبر الجاري لإجراء مناقشة طارئة حول وضع إمدادات الطاقة في التكتل. ولم يتفقوا سوى على تحديد سقف على عائدات مرافق الطاقة التي لا تستخدم الغاز لتوليد الطاقة.
ولم يتفقوا على أي شيء آخر اقترحته المفوضية، بما في ذلك وضع حد أقصى لسعر واردات الغاز الروسي، وحد أقصى لأسعار الطاقة النهائية، والتدخل المباشر في أسواق الكهرباء في الاتحاد. ويصعب إقناع 27 دولة بالاتفاق على أشياء كثيرة دون تنازلات. وهذا ما قد يقوض خطط الاتحاد الأوروبي لفصل الشتاء.
وقد اقترحت المفوضية الأوروبية برئاسة أورسولا فون دير لاين أن تفرض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حدا أقصى لسعر واردات الغاز الطبيعي الروسي، وخفضا إلزاميا في استهلاك الطاقة في دول التكتل، وتحديد حد أقصى لإيرادات مرافق الطاقة التي لا تستخدم الغاز لتوليد الطاقة.
إيرينا سلاف: اتفاق الدول الأوروبية على مسار عمل واحد تحدّ يستوجب تنازلات
وكان سقف أسعار واردات الغاز الروسي أحد البنود التي قسمت الاتحاد الأوروبي في مناقشات الجمعة بعد أن حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن أي دولة تفرض سقفا لسعر النفط أو الغاز الروسي ستتوقف عن تلقيه.
وجادل بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي لصالح تحديد سقف لسعر الغاز لجميع واردات الكتلة من الغاز إثر اقتراح مماثل قدمته بولندا خلال الشهر الحالي. وأيد 15 عضوا في الاتحاد الأوروبي مثل هذه الخطوة، لكن الآخرين كانوا متشككين. وكانت شكوكهم منطقية، حيث أشارت النرويج، منقذ الغاز في الاتحاد الأوروبي، إلى أنها لن تقبل وضع حد أقصى لسعر الغاز الذي توفره.
وقال رئيس الوزراء يوناس غار ستوره إن “هذا ليس حلا نقترحه، ولا نعتقد أنه يجيب على تحديات الاتحاد الأوروبي (…) أقول لزملائي الأوروبيين إنني لست من يبيع الغاز”.
وتكمن المشكلة في أن الاتحاد الأوروبي لا يتمتع بوقت يكفي لمناقشة كيفية إنقاذ اقتصاده ومواطنيه من انقطاع التيار الكهربائي هذا الشتاء. وقد أشارت بلومبيرغ في تحليل حديث للوضع قبل اجتماع وزراء الطاقة أن السرعة ليست من بين خصال الاتحاد الأوروبي.
وتحدّث رئيس الوزراء البلجيكي صراحة. وقال لبلومبيرغ الأسبوع الماضي “أسابيع قليلة كهذه وسيتوقف الاقتصاد الأوروبي تماما. وسيكون التعافي من ذلك أكثر تعقيدا بكثير من التدخل في أسواق الغاز اليوم. ويكمن خطر ذلك في تراجع التصنيع والمخاطر الشديدة من الاضطرابات الاجتماعية الأساسية”.
لكن الاحتجاجات حقيقة واقعة. حيث نزل عشرات الآلاف إلى الشوارع في جمهورية التشيك خلال هذا الشهر للاحتجاج على الطاقة والسياسة الخارجية التي حددتها الحكومة. كما يحتج الآلاف على أسعار الطاقة المرتفعة في ألمانيا وإيطاليا. وفضت الشرطة الفرنسية احتجاجا غير قانوني في نهاية هذا الأسبوع، واعتقلت العشرات من الأشخاص.
وتقول المحللة الاقتصادية إيرينا سلاف في تقرير لموقع “أويل برايس” الأميركي إنه “عندما يبدأ الطقس في البرودة قد تتصاعد هذه الاحتجاجات وتتضاعف أيضا. وهذا يجعل مهمة حكومات الاتحاد الأوروبي أكثر إلحاحا. ومع ذلك، توجد بالفعل خلافات داخلية يصعب حلها في وقت قصير”.
الاتحاد الأوروبي لا يتمتع بوقت يكفي لمناقشة كيفية إنقاذ اقتصاده ومواطنيه من انقطاع التيار الكهربائي هذا الشتاء
وتخطط كرواتيا، على سبيل المثال، لحظر صادرات الغاز الطبيعي، مما وضع جارتها المجر على حافة الهاوية. ولم يكن جيران ألمانيا سعداء أيضا بعد أن أعلنت برلين أنها لن تغير رأيها بشأن ما تبقى من مفاعلاتها النووية ولن تغلقها كما هو مخطط له.
وقال مفوض شؤون الأسواق الداخلية في الاتحاد الأوروبي تييري بريتون في تصريحات سابقة “أريد أن أتأكد من أنه يمكننا توفير كل شيء لقضاء الشتاء. أعتقد أنه من المهم أن يفعل كل بلد يتمتع بالقدرة على القيام بذلك في هذه الفترة بالذات كل ما في وسعه. وهذه مسألة تضامن أيضا”.
لكن من الواضح أن ألمانيا لا ترى الأمور بالطريقة نفسها، ويبدو أن الطرف الوحيد الذي يوافقها هو جارتها فرنسا، حيث أبرم الاثنان صفقة ترسل بموجبها فرنسا الغاز لألمانيا وتتلقى الكهرباء في المقابل. لكن باقي جيران ألمانيا لا يزالون مترددين في إبرام صفقات تضامن مع أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي (والأكثر ضعفا حاليا).
وتشير سلاف إلى أن اتخاذ قرار ما في الاتحاد الأوروبي يستغرق فترة غير قصيرة حتى في أفضل الأوقات. ويعدّ هذا مفهوما، فغالبا ما يمثل إقناع 27 دولة لها مصالحها الوطنية الخاصة بالاتفاق على مسار عمل واحد تحديا يتطلب في النهاية تقديم تنازلات.
وتضيف المحللة الاقتصادية أن مساحة التسوية ضيقة هذه المرة، ولا يوجد متسع من الوقت للتوصل إلى مسار عمل معيّن. وسيكون الاتفاق على حد أقصى لسعر الغاز غير مطروح على الطاولة إذا أراد الاتحاد الأوروبي التحرك بسرعة. ويبقى الشيء الوحيد الذي يمكن الاتفاق عليه بسرعة هو التدخل في أسواق الطاقة للحد من الأسعار لأن وضع سقف للاستهلاك سيكون تحديا للتفاوض.
ونقلت بلومبيرغ عن المدير العام لـ”سيفيك”
(مجموعة تجارة الصناعات الكيماوية في أوروبا) ماركو مينسينك قوله إن “هذه ليست اللحظة المناسبة لإجراء مناقشات رئيسية حول أسواق الطاقة. لسنا بحاجة سوى إلى حلول الآن. والوضع مقلق للغاية حيث يتعلق الأمر بمستقبل الصناعة في أوروبا. تتوقف المؤسسات عن الإنتاج بينما نحن نتحاور، ولن تفتح أبوابها مرة أخرى مع هذه الأسعار”.
والسبت، قالت صحيفة “لا ريبوبليكا” إن فرنسا كتبت إلى السلطات الإيطالية لإبلاغها باحتمال توقف الإمدادات لمدة عامين. وأكدت متحدثة باسم وزارة الطاقة الإيطالية القصة في حين نفت فرنسا ذلك، قائلة إنها ملتزمة بالحفاظ على إمدادات الطاقة لجيرانها الأوروبيين.
جاء ذلك بعد أن قالت شركة “آر.تي.إي” الفرنسية المشغلة للشبكة في تقريرها عن التوقعات الشتوية إنه في وضع شديد القسوة، قد تحتاج إلى إيقاف رابط كهربائي مع إيطاليا، وآخر مع المملكة المتحدة، وهي خطوة من شأنها أن توقف الصادرات.
ومن المتوقع أن ينخفض الإنتاج النووي لشركة “إلكتريسيتي دو فرانس إس.أي” التي تسيطر عليها الدولة إلى أدنى مستوى له منذ أكثر من ثلاثة عقود في الوقت الذي تكافح فيه من أجل صيانة محطاتها القديمة.
وأصبحت فرنسا، التي تعد تقليديا أكبر دولة مصدرة للكهرباء في أوروبا، مستوردا تماما، وجنبا إلى جنب مع الضغط على تدفقات الغاز الروسية، تعد أزمة شركة “إلكتريسيتي دو فرانس” مصدرا رئيسيا لعجز الطاقة في أوروبا.
ومن المنتظر أن تعقد المفوضية الأوروبية آخر الشهر الجاري اجتماعا لوضع قرارات نهائية للتخفيف من حدة أزمة الطاقة، وهي تسابق الزمن قبل حلول فصل الشتاء وارتفاع مخاوف الأوروبيين من عدم تمكنهم من سداد تكاليف الغاز والكهرباء.