كريتر نت – متابعات
تتعارض رسائل السلام التي يروج لها الحوثيون مع سلوكياتهم على الأرض، وهو مسلك دأبت عليه الجماعة الموالية لإيران خلال السنوات الماضية، فهي تقدم الخطاب ونقيضه، لإيصال رسائل بأنها منفتحة على خيار التسوية كما على خيار الحرب.
ووجهت جماعة الحوثي خلال احتفالها بالذكرى الثامنة من استيلائها على العاصمة صنعاء رسائل سلام للحكومة اليمنية والتحالف العربي، لكن مراقبين يرون أن السلام الذي تعرضه الجماعة الموالية لإيران “ملغوم” ويستند على مبدأ إقرار الثنائي بالأمر الواقع أي بسيطرتها على الشمال اليمني.
ويشير المراقبون إلى أن الجماعة تعتمد على سياسة العصا والجزرة في التعاطي مع الفريق المقابل، لافتين إلى أن الرسائل التي وجهها رئيس المجلس السياسي للحوثيين بصنعاء مهدي المشاط جرت خلال عرض عسكري ضخم تم خلاله استعراض ترسانة من الأسلحة، من ضمنها منظومات صاروخية يكشف عنها للمرة الأولى.
وهذا ثاني عرض عسكري تقوم به الجماعة في أقل من شهر، حيث سبق وأن قامت باستعراض كبير، في مدينة الحديدة، في خطوة أثارت انتقادات من الأمم المتحدة.
وبثت قناة “المسيرة” التابعة للحوثيين مشاهد من العرض العسكري الذي قالت إنه تضمن “أسلحة إستراتيجية جديدة لم يتم الكشف عنها من قبل، بعضها دخل الخدمة قريبا وبعضها جربت ولم تستخدم بعد”.
ويوضح المراقبون أن خطاب السلام الذي حملته الجماعة خلال الاستعراض العسكري هو رسالة بأن الجماعة منفتحة على جميع الخيارات ومن بينها استئناف الحرب، وأنها اليوم في وضع قوة يسمح لها بفرض شروطها للتسوية، أو العودة للقتال.
مهدي المشاط: مستعدون لتبادل معالجة المخاوف مع محيطنا العربي
وقال المشاط إن جماعته “حريصة على السلام والانفتاح على كل الجهود، ومستعدة لتبادل معالجة المخاوف وضمان المصالح المشروعة مع محيطنا العربي والإسلامي ومع كل دول العالم”، وفق ما نقلت وكالة “سبأ” بنسختها التي تديرها جماعة الحوثيين.
وتتهم الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العسكري العربي الداعم لها، بقيادة الجارة السعودية، الحوثيين بالسيطرة على محافظات يمنية خدمة لمصالح حليفتهم إيران.
ودعا القيادي الحوثي في خطاب له من سماهم قيادة الحرب في الجانب الآخر (التحالف والحكومة اليمنية) إلى الانتقال المشترك من إستراتيجيات الحرب والسياسات العدائية إلى إستراتيجيات السلام، وطالب بإنهاء الحرب بشكل كلي ومعالجة آثارها وتداعياتها والتعاون في إصلاح ما أفسدته.
واعتبر أن سلوك المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة “سلوك معيق ومحبط لإنجاز السلام”، ودعاهم لدعم خيارات السلام الجاد والحقيقي، قائلا “السلوك الأممي لا يساعد أبدا على بناء الثقة وتحقيق السلام بقدر ما يدخل ضمن العوامل المباشرة التي تقف وراء إطالة أمد الحرب”.
وقال المشاط “لقد حان وقت السلام وفي معرض السلام لا ينبغي للخارج أن يكذب الكذبة ويصدقها إلى ما لا نهاية”، على حد تعبيره، داعيا “إلى سرعة الانخراط العملي في إجراءات بناء الثقة في الجانبين الإنساني والاقتصادي في رفع الحصار عن الموانئ والمطارات اليمنية وضبط الموارد والثروات النفطية والغازية بما يكفل صرف الرواتب”.
ويأتي خطاب المشاط بالتزامن مع الهدنة الأممية السارية في البلاد، والتحركات الدبلوماسية لضمان تمديد جديد لها، حيث تنتهي الهندة في الثاني من أكتوبر المقبل.
وكشف المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ عن وجود رغبة لدى الولايات المتحدة في تمديد الهدنة باليمن لمدة ستة أشهر.
وقال ليندركينغ في تصريحات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك إن “هناك بعض المؤشرات الإيجابية. في الحقيقة هناك هدنة سارية منذ الثاني من أبريل الماضي، ويتم تمديدها كل شهرين”.
وأضاف “أعتقد أننا جميعا، بما يشمل الشعب اليمني وأطراف الصراع، نشعر بالمزيد من الأمل الآن. نحن بحاجة إلى الانتقال إلى المستوى التالي، ليس فقط لتجديد الهدنة لشهرين، ولكن لهدنة أوسع، ربما لمدة ستة أشهر، وهذا ما تود واشنطن أن تراه”.
ولفت ليندركينغ إلى أن هناك “تحركات للحوثيين ضد شروط الهدنة، سواء من خلال إعاقة دخول النفط أو الهجمات في تعز”، داعيا الحوثيين إلى “فتح الطريق في تعز”.
أمل أميركي في هدنة دائمة
وفي المقابل شدد على أن النفط يُعد “جزءا أساسيا في الاقتصاد اليمني، وضروريا للعمليات الإنسانية، ولمصانع الأغذية، ولشبكة النقل؛ لذلك يجب أن يتدفق النفط إلى البلاد من دون عوائق”، في إشارة إلى ضرورة رفع التحالف العربي والحكومة اليمنية لكل القيود على موانئ الحديدة.
وتطرق ليندركينغ إلى مدفوعات الرواتب، مؤكدا أنها “قضية أساسية” لكل أطراف النزاع، كما شدد على “الحاجة إلى تعاون الحوثيين حتى نتمكن من فتح مدفوعات رواتب الموظفين في أسرع وقت ممكن”.
ويرى متابعون أن تصريحات المسؤول الأميركي تتماهي في جزء كبير منها مع ما يطالب به الحوثيون، على الرغم من انتقاده لهم.
ويشير المراقبون إلى أن دعوة ليندركينغ إلى رفع جميع القيود على موانئ الحديدة بشكل غير مباشر، وإثارته لملف رواتب الموظفين، هي مطالب سبق وأن طرحتها جماعة الحوثي كشرط لتمديد الهدنة الحالية.
وأكد المبعوث الأميركي على أن “الهدنة هي الطريق الأمثل للوصول في نهاية المطاف إلى حل المسائل الصعبة المتعلقة بالحكم وتقسيم الموارد في اليمن، لذلك نريد أن نتحرك بسرعة كبيرة للوصول إلى هذه المرحلة”.
خطاب السلام الذي حملته جماعة الحوثي خلال الاستعراض العسكري هو رسالة بأن الجماعة منفتحة على جميع الخيارات
ومن جهة أخرى أشار إلى أن “طهران لعبت على مدار السنوات الخمس الماضية دورا سلبيا في اليمن، لكن لديها الآن فرصة للعب دور بنّاء”، مضيفا أن “إيران هرّبت أسلحة إلى اليمن، في انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي بشأن حظر الأسلحة”.
وشدد ليندركينغ على أنه “يجب أن يتوقف تهريب الأسلحة إلى اليمن، خصوصا أن هناك موقفا دوليا موحدا تجاه ما يحدث في اليمن”.
وأضاف “سعدنا بترحيب طهران بالهدنة”، مؤكدا أن “أمام إيران الآن فرصة للشروع في دور بنّاء بهذه الأزمة، وأعتقد أننا سنرحب بذلك إذا رأينا دليلا عليه”.
وتدعم إيران جماعة الحوثي، بمدهم بالأسلحة، والخبراء العسكريين، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في إطالة أمد الأزمة اليمنية.
ويستبعد مراقبون أن تقدم طهران على أي خطوات لدفع الجماعة اليمنية الموالية لها على أي تنازلات من أجل السلم، في ظل سعيها لتوظيف هذه الورقة في لعبة الابتزاز التي تمارسها على المجتمع الدولي.
ويدور النزاع في اليمن منذ العام 2014 بين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء ومناطق أخرى في شمال البلاد وغربها، وقوات الحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية. وتسبّبت الحرب بمقتل مئات الآلاف من الأشخاص بشكل مباشر أو بسبب تداعياتها، وفق الأمم المتحدة.
ومنذ الثاني من أبريل الماضي، سمحت الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة بوقف الأعمال العدائية واتّخاذ تدابير تهدف إلى التخفيف من الظروف المعيشية الصعبة للسكان، في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.