رشا عمار
صحفية مصرية
خلّف قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم (4) أقاليم أوكرانية جديدة إلى الأراضي الروسية، فضلاً عن تصريحاته التي هاجم فيها الغرب والولايات المتحدة مساء أول من أمس، خلّف موجة من الغضب والتداعيات على المستوى الدولي، وقد تصاعدت التوترات بين المعسكرين؛ الغربي والروسي، وسط تحذيرات من نتائج أكثر خطورة على المستويين؛ السياسي والاقتصادي، دولياً.
وأعلن بوتين أول من أمس ضم (4) أقاليم أوكرانية إلى روسيا هي: دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا، وذلك بحضور نواب البرلمان وممثلي الأقاليم، وقال: إنّ “سكان هذه الأقاليم سيظلون مواطنين روس إلى الأبد”، وذلك بعد استفتاء شعبي أجرته روسيا خلال الأسبوع الأخير من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي.
وأضاف الرئيس الروسي: “الناس حددوا خياراتهم في الاستفتاءات التي جرت في مناطق بأوكرانيا”، و”هناك تاريخ مشترك بين روسيا والأقاليم الـ4، ولذلك صوت الجيل الناشئ من أجل مستقبلنا المشترك”، بحسب “سكاي نيوز”.
وتابع بوتين: “من حق سكان هذه المناطق أن يختاروا الانضمام إلى روسيا من أجل حماية حقوقهم في الحياة”.
رسالة لأوكرانيا
ووجّه بوتين رسالة إلى أوكرانيا قائلاً: “ندعو كييف لوقف الأعمال القتالية فوراً”.
لكنّ الرئيس الأوكراني أكد، ردّاً على دعوة الحوار، قائلاً: إنّ بلاده لن تخوض مفاوضات مع بوتين بشكل مباشر، وقال: إنّ “بلاده يمكن أن تتفاوض مع روسيا في حال أصبح لها رئيس آخر غير بوتين”.
أمريكا والغرب غاضبون
جاء رد الرئيس الأمريكي جو بايدن على تصريحات بوتين سريعاً، وتوعد بأن يدفع بوتين “الثمن باهظاً”، وقال بايدن في بيان: إنّ “الولايات المتحدة تدين محاولة روسيا القائمة على الاحتيال لضم أراضٍ أوكرانية ذات سيادة”.
وقد ردّ قادة الاتحاد الأوروبي بأنّهم “لن يعترفوا إطلاقاً” بضم روسيا غير القانوني للمناطق الأوكرانية، واتهموا الكرملين بتعريض الأمن العالمي للخطر.
وقال قادة الدول الـ27 في بيان: “نرفض بحزم وندين بشكل قاطع ضم روسيا غير القانوني لمناطق دونيتسك ولوهانسك (لوغانسك) وزابوريجيا وخيرسون الأوكرانية”، وفق موقع “دويتشه فيله” الألماني.
وصدر البيان خلال حفل توقيع الرئيس الروسي إعلان ضم المناطق الـ4 إلى روسيا.
وحاول مجلس الأمن ليل الجمعة إصدار قرار بالإدانة لقرار الضم الروسي، لكنّ موسكو عطّلت القرار باستخدام حق “الفيتو”، وامتنعت الصين عن التصويت.
أوكرانيا تطلب الانضمام عاجلاً إلى الناتو
أمّا أوكرانيا، فقد سارعت بالتقدم مجدداً بطلب عاجل للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقطع فيديو نشره عبر تطبيق “تيلجرام”: “بحكم الواقع، لقد بدأنا بالفعل طريقنا إلى الناتو، واليوم تتقدم أوكرانيا لتجعله قانونياً”، وأشار إلى أهمية انضمام بلاده إلى الناتو كجزء من منظومة الدفاع الأوروبية.
لكنّ تقارير أوروبية تحدثت عن عدم جاهزية كييف للانضمام إلى الناتو في الوقت الحالي؛ لأنّ شروط الانضمام للحلف تقتضي بألّا تكون الدولة المرشحة منخرطة في صراعات دولية أو نزاعات حدودية.
عقوبات اقتصادية جديدة
قالت وزارة الخزانة الأمريكية إنّها فرضت عقوبات على (14) مسؤولاً في المجمع الصناعي العسكري الروسي، و(2) من قادة البنك المركزي في البلاد، وأقارب لكبار المسؤولين، و(278) عضواً في الهيئة التشريعية الروسية؛ بسبب ضلوعهم في “تنظيم الاستفتاءات الروسية الصورية ومحاولة ضم أراضٍ أوكرانية ذات سيادة”، بحسب بيان نشرته صحيفة “الإندبندنت” بالعربية.
كما أصدرت وزارة الخزانة توجيهات تُحذّر فيها من فرض عقوبات على أشخاص خارج روسيا إذا قدّموا دعماً سياسياً أو اقتصادياً لموسكو.
في حين تعهد وزراء خارجية الدول الـ7 الصناعية الكبرى، (بريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة) عدم اعترافهم مطلقاً بقرار الضم، وقالوا إنّهم يدرسون توقيع عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا تشمل الأفراد والمنظمات داخل البلاد وخارجها، وانتقد مجموعة الوزراء ما وصفوه بالاستخدام غير المسؤول للخطاب النووي من جانب روسيا.
ما سيناريوهات التصعيد؟
اعتبرت الكاتبة الأمريكية ليز سلاي أنّ قرار روسيا بضم (4) مناطق في جنوب وشرق أوكرانيا للأراضي الروسية يضع العالم على أعتاب حرب نووية، وهو تصعيد خطير لم يشهد العالم مثيلاً له منذ (77) عاماً.
وقالت الكاتبة الأمريكية، بحسب مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست”: إنّ “قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يضع العالم بأسره على مبعدة خطوتين أو (3) خطوات من حرب نووية، في تطور هو الأخطر من نوعه في الحرب الروسية الحالية في أوكرانيا.”
وكان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك سوليفان قد أكد الجمعة أنّ الجيش الأمريكي المنتشر في أوروبا مستعد لمواجهة “أيّ احتمال”، على وقع تصعيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحربه في أوكرانيا.
وقال سوليفان: “نشعر بأنّ لدينا راهناً القدرة على الرد على أيّ احتمال”، مشيراً إلى أنّ تعزيزات عدة جرى إرسالها دعماً للقواعد الأمريكية في أوروبا.
وشدد المسؤول الأوروبي عن السياسة الخارجية جوزيب بوريل السبت على ضرورة تنسيق التسلّح بين الدول الأعضاء لمواجهة حرب محتملة مع روسيا، بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”.
وقال بوريل، الذي كان يتحدث في منتدى “لا توخا” في مقاطعة جليقية شمال إسبانيا: “نحتاج إلى عملية إعادة التسلح بشكل منسق، ومهمتي هي التخطيط للتنمية العسكرية”.
مضيفاً أنّه “رُبّ ضارة نافعة، في إشارة إلى أنّ الحرب في أوكرانيا دفعت أوروبا إلى وضع الحرب في أفقها الوجودي”.
هل ينزلق الصراع إلى مواجهة نووية؟
حديث بوتين عن التلويح بالسلاح النووي الذي تملكه بلاده عزّز المخاوف الدولية من انزلاق الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى حرب نووية، خاصة في ضوء تصريحات قادة الولايات المتحدة بالرد على أيّ تصعيد من الجانب الروسي، خاصة فيما يتعلق باستخدام الأسلحة النووية.
وحول أهداف الإستراتيجية الروسية للتلويح باستخدام السلاح النووي أورد الدكتور شادي عبد الوهاب رئيس التحرير التنفيذي لدورية اتجاهات الأحداث، في دراسته المشورة بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، تحت عنوان “الرد بالتصعيد… هل تتحول الحرب الأوكرانية إلى صراع نووي؟”، أورد أنّه “كان من الواضح منذ تصاعد التوتر بين روسيا والغرب في عام 2014، أنّ لدى موسكو عقيدة نووية جديدة تسمح باستخدام السلاح النووي، حتى في مواجهة الحرب التقليدية، وهو ما يمكن تفصيله بعدة نقاط؛ أهمها “التصعيد من أجل التهدئة”؛ حيث “تنص الإستراتيجية العسكرية الروسية الصادرة في عامي 2014 و2020 أنّ الاتحاد الروسي يحتفظ بالحق في استخدام الأسلحة النووية رداً على استخدامها أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل ضده أو ضد حلفائه، وكذلك في حالة حدوث عدوان على الاتحاد الروسي باستخدام أسلحة تقليدية، وذلك عندما يكون وجود الدولة ذاته موضع التهديد.”
وبحسب عبد الوهاب “يمكن القول إنّ التلويح الروسي باستخدام الأسلحة النووية جاء رداً على التصعيد الغربي متمثلاً في الدعم المُقدم لأوكرانيا في معركة خاركيف، وحديث الغرب عن إمداد كييف بأسلحة متطورة إضافية بصورة تعيق موسكو عن تحقيق أهدافها في أوكرانيا.
وبالتالي سعى الكرملين لوضع خط أحمر جديد للغرب لعدم تجاوزه، وللتأكيد أنّ موسكو مستعدة للذهاب إلى أقصى مدى لتحقيق أهدافها في أوكرانيا، على الأقل المُعلن منها. وفي حين أنّ الولايات المتحدة ابتعدت عن التصعيد نووياً مع روسيا، واكتفت برسائل غامضة لحفظ ماء الوجه، فإنّه ليس واضحاً مدى استعداد الغرب لوضع سقف لدعمه العسكري لأوكرانيا، ومن ثم اتجاه روسيا لتوظيف السلاح النووي، ولعل الخسائر الميدانية للجيش الروسي في أوكرانيا هي التي ستحدد ذلك”.
المصدر حفريات