هند سليمان
صحفية مصرية
بعد عقود من معاناة الفلسطينيين من الاحتلال وازدواج المعايير الدولية، فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد المجتمع الدولي والأوساط الإسرائيلية نفسها أمس بتأكيد نادر على أنّ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية “هو الخيار الصائب”؛ الأمر الذي أثار ردود فعل حذرة في الأوساط العربية.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس، قال لابيد: “رغم وجود عوائق، إلا أنّ إبرام اتفاق مع الفلسطينيين يقوم على حل (إقامة) دولتين لشعبين هو الخيار الصائب لأمن إسرائيل واقتصادها ولمستقبل أولادنا”،
وفقاً لوكالة “سبوتينك” الروسية، ونقلت عنه هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” قوله: “أيّ اتفاق سيكون مشروطاً بدولة فلسطينية سلمية لا تهدد إسرائيل”، غير أنّه لم يوضح ماذا يعني بـ”سلمية”، وخلال مفاوضات دامت عقوداً، ولم تكلل بالنجاح لمراوغة إسرائيل، كانت تل أبيب تشترط نزع سلاح الفلسطينيين، ولا سيّما حركات المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس.
الترجمة إلى أفعال
تصريح لابيد النادر لاقى ردّ فعل من وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الذي قال في تصريحات لقناة “العربية”، إنّ “تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد بشأن حل الدولتين إيجابي، إذا تُرجم إلى أفعال”.
وأضاف فيصل بن فرحان: “لا بدّ من أن يكون هناك حوار مباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتحقيق السلام، ومن المعروف أنّ المملكة العربية السعودية طرحت مبادرة السلام العربي في عام 2002، ونحن ندعم مساعي السلام منذ زمن طويل، وإذا كانت تصريحات لابيد جادة، فهذا تطور إيجابي”، مؤكداً أنّ “السلام يتطلب حواراً مباشراً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأنّ المملكة العربية السعودية حريصة على إرساء السلام”.
مسارات السلام
طرح لابيد، الذي يأتي بالتزامن مع مقتل شاب فلسطيني في الضفة الغربية برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، لاقى ترحيباً كذلك من ريم بنت إبراهيم الهاشمي وزيرة شؤون التعاون الدولي الإماراتية، التي أكدت في خطابها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة موقف بلادها الثابت تجاه القضية الفلسطينية.
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية “وام” عن الهاشمي قولها: “نؤكد هنا على موقفنا الثابت والداعي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 حزيران (يونيو) لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للمرجعيات الدولية المتفق عليها، ونرحب بما جاء في بيان رئيس وزراء دولة إسرائيل من على هذا المنبر بشأن دعم رؤية حلّ الدولتين”.
وعبّرت الهاشمي عن تطلع بلادها إلى “النهوض بكافة العمليات السياسية في منطقتنا، وتذليل الصعاب أمام مسارات السلام فيها، ولكن ينبغي أن يرافق ذلك تعزيز للموقف الدولي الموحد الرافض للتدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية، التي تقوض جهود حل النزاعات وتغذي التطرف والإرهاب، وتشكّل انتهاكاً صارخاً لسيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها”.
النوايا “لاتكفي”
في رد فعل حذر للغاية تجاه تصريحات لابيد، شدّد وزير الخارجية المصري سامح شكري على أنّ الحديث والنوايا وحدها “لا تكفي” لتحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية.
وقال شكري، في حوار مع موقع “المونيتور” الأمريكي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة: “أدرك أنّ رئيس الوزراء لابيد قد أشار علناً إلى دعمه لحلّ الدولتين. هذا شيء ننادي به باستمرار في مناقشاتنا مع كلٍّ من الحكومة الإسرائيلية وشركائنا في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ونأمل أن يتم تحقيق الحل.”
وتابع: “ندرك بالطبع أنّ هناك انتخابات مقبلة في إسرائيل، وضرورة انتظار العملية الانتخابية وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة. نأمل أن تصادق تلك الحكومة على حلّ الدولتين وأن تعيد بدء المفاوضات بشكل فعال مع السلطة الفلسطينية وتنفذها”.
وأكد شكري: “لا يكفي إعلان نوايا المرء”، مشيراً إلى أنّه “بعد أكثر من (3) عقود على أوسلو، لم تتحقق رؤية إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب بأمن وسلام مع إسرائيل”.
وأردف قائلاً: “يمكنني أن أتفهم خيبة الأمل التي تم نقلها في خطاب الرئيس عباس للسبب نفسه بالضبط”، في إشارة إلى عدم تنفيذ ما ورد في اتفاقية أوسلو حول إقامة الدولة الفلسطينية.
الداخل الإسرائيلي
تأتي تصريحات لابيد قبل أقل من (6) أسابيع من انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، والتي وفقاً لـ”بي بي سي” قد تعيد رئيس الوزراء اليميني السابق بنيامين نتنياهو إلى السلطة، وهو معارض منذ فترة طويلة لحلّ الدولتين.
ولم يُخفِ رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق موقفه من حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، فقبل ساعات قليلة من إعلان لابيد النادر، غرّد نتنياهو مؤكداً أنّه لن يسمح لـ”يائير لابيد” بإقامة دولة فلسطينية”، وإعادة بلاده إلى ما سمّاه بـ “كارثة أوسلو”.
ونقل الموقع الإلكتروني “تايمز أوف إسرائيل” عن استطلاع أجراه “معهد الديمقراطية الإسرائيلي” قوله: إنّ 31% فقط من اليهود الإسرائيليين يعتقدون أنّ الحكومة التي تشكلت بعد انتخابات 1 تشرين الثاني (نوفمبر) يجب أن تحاول دفع حل الدولتين، من 44% في شباط (فبراير) 2021، بينما يعارض 58% من اليهود الإسرائيليين هذه الخطوة، ولم يقرر 11% بعد. ووفقاً للصحيفة العبرية، فإنّ التأييد بين عرب إسرائيل لحلّ الدولتين كان أعلى بكثير، فقد وافق 60% على أنّ الحكومة القادمة يجب أن تدفع باتجاه مثل هذه النتيجة الدبلوماسية.
بالتزامن مع خطاب لابيد، خرجب مظاهرات إسرائيلية في أكثر من (150) موقعاً في أنحاء البلاد للمطالبة بعدم عودة نتنياهو إلى السلطة مجدداً، على حدّ قول صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية.
المصدر حفريات